يعد جبل أكروبوليس في مدينة أثينا واحدًا من أشهر المواقع الأثرية في العالم. يوجد الموقع على هضبة عالية من حجر الكلس فوق أثينا عاصمة اليونان. سكن الناس هذا المكان منذ عصور ما قبل التاريخ؛ كان الأكروبوليس بيتًا للملوك وقلعة ومنزلًا اسطوريًا للآلهة ومركزًا دينيًا ومركزًا جاذبًا للسياح.

أكروبوليس: المدينة العالية - واحد من أشهر المواقع الأثرية في العالم - جبل أكروبوليس في أثينا عاصمة اليونان وتاريخه وأهميته

تحمّل الموقع ضربات المدافع والزلازل القوية والتخريب ولكنه بقي راسخًا ليذكر الناس بتاريخ اليونان الحافل.

يوجد اليوم الموقع على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي وهو موطن العديد من المعابد وأشهرها البارثينون.

كلمة أكروبوليس تعني المدينة العالية في اللغة اليونانية ويمكن أن تعني واحدًا من العديد من الحصون الطبيعية التي أُنشِئت على أراضٍ صخرية عالية لكن الأكروبوليس في أثينا هو الأشهر بينهم.

يقع الأكروبوليس على هضبة أتيكا وهي صخور كلسية يعود تاريخها إلى العصر الطباشيري المتأخر عندما كانت الديناصورات ما تزال تجوب الأرض.

تتألف هذه الهضبة من أربعة تلال هي:

  •  تل ليكافيتوس
  •  تل الحوريات
  •  تل بينكس
  •  تل فيلوبابوس

تشكلت قمة الأكروبوليس المسطحة نتيجة آلاف السنين من الإنشاء بدءًا من العصر البرونزي.

لا يوجد أي تأريخ لما حصل على الأكروبوليس قبل أن تُزرع من قبل الميسينيين في نهاية العصر البرونزي.

يظن المؤرخون أن اليونانيين الميسينيين بنوا مجمعًا هائلًا محاطًا بجدار عظيم تبلغ سماكته 15 قدمًا وارتفاعه 20 قدمًا من أجل منزل الحاكم المحلي وعائلته في أعلى الأكروبوليس.

بعد سنوات بنى الأثينيون معبدًا مصنوعًا من حجر الكلس والمعروف بمعبد بلوبيرد (اللحية الزرقاء) في الجانب الشمالي الشرقي تكريمًا للآلهة أثينا في القرن السادس قبل الميلاد، سُمي على اسم منحوتة عبارة عن رجل نصفه ثعبان يمتلك ثلاث لحىً زرقاء، تزين المبنى، وأُقيم معبد آخر تكريمًا للآلهة أثينا في نفس القرن؛ إذ كان مزارًا لـ أرتيمس برورنيا آلهة الأمهات الحوامل في الأساطير اليونانية.

بقي الأكروبوليس سليمًا في العصور اليونانية المظلمة من 800 قبل الميلاد إلى 480 قبل الميلاد، وأُقيمت العديد من الاحتفالات الدينية هناك، وعكست القطع الأثرية العائدة إلى ذلك الزمن فخامة “أثينا” اليونانية.

بحلول عام ٤٩٠ قبل الميلاد بدأ سكان أثينا ببناء معبد رخامي مهيب معروف باسم البارثينون القديم، وهُدِم معبد بلوبيرد (اللحية الزرقاء) من قبل الفرس.

في عام ٤٨٠ قبل الميلاد هاجم الفرس مرة أخرى وأحرقوا ودمروا ونهبوا معبد البارثينون القديم ومعظم المباني الموجودة على الأكروبوليس.

دفن سكان أثينا التماثيل المتبقية داخل كهوف طبيعية وبنوا حصنين جديدين آخرين، أحدهما في الجانب الشمالي، والآخر في الجانب الجنوبي.

العصر الذهبي للأكروبوليس:

إذا بدت الأكروبوليس مذهلة في حضارة الميسينيين، فهي لم تكن أقل إثارةً خلال العصر الذهبي لأثينا تحت حكم بيركلس؛ حين وصلت أثينا إلى قمتها الثقافية.

عقد بيركلس العزم على إيصال الأكروبوليس إلى مستوى لا سابق له من الروعة وبدأ بمشروع بناء ضخم استمر 50 عامًا.

ساعد كل من المعماريين المعروفين كاليكريتس وإيكتينوس والنحات المشهور فيدياس بالتخطيط وتنفيذ خطة بيركلس تحت إشرافه المباشر.

لم يعش بيركلس طويلًا ليشهد رؤيته للأكروبوليس تصبح حقيقة بالكامل، لكن بنائي المعبد تابعوا العمل حتى أكملوا المشروع.

أُعيد بناء الجدران الشمالية والجنوبية وبُنيت بعض من أكثر الأبنية شهرةً في العالم مثل:

  •  البارثينون: معبدٌ على الطراز الدورسي، ما يزال مركزًا لجذب السياح في الأكروبوليس ويحتوي تماثيل مزخرفة وتمثالًا مذهلًا للآلهة أثينا.
  •  بروبيلايا: مدخل ضخم إلى الأكروبوليس، يتضمن بناءًا مركزيًا وجناحين أحدهما مغطىً بألواح مطلية بإتقان.
  • معبد أثينا نايكي: هو معبد صغير بُني على الطراز الأيوني يقع على يمين البروبيلايا، بُني كضريح لنصر أثينا.
  • الإريتشيثيون: معبد مقدس على الطراز الأيوني، مبني من الرخام، تكريمًا للآلهة أثينا وعددٍ من الآلهة والأبطال الآخرين، مشهور بشرفته المدعومة بستة من تماثيل العذراء الكارياتيدية.
  • تمثال أثينا بروماخوس: الآلهة أثينا على هيئة آلهة الحكمة، تمثال برونزي ضخم (طوله نحو ٣٠قدمًا) للآلهة أثينا وُضع بجانب بروبيلايا.

تغيرت الأكروبوليس بعد فوز إسبرطة في الحرب البيلوبونيسية قليلاً، ومع هذا بُني معبد صغير تكريمًا للقيصر أغسطس وروما عام 27 قبل الميلاد، ومعظم المباني الأصلية الواقعة على الأكروبوليس إما استُخدِمت لغرض آخر أو دُمرت.

في القرن السادس بعد الميلاد، بعد أن تحولت روما إلى المسيحية، أصبحت العديد من المعابد في أكروبوليس كنائس مسيحية، فكُرِس معبد البارثينون للعذراء مريم والإريتشيثيون أصبح كنيسةً صغيرة.

كما تحملت اليونان الكثير من الغزاة مثل أهل البندقية والأتراك، فأصبحت أكروبوليس ومعابدها مساجد ومخازن للسلاح والذخيرة؛ كانت البروبيلايا مقرًا لإقامة رجال الدين الأساقفة وفيما بعد منزلًا للحاكم العثماني، ولاحقًا معسكرًا للقوات التركية المحتلة.

في 26 سبتمبر 1687، قصف البنادقة الأكروبوليس ودمر البارثينون الذي كان مخزنًا للبارود في ذلك الوقت، ما تركه تحت رحمة اللصوص والمخربين وحتى السياح؛ وفُقِدت العديد من القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن.

عام 1801، بدأ إيرل إلجين السابع توماس بروس بترحيل المنحوتات من الأكروبوليس بعد سماح القوات التركية المحتلة له بذلك، آملًا بإنقاذ عمارة البارثينون الرائعة. رحَّل إلجين أكثر من نصف منحوتات البارثينون، المعروفة باسم رخام إلجين، وباعها للمتحف البريطاني؛ وما يزال العديد منها موجودًا إلى الآن.

ترفض الحكومة اليونانية بشدة بقاء القطع الأثرية بحوزة البريطانيين وتشعر بوجوب عودة المنحوتات إلى أثينا.

الحفاظ على الأكروبوليس:

بعد حرب الاستقلال اليونانية عام 1822، عادت الأكروبوليس إلى اليونانيين في حالة سيئة للغاية، بدأت التحقيقات في حالة أغلى ممتلكاتهم، وبدأ الحفر في كامل الموقع في نهاية القرن التاسع عشر وبدأت الإصلاحات في بداية القرن العشرين.

عام 1975 أُسست لجنة الحفاظ على المعالم الأثرية في الأكروبوليس وتشمل مهندسي عمارة وعلماء آثار ومهندسي كيمياء ومهندسين مدنيين.

تعمل اللجنة بجانب خدمة ترميم الأكروبوليس، على أرشفة وحفظ تاريخ الأكروبوليس وترميم مبانيها لتبدو كشكلها الأصلي قدر الإمكان.

تعمل اللجنة أيضًا على تخفيض الأذى البيئي الحاصل بسبب التلوث والعوامل الجوية، وإيجاد طرق للحد من الأذى في المستقبل.

انتهت عمليات الترميم في كل من أثينا نايكي وإيريتشيثيون، وتفتح أكروبوليس أبوابها على مدار السنة وتقع في منطقة مزدحمة من مدينة أثينا.

اقرأ أيضًا:

أسوأ الكوارث النووية في التاريخ

مدينة برشلونة: تاريخ وحقائق

ترجمة : بديع عيسى

تدقيق :أحمد الحميّد

المصدر