بعد اكتشاف الديناصور (منصوراصورس) عام 2018، عادت إلينا جامعة المنصورة باكتشاف لا يقل أهمية عنه، لتطل علينا الدكتورة سناء السيد نائب مدير مركز الحفريات الفقارية بكلية العلوم جامعة المنصورة معلنة نجاح فريق بحث دولي من عدة جامعات مصرية (جامعة المنصورة وجامعة طنطا) وأخرى أمريكية (الجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة ميتشجان) بتوثيق اكتشاف بقايا لحفريات فقارية من رواسب يرجع عمرها إلى 56 مليون سنة أي من فترة PETM إذ تمّ تسجيل حفرية سمكة القمر (Mene).

وأكدت الدكتورة سناء السيد: «أن هذا الاكتشاف يعد حدثًا علميًا فريدًا من نوعه، فلأول مرة تُوثّق أنواع مختلفة من أسماك تلك الفترة الهامة في التاريخ الجيولوجي من قارات الجزء الجنوبي: أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا وقارة القطب الجنوبي».

حازت الظروف المناخية قبل 56 مليون عام في فترة العصر الحراري الباليوسيني والإيوسيني الأقصى -تعرف اختصارًا PETM- على أعلى درجات الحرارة، وتُعد هذه الفترة أفضل نظير قديم للاحتباس الحراري في الوقت الحاضر.

تُعد الأسماك من أكثر الكائنات الحية حساسيةً للمناخ الحراري، ويُرجح أن درجات الحرارة على سطح البحر في فترة PETM اقتربت من درجات الحرارة القاتلة للأسماك البحرية الحديثة.

لكن أظهرت أحافير الأسماك المكتشفة حديثًا في صحراء شرق مصر أن الأسماك البحرية تكاثرت في المناطق الاستوائية في فترة PETM.

في المقال التالي سنقدم ملخصًا لدراسة أجراها فريق من العلماء المصريين وباحث من جامعة ميشيغيان عن النظام البيئي خلال تلك الفترة بالإضافة إلى إتاحة رؤًى للمستقبل.

قال عالم الحفريات بجامعة ميشيغان مات فريدمان في بيان له: «تأثير فترة PETM في الحياة له أهمية كبيرة، ولكن توجد فجوة كبيرة في فهمنا لآلية استجابة الكائنات الحية في تلك المناطق لأننا لم نأخذ عينات كافية لجميع الأحافير من تلك المنطقة».

وأضاف: «باعتمادنا على الأدلة الضئيلة التي نملكها عن الأسماك إضافةً إلى المعلومات التي قدمها الموقع المصري عن المناطق الاستوائية في فترة PETM، يبدو أن الأسماك تجاوزت فترة PETM بنجاح وربما حدث تنوع الأسماك في هذا الوقت أو بعده مباشرة».

أعدت عالمة الأحافير المصرية سناء السيد من جامعة المنصورة المصرية دراسة الأحافير المكتشفة، وهي ستصبح طالبة دكتوراة في جامعة ميتشيغان في الأشهر المقبلة من سنة 2021.

اكتشاف أحفورة سمكة مصرية عمرها 56 مليون عام -توثيق اكتشاف بقايا لحفريات فقارية مصرية من رواسب يرجع عمرها إلى 56 مليون سنة - سمكة القمر

عُثر على الأحافير المكتشفة حديثًا في موقع الصحراء الشرقية في منطقة رأس غريب أ Ras Gharib A على بعد 200 ميل من جنوب شرق القاهرة وغرب خليج السويس وشبه جزيرة سيناء.

تقدم هذه الأحافير أول صورة واضحة لتنوع الأسماك العظمية البحرية في المناطق الاستوائية خلال فترة PETM، وقدرت الدراسات السابقة أن درجة حرارة سطح البحر في بعض أجزاء المناطق الاستوائية قد تجاوزت على الأرجح 35 درجة مئوية في ذلك الوقت، ما يشير إلى وجود عواقب وخيمة على أسماك المحيطات في المناطق الاستوائية.

لكن النظام البيئي للأحافير المصرية سليم إلى حد ما ويحتوي على سلالات متنوعة من الأسماك إضافةً إلى تنوع الأنظمة البيئية، ووجدت الدراسات أن أنواع أحافير الأسماك التي عُثر عليها مشابهة لأحافير الأسماك في المناطق القطبية.

قالت العالمة سناء السيد: «الأحافير الحالية لا تشير إلى تأثر الأسماك البحرية بدرجة الحرارة في ذلك الوقت ولكننا ننتظر النتائج التطورية للأسماك البحرية التي ما تزال غير مكتشفة لحد الآن للتحقق من ذلك». وأضافت: «تعد هذه الدراسة حلقة مهمة للتنوع التطوري بين مجموعة الأسماك الحديثة، مثل الدراسات التي أُجريت على الثدييات».

توجد عدة عوامل ساهمت في تفسير سبب نجاة أسماك رأس غريب أ في فترة PETM ومنها:

  •  تنطبق التقديرات السابقة لدرجة حرارة سطح البحر التي تجاوزت 35 درجة على نطاق واسع على المناطق الاستوائية، لكن بيانات درجة الحرارة الخاصة بموقع رأس غريب أ ليست متاحة لحد الآن. من المحتمل أن يكون الساحل الشمالي لأفريقيا قد شهد تصاعدًا للمياه الباردة من أعماق المحيط أو ربما انتقلت الأسماك إلى مياه أعمق وأكثر برودة لتجنب درجات الحرارة الدافئة.
  •  الاحتمال الآخر هو أن الأسماك البحرية في ذلك الوقت كانت ببساطة مرنة في أسلوب العيش أكثر مما كان يعتقد الباحثون، وأنها تطورت اليوم في الحياة الحديثة.

قال فريدمان: «تُعد هذه الدراسة مشروعًا بحثيًا ناجحًا لأنها تتعلق بدراسة الأحافير وبيئتها، لذا علينا البحث بصورة مفصلة أكثر عن الأماكن التي كانت تعيش فيها تلك الأسماك».

وأضاف: «يمكننا عبر التعاون الدولي مع هذا المشروع المصري أن نعثر على المزيد من الأحافير في مناطق مهمة مثل المناطق الاستوائية، وهو ما يساعد على سد الثغرات في فهم أصل الحياة على الأرض».

عُثر على الحفريات في الصخر الزيتي الرمادي الداكن في موقع في الصحراء الشرقية والذي يُعرف بـ رأس غريب أ، وتشمل أكثر من 12 مجموعة من أنواع مختلفة من الأسماك العظمية من تلك الحقبة.

من بين الأسماك التي عُثر عليها هي مشابهات الفرخيات التي تحتوي على سمك الجاحظ والقاروص والبلوكي إضافةً إلى أنواع أخرى مثل سمكة القمر من فصيلة الأسماك العرفية التي ما تزال على قيد الحياة حتى يومنا هذا وهي موجودة في المحيط الهندي والمحيط الهادي، إذ إنهم وجدوا أكثر من 60 عينة. سكنت الأسماك العرفية في المناطق الاستوائية وعثر عليها أيضًا في الدنمارك، ما يوضح بعد مداها وتوسيع نطاقها خلال فترة PETM.

إذن، ما هي الرؤى المستقبلية التي ستتيحها أحافير الأسماك المصرية القديمة؟

عند التفكير في كيفية استجابة الحياة الحالية على الأرض للتغير المناخي الذي يسببه الإنسان، يبدو أن كل مجموعة تظهر استجابات متناقضة بالنسبة إلى المجموعة الأخرى نتيجةً لأحداث الاحترار الشديد.

مثلًا، نجت أسماك رأس غريب أ وربما تكاثرت أيضًا خلال فترة PETM بينما قُضِي على الشُعب المرجانية في المناطق الاستوائية، أما المحار والقواقع فقد أظهرت استجابةً صامتة.

قال فريدمان: «تحدث التغييرات في الأنظمة البيئية نتيجة عدة أسباب بما فيها تغييرات المناخ، ولكن لا يمكننا عد نجاة مجموعة أسماك رأس غريب أ سببًا في عدم تأثير المناخ في الكائنات الحية».

ما تزال مقارنة المناخ الحديث بـ PETM غير كاملة، فحاليًا يُطلق البشر ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بمعدل 10 أضعاف ما كان يُطلق سابقًا في فترة PETM.

تفاعل المناخ الجوي خلال فترة PETM مع كمية الكربون المنبعث من طريق ارتفاع درجة الحرارة نحو 5-8 درجة مئوية على مدى آلاف السنين، وهذا ما يفسر سبب ارتفاع درجة حرارة المناخ في يومنا الحالي ولكننا سنصل نصف هذه الزيادة على مدى بضعة قرون فقط! قال فريدمان: «هذه علامة على أن الوضع الحالي ليس له نظير».

اقرأ أيضًا:

ما هي الأحافير أو المستحاثات وكيف تتشكل ؟

لماذا تطورت بعض عصافير داروين إلى عصافير مصاصة للدماء؟

ترجمة: رند عصام الشريفي

تدقيق: عون حدّاد

المصدر