في صيف عام 1856 وبينما كانت يونيس فوت تحاول تحديد العوامل المؤثرة على حرارة أشعة الشمس، أدت تجاربها إلى استنتاج مفاده أن البيئة المغلقة المشبعة بغاز ثاني أكسيد الكربون تسخن في ضوء الشمس أسرع بكثير من أخرى تحتوي هواءً عاديًا، وتبرد ببطء أكثر عند إبعادها عن ضوء الشمس المباشر، وفي ورقتها البحثية -التي لم يُسمَح لها بنشرها حينها لكونها امرأة- كتبت يونيس: «إن غلافًا جويًا من هذا الغاز سيرفع درجة حرارة الأرض كثيرًا، وبافتراض البعض فإنه في فترةٍ ما من التاريخ، اختلط الهواء بنسبة أكبر من النسبة الحالية من هذا الغاز…».

يبدو أن هذه الملاحظة لم تحظَ بالاهتمام الكافي في ذلك الوقت، وذلك لأننا على ما يبدو نعيش في ذلك المستقبل غير اللطيف الذي تخيلته يونيس.

من المعلوم أن غاز ثاني أكسيد الكربون هو الغاز الدفيء المسبب للاحتباس الحراري، ولكن ما الذي يؤهله ليكون غازًا دفيئًا في حين أن المكونات الرئيسية الأخرى للهواء ليست كذلك؟

دعونا نعرف كيف أن هذا الغاز هو ما يسبب ذوبان الأنهار الجليدية.

تاريخ موجز عن غازات الاحتباس الحراري:

يتلقى كوكبنا يوميًا كونتيليون جول من الطاقة من الشمس، وتتكون أشعة الشمس المانحة للحياة من مزيج من الأشعة فوق البنفسجية والمرئية والأشعة تحت الحمراء، وقبل أن تصل كل هذه الأشعة إلى سطح الأرض، يقوم غلافنا الجوي -وهو بطانة غازية عملاقة طافية فوقنا بوزن 55 كوادريليون طن- بمساعدة طبقة الأوزون بترشيح 99% من الأشعة فوق البنفسجية، ويسمح للأشعة المرئية بالوصول. وأخيرًا وليس آخرًا، الأشعة تحت الحمراء التي تسمح للأرض بأن تكون جيبًا دافئًا وصالحًا للسكن في هذا الفراغ البارد الواسع.

تصطدم الأشعة تحت الحمراء عند وصولها لسطح الأرض بالأجسام المختلفة التي تمتصها وتعيد إشعاعها مرة أخرى على شكل حرارة، وتحاول الحرارة المنعكسة أن تتحرك مبتعدة عن السطح الساخن إلى مناطق أكثر برودة في السماء، حيث تواجه غازات الاحتباس الحراري، فغازات معينة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء وأكاسيد النيتروجين والميثان وكلوروفلورو الكربون؛ تحول دون خروج الحرارة كلها إلى الفضاء. فلولاها كان كوكب الأرض ليكون كرةً جليديةً لا يتعدى متوسط درجة الحرارة عليها الـ18 درجة مئوية.

ما الذي يجعل غاز ثاني أكسيد الكربون غازًا دفيئًا؟

وفي هذا السياق، عندما نقول الأشعة تحت الحمراء، فإننا نقصد الأشعة تحت الحمراء المنعكسة عن سطح الأرض وليس تلك الداخلة مع أشعة الشمس، وتعد المكونات الرئيسية للهواء مثل النيتروجين والأكسجين شفافة بالنسبة للأشعة تحت الحمراء، وذلك يعني أنها لا تتفاعل مع هذه الأشعة، ومع ذلك فإن غاز ثاني أكسيد الكربون يعد نشطًا للأشعة، ما يعني أنه يخضع لبعض التفاعلات الكيميائية مع الأشعة تحت الحمراء، ويمنع معظمها من مغادرة الكوكب.

ماذا يحدث عندما تتداخل هذه الجزيئات مع مسار الإشعاعات؟

لنعرف ذلك يجب أن نلقي نظرة أكثر قربًا على جزيئات الغاز كل منها على حدى.

تبقى جزيئات الغاز في حالة ثابتة من الاهتزاز حتى في ظروف الضغط والحرارة العادية، وتزيد حدة هذه التحركات عندما تصطدم بمصدر طاقة خارجي، تخيل جزيئًا من غاز ثاني أكسيد الكربون، على أن تكون ذرات الأكسجين والكربون كرات بيغ بونغ، والروابط بينها نوابض، في الظروف العادية تنحني هذه الروابط وتتمدد بتردد معين، لتتدلى في الفضاء.

وفجأةً يضرب فوتون من الإشعاعات تحت الحمراء جزيء الغاز، الذي يمتص الفوتون وتنشط وتبدأ بالاهتزاز بسرعة أكبر، ولا يمكن لجزيء الغاز أن يحافظ على على هذه الحركة السريعة لوقت طويل، ويجب أن يستريح ويعود لحالته الابتدائية. ويرتاح الجزيء من طريق إطلاق الطاقة إلى الهواء، أو عن طريق نقلها إلى جزيء غاز ثاني أكسيد الكربون قريب، وتحدث هذه الظاهرة مرارًا وتكرارًا للتيريليونات من جزيئات غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا الامتصاص والتنشيط وإعادة إصدار الطاقة المستمر هو ما يتسبب باحتباس الحرارة.

لماذا لا يعد النيتروجين والأكسجين من غازات احتباس حراري؟

يوجد في كل جزيء شحنات موجبة وسالبة مصدرها النواة والسُحب الإلكترونية، وعندما تهتز الجزيئات غير المتجانسة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون أو الميثان أو أكسيد النتروجين، يتغير توزع الشحنات. أحيانًا تُوزع الشحنات بالتساوي، وأحيانًا أخرى لا يكون التوزع متساويًا.

يخلق التوزيع غير المتكافئ للشحنات بين الروابط حقلًا كهربائيًا، يجعلها حساسة للأشعة الكهرومغناطيسية كالأشعة تحت الحمراء، ولا يوجد أي تغيير في الحقل الكهربائي في حالة الغازات غير المتجانسة مثل النيتروجين والأكسجين، حتى عندما تتمدد الروابط، وهكذا فإن الإشعاعات الكهرومغناطيسية تمر بها دون عوائق، كما أن الجزيئات انتقائية جدًا عندما يتعلق الأمر بتردد الإشعاع الذي تتفاعل معه.

يمتص غاز ثاني أكسيد الكربون طاقة أقل من الأشعة تحت الحمراء ذات الموجات الطويلة، ولكن لا يمتص الأكسجين والنيتروجين إلا الأشعة ذات الطاقة الأعلى مثل أشعة غاما والأشعة السينية.

هل غاز ثاني أكسيد الكربون هو أخطر الغازات الدفيئة؟

يمكن لجزيء واحد من مركبات كلوروفلورو الكربون أن يصنع بصمة تعادل 10000 جزيء CO2 بينما يمتص الميثان الحرارة أكثر بثلاثين مرة، إلا أن بخار الماء هو الأقوى بين جميع غازات الاحتباس الحراري الموجودة في الهواء، وعلى الرغم من أن هذه الغازات تعد غازات احتباس حراري أقوى بكثير من غاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أن تراكيزها لا تتأثر بصورة كبيرة بالنشاط البشري، ولا يمكننا قول الشيء نفسه عن غاز ثاني أكسيد الكربون، لأنه منتج ثانوي للعديد من أنشطة الإنسان، وكانت هناك زيادة بمقدار 90% في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون منذ 1970. وبالرغم من أنه ليس أخطر الغازات الدفيئة بطبيعته، فإنه أصبح محور الاهتمام الأساسي، بسبب انبعاثه المفرط وغير المنظم لحد كبير في الغلاف الجوي.

خاتمة:

غاز ثاني أكسيد الكربون عامل هام جدًا في الحفاظ على وضع كوكبنا المعتدل والإبقاء على مياهنا سائلةً وأرضنا صالحةً للسكن، ولكن تستمر حرارة الصيف بالارتفاع بمرور الأعوام بسبب اختلال التوازن الذي سببناه بإفراطنا في إطلاق الانبعاثات الغازية، ومن حسن حظنا أن كوكبنا مزود بآليات طبيعية لتصريف الكربون من طريق التربة والغابات والمحيطات، وأقل ما يمكننا فعله هو الحفاظ عليها وترميمها وتركها تقوم بعملها.

اقرأ أيضًا:

قد نشهد أكبر انخفاض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ الحرب العالمية الثانية بسبب فيروس كورونا

الاحتباس الحراري يغير منظومة المحيطات

ترجمة: حلا بوبو

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر