عندما تتصادم الأجرام السماوية ببعضها تكون النتيجة آثارًا تدوم ملايين السنين، إذ يمتلئ سطح القمر مثلًا بندبات تشبه فوهات البراكين سببها تصادمات قديمة منذ كان نظامنا الشمسي منطقة حطام، لكن بحثًا جديدًا يقول إن الأمر يتعدى الندبات على قمرنا وربما يكون سببًا في اهتزازات زلزالية أيضًا.

من المتوقع تصادم الكواكب والمذنبات المتكرر والعنيف في الأنظمة الشمسية الصغيرة في مجرتنا، وبهذا الصدد عمل الباحثون في هذه الدراسة على محاكاة التصادم بين كوكبين عملاقين لمعرفة ما قد يحدث نتيجة لذلك، وقد نشروا البحث بعنوان: الاهتزازات الزلزالية المثارة بواسطة التصادمات العملاقة في الكواكب الغازية المصوَّرة مباشرة.

ملامح التصادم بين نموذجي الكوكبين وشكله

قد تصل كتلة النواة إلى مئة ضعف كتلة الأرض من المكونات الصلبة لدى بعض الكواكب، وقد تضخمت كتلة هذه الكواكب إلى أن احتوت على كميات هائلة من المعادن نتيجة اصطدامها واندماجها مع كثير من الكويكبات الصغيرة التي قد تصل كتلة كل منها إلى عشرة أضعاف كتلة الأرض.

وقد اعتمد بحث آخر نموذج محاكاة تصادم بين عملاق غازي ضخم وعملاق غازي أصغر حجمًا لمعرفة تأثير التصادم بين هذين الكوكبين، وإن كان سيولد موجات زلزالية كبيرة يستطيع تلسكوب جيمس ويب رصدها.

توضح الصورة أعلاه بعض النقاط الموجودة بالبحث، فالصورة في جهة اليسار تظهر الأنماط F (أنماط أساسية أو سطحية وتصف بالأساس الموجات الأفقية التي تشبه إلى حدٍ كبير الموجات المتكونة على سطح الماء)، وفي جهة اليمين تظهر الأنماط P (أنماط ضغطية أو صوتية تُشبه موجات الصوت). تُستَخدم أنماط F لقياس التغيّرات على السطح، بينما تُستخدم أنماط P لاستكشاف الداخل أو البنية العميقة للكوكب، تُبيّن الألوان أيضًا التغيرات في درجة الحرارة، فالأحمر يدل على زيادة في الحرارة، أما الأزرق يدل على نقص في الحرارة.

أسئلة يقودنا إليها البحث

السؤال الأول: هل يستطيع هذا النوع من التصادمات تكوين موجات زلزالية عنيفة تستمر زمنًا طويلًا؟ والسؤال الثاني: هل يستطيع تليسكوب جيمس ويب الفضائي رصد هذه الموجات؟

الإجابة التقنية هي أن تليسكوب جيمس ويب الفضائي لا يستطيع رصد الموجات الزلزالية بدقة كبيرة، لأنه لا يقيس الاهتزازات الداخلية، ولكن بوسعه رصد تغيّرات دقيقة جدًا في الضوء، فإذا كانت الموجات الزلزالية الناتجة عن الاصطدام قوية بما يكفي قد تُحدث تغيّرات ضوئية طفيفة على سطح الكوكب، ويستطيع تليسكوب جيمس ويب الفضائي التقاطها بدقة فوتومترية عالية.

ذكر الباحثون في الدراسة: «من حيث المبدأ، قد تؤدي الاصطدامات الكوكبية الهائلة إلى إثارة اهتزازات زلزالية في الكواكب الخارجية المصوَّرة مباشرة، ويمكن رصدها بواسطة بعثات فضائية مثل تليسكوب جيمس ويب وتليسكوب رومان … نُبيّن هنا أن اصطدامًا عملاقًا بكوكب غازي جديد يُثير اهتزازات زلزالية طويلة الأمد يُمكن رصدها فوتومتريًا».

يركز الباحثون على كوكب (بيتا بيكتوريس – Beta Pictoris)، وهو كوكب شاب عملاق كتلته نحو 13 مرة كتلة المشتري، ويبلغ عمره نحو 12 إلى 20 مليون سنة فقط.

تشير الأبحاث إلى أن بيتا بيكتوريس غني بالمعادن، ويرجّح بحث من 2019 أنه تعرض لإثراء قوي بالكويكبات الصغيرة، ويُعتقد أن الكوكب يحتوي 100 إلى 300 ضعف كتلة الأرض من العناصر الثقيلة. ويطلق علم الفلك مصطلح المعدن على كل العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم، بينما تُعد العناصر الأثقل من الحديد معادن ثقيلة.

حسب الباحثون في هذه الدراسة نتائج اصطدام كوكب يعادل كتلة نبتون -أي نحو 17 ضعف كتلة الأرض- مع الكوكب الغازي العملاق بيتا بيكتوريس، ثم اندماجهما معًا.

الاصطدامات بوصفها مكونة للمعادن الثقيلة

كتب الباحثون: «قد تتراكم الكميات الهائلة من المعادن الثقيلة في الكواكب الخارجية التي تعادل كتلتها كتلة المشتري نتيجةً لاصطدامات عملاقة»، وأشاروا إلى أن الجسم الصادم والزخم الذي ينقله إلى الكوكب الناشئ يُثير طيفًا واسعًا من الأنماط الزلزالية. وبعد بدء هذه النشاطات الزلزالية قد تستمر فترات زمنية تُقارن بعمر الكوكب الشاب نفسه -أي ملايين السنين-.

وقد وجد الباحثون أن سطوع الكوكب الغازي العملاق بيتا بيكتوريس سيتغير تبعًا للاهتزازات الزلزالية التي سبّبها الاصطدام، وإذا حدث الاصطدام قبل 9 إلى 18 مليون سنة، فقد يتمكن تليسكوب جيمس ويب الفضائي من رصد آثار هذه الموجات الزلزالية استنادًا إلى تغيرات الضوء.

أكد الباحثون: «يُقدّم علم الزلازل نافذة مباشرة على أعماق الكواكب الغازية العملاقة … أطول الأنماط الزلزالية عمرًا لها ترددات قريبة من التردد الديناميكي للكوكب، ومن ثمّ فإن قياس التردد سيوفر تقديرًا دقيقًا للكثافة الكلية للكوكب، وقد تكشف هذه الطريقة أيضًا عن مناطق مستقرة طبقيًا داخل الكوكب، وهو أمر رُصد مسبقًا في كوكب زحل».

وقد رُصد هذا النمط باستخدام قياسات الجاذبية، لكن الجديد هنا إمكانية تطبيق هذه الطريقة على كواكب بعيدة خارج النظام الشمسي، ويقترح الباحثون أن هذه المنهجية قد تُستخدم أيضًا في دراسة الهجرات الكوكبية.

وأوضحوا قائلين: «الاصطدامات ليست الوسيلة الوحيدة لإثارة الاهتزازات في الكواكب الغازية. فالكواكب مثل المشتريات الساخنة والدافئة قد تتشكل نتيجة هجرة عالية الانحراف المداري، وهي عملية تؤدي فيها قوى المد والجزر من النجم المضيف إلى إثارة الأنماط الأساسية F ذات الترددات المنخفضة إلى سعات كبيرة».

وختموا بالقول: «قد تُظهر منحنيات الضوء بالأشعة تحت الحمراء لكواكب ضخمة ذات مدارات شديدة الانحراف تغيراتٍ نتيجة إثارة أنماط F بفعل المد والجزر».

تقترح هذه الدراسة أداة جديدة وقوية لتكون تطبيقًا عمليًا على علم الزلازل الفوتومتري عبر تليسكوب جيمس ويب الفضائي، تمكّننا من دراسة التركيبة الداخلية للكواكب الخارجية، ورصد تاريخ الاصطدامات الكبرى، وربما تتبع أنماط الهجرة المدارية لتلك الكواكب، إنها نقلة نوعية في علم الكواكب الخارجية تربط بين التصادمات والموجات الزلزالية والضوء لفهم العوالم البعيدة.

اقرأ أيضًا:

خريطة تكشف عن حركة الأرض بعد الزلزال الذي ضرب المغرب

ترجمة: أحمد صبري عبد الحكيم

تدقيق: تمام طعمة

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر