كشفت دراسة محلية أجريت على مستوى دولة الدنمارك عن وجود صلة جديدة مدهشة بين مستويات الليثيوم الطبيعية في مياه الشرب ومعدل حدوث الخرف.

يُعد الخرف واحدًا من أكبر أسباب العجز لكبار السن في جميع أنحاء العالم، 9.9 مليون حالة جديدة تحدث كل عام، ولكن لا يزال هناك الكثير ونحن لا نعرف ما يسبب هذا المرض وكيفية الوقاية منه.

وتشير هذه النتائج الجديدة إلى أن إضافة الليثيوم للاستفادة من المياه يمكن أن يكون حلًا صحيا في المستقبل.

الليثيوم، العنصر الثالث في الجدول الدوري، ليس فقط ما يُشغّل البطاريات في معظم أجهزتنا الإلكترونية. مُحاصرًا بمختلف المعادن، ينتشر هذا المعدن الخفيف في جميع أنحاء قشرة كوكبنا، وأيضًا يُوجد بشكل طبيعي في مياه الشرب.

منذ ما يقرب من 50 عامًا، استُخدمت أملاح الليثيوم في علاج الاضطراب ثنائي القطبين، وقد أظهرت الدراسات أن التعرّض طويل الأمد لليثيوم قد يقلل من خطر الإصابة بمرض الخرف في مرضى ثنائي القطبين.

ومع أخذ ذلك بالاعتبار، قام فريق بقيادة باحثين من جامعة كوبنهاغن بالتحقيق فيما إذا كان بإمكانهم العثور على أي تأثير من هذا القبيل على سكان الدنمارك، إذا ما قارنوا مستويات الليثيوم الطبيعية في مياه الشرب بمعدلات الإصابة بالخرف.

وهنا كانت المفاجأة الجنونية، وجدوا بالفعل أن المستويات الأعلى من الليثيوم في مياه الشرب ترتبط مع حدوث عدد أقل من حالات الخرف في تلك المناطق.

استخدم الباحثون 151 عينة مياه شرب من جميع أنحاء البلاد، واستغلوا هذه البيانات لوضع خريطة شاملة لمستويات الليثيوم في مياه الشرب لجميع البلديات البالغ عددها 275 بلدية في الدنمارك.

ثم أدخل الفريق تلك البيانات على بعض السجلات الطبية، وذلك  بالنظر إلى سجلات ما مجموعه 73,731 مريضًا بالخرف و 733,653 شخصًا لا يعانون من المرض. كشفت مطابقة تشخيص المرض مع مستويات الليثيوم في البلديات التي جرت فيها الدراسة عن وجود علاقة واضحة بين التعرض الليثيوم والإصابة بمرض الخرف.

وبالمقارنة مع الأشخاص الذين حصلوا فقط على 2-5 ميكروجرام من الليثيوم لكل لتر في مياه الشرب لديهم، فإن السكان الذين حصلوا على 10 ميكروغرام على الأقل انخفضت لديهم نسبة الإصابة بالخرف بمعدل 17% .

ولكن بطريقة غريبة، في المجموعة المتوسطة من التعرض لليثيوم من 5.1-10 ميكروغرام لكل لتر، ازداد معدل الإصابة بالخرف في الواقع بنسبة 22 %.

“الفرضية مثيرة للدهشة ولكنها معقولة بطريقة ميكانيكية”، هكذا تسطر دورية JAMA  للطب النفسي عنوانها الافتتاحي وتضيف: “إن الارتباط بين الليثيوم والطب النفسي العصبي له تاريخ حافل”.

ويدخل الليثيوم في العديد من المسارات العصبية التي نربطها بالأمراض العصبية والنفسية، إلا أن العلاقات بين هذه المسارات معقدة للغاية، لذلك لا نعرف لماذا قد يكون لليثيوم تأثير من هذا النوع، لاسيما وأن كميته في مياه الشرب منخفضة نسبيًا.

وإلى جانب ذلك، وكما هو الحال دائمًا في دراسات الترابط السكاني، تشير هذه البيانات الجديدة إلى وجود صلة، لكنها لا تخبرنا حقيقةً ما إذا كان الليثيوم هو العامل الحاسم في هذه الدراسة أم لا.

وكتب فريق الدراسة: “هذه هي الدراسة الأولى، على حد علمنا، للتحقيق في وجود ارتباط بين الليثيوم في مياه الشرب وحدوث مرض الخرف. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد الخلط والتداخل مع العوامل الأخرى المرتبطة ببلدية المنطقة”.

لذلك ليس في إمكان الحكومات أن تذهب الآن وتشتري دلاءً من الليثيوم لتفريغه في إمدادات مياه الشرب لدينا – لا يزال هناك الكثير لا نعرفه، وخاصة بالنظر إلى أن جرعة المستوى المتوسط من 5-10 ميكروغرام لكل لتر تبدو في الواقع أنها تسهم في زيادة الخرف.

يقول جيمس بيكيت (James Pickett)، رئيس قسم الأبحاث في جمعية ألزهايمر في المملكة المتحدة: “من الجيد جدًا أن نكون صادقين على أن شيئًا من الأدوية الرخيصة والوفيرة مثل الليثيوم قد يكون له دور في الوقاية المستقبلية من مرض ألزهايمر”.

ويضيف: “ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحوث بما في ذلك التجارب السريرية، وحتى ذلك الحين يجب ألا نتخذ قرارًا بزيادة الليثيوم في مياه الشرب”.

“في الجرعات العالية، أو حتى في الجرعات المنخفضة في بعض الناس، يمكن أن يكون الليثيوم سامًا، لذا فمن المهم أن يستشير الأشخاص أطباءهم قبل أن يقرروا اتخاذ الليثيوم كمكمل غذائي”.

يؤكد الباحثون أن الخطوة التالية الأكثر أهمية في الوقت الحاضر هي إجراء دراسات إضافية لمعرفة ما إذا كان يمكن تكرار نفس هذه النتائج والتحقيق الفعلي في الخصائص والتأثيرات المحتملة لليثيوم في الدماغ.

عندما نحصل على مثل هذه النتائج، سنكون على وشك الانتهاء من إيجاد أداة جديدة مذهلة  يمكنها أن تساعدنا في نهاية المطاف على خفض  معدلات مرض الخرف المتنامية.

نُشرت هذه الدراسة في دورية JAMA  للطب النفسي.


  • ترجمة: علي  أبو الروس
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر