«على الكُتّاب الكتابة بصفاءٍ وبلاغة عن الألم الإنساني» _ إرنست همنغواي. على الرغم من أن همنغواي لم يعرف ذلك مسبقًا، فقد أظهرت الأبحاث مؤخرًا أن الكتابة عن الألم الوجداني قد تحسّن من صحتنا النفسية. وتُظهر أكثر من 200 دراسة التأثيرات الإيجابية للكتابة على الصحة النفسية. وبرغم أن المنافع النفسية ثابتة ومتينة لدى العديد من الناس، لم يصطلح الباحثون على الآلية أو الكيفية التي قد تساعدنا فيها الكتابة.

تقترح إحدى النظريات أن كبت المشاعر قد يؤدي إلى ضيق نفسي. فمن المنطقي عندها أن تحسن الكتابة من الصحة النفسية لأنها توفّر طريقةً مطمئنةً وموثوقةً وطوعيةً للبوح بالمشاعر التي كانت مكبوتةً فيما مضى. لكن أظهرت دراسات حديثة أن زيادة وعي الذات وليس تفريغ المشاعر قد تكون النقطة المفتاحية في تنمية الصحة النفسية.

وفي الجوهر، يعني وعي الذات القدرة على تحويل اهتمامك إلى دواخلك (الذات). وبتحويل الاهتمام نحو الذات نصبح أكثر إدراكًا لفضائلنا وسلوكياتنا ومشاعرنا ومعتقداتنا وقيمنا ودوافعنا.

يُظهر بحثٌ أن لزيادة وعي الذات الكثير من الفوائد في العديد من المناحي. فقد يزيد من ثقتنا ويشجّعنا على تقبّل الآخرين، ويؤدي إلى اكتفاء وظيفي أعلى ويحثّنا لنكون رؤساءً أكثر تأثيرًا وفعاليةً، ويساعدنا أيضًا في ممارسة ضبط النفس واتخاذ قرارات أفضل تتماشى وأهدافنا على المدى البعيد.

لوعي الذات طيفٌ واسع، ومع التدريب بإمكاننا جميعًا التحسن. وقد تجدي الكتابة على وجه الخصوص في تحسين وعي الذات لأنها أمر قد نمارسه يوميًا. وبإمكان الكتابة والقراءة أن تعمّق بصيرتنا حول أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا ومعتقداتنا.

إليكَ هنا ثلاث طرائق في الكتابة بإمكانها تحسين وعي الذات، وبدورها تحسّن من الصحة النفسية.

 الكتابة التعبيرية:

تُستَخدَم الكتابة التعبيرية غالبًا في الجلسات العلاجية التي يُطلَب فيها من الأشخاص الكتابة حول أفكارهم ومشاعرهم المترافقة مع حدثٍ حياتي مرهِق.

يهدف هذا النوع من الكتابة إلى المساعدة في المعالجة العاطفية لحدثٍ عصيب. وأظهر بحث أنه بإمكان الكتابة التعبيرية تعزيز وعي الذات ما يقود في النهاية إلى تخفيف الأعراض الاكتئابية والأفكار المضطربة والوطأة التي تُثقل الكاهل.

 الكتابة التأملية:

تُستخدَم الكتابة التأملية عادةً في الجلسات الاحترافية وغالبًا في مساعدة الممرضات والأطباء والمعلمين وعلماء النفس والعمال الاجتماعيين على العمل بفاعلية أكبر. وتهدف الكتابة التأملية إلى منح الأشخاص سبيلًا لتقييم معتقداتهم وسلوكياتهم بصراحة للتعلم منها وتطويرها.

تتطلب الكتابة التأملية من الشخص مساءلة نفسه وأن يكون منفتحًا وفضوليًا وتحليليًّا على الدوام. وقد تزيد من وعي الذات بمساعدتها الأشخاص في الاستفادة من تجاربهم وتفاعلهم مع الآخرين فيمكّنهم من تحسين العلاقات على الصعيدين الشخصي والمهني بالإضافة إلى الأدائية المهنية التي تشكّل نقطةً مفتاحيةً لصحة نفسية جيدة.

 الكتابة الإبداعية:

الشعر والقصة القصيرة والرواية القصيرة والرواية، كلها أشكال للكتابة الإبداعية. عادةً تستحثّ الكتابة الإبداعية المخيلة بالإضافة إلى -أو بدلًا عن- الذاكرة وتستثمر المعدات الأدبية مثل المجاز والكناية في إيصال المعنى. وتتيح الكتابة الإبداعية طريقةً فريدةً لاكتشاف الأفكار والمشاعر والمعتقدات.

على سبيل المثال، بإمكانك تأليف رواية خيال علمي تجسّد فيها مخاوفك حول التغير المناخي أو قصص أطفال تفصح عن آرائك في الصداقة. بإمكان الكتابة الإبداعية عن تجارب عصيبة مثل الحداد أن تكون طريقةً في إيصال ما تشعر به للآخرين إن كان من الصعب أو المعقد البوح به مباشرة.

تشجع الكتابة الإبداعية الشخص على انتقاء كلماته وكناياته وصوره بطريقة تختصر المعنى الذي يودّ إيصاله. وقد تقود هذه الطريقة الإبداعية في اتخاذ القرارات إلى زيادة وعي الذات وتقديرها إضافةً إلى تحسين الصحة النفسية.

الكتابة في سبيل تحسين وعي الذات:

وعي الذات عنصر أساسي من عناصر الصحة النفسية، والكتابة محطة عظيمة للانطلاق منها.

لمَ لا تستغل بعض الوقت في تدوين مشاعرك حيال حدثٍ مرهق حصل خلال فترة وباء كورونا؟ أو تتأمل في موقفٍ عصيب حدث خلال السنة الماضية وتستعرض ما تعلمته منه؟

ستمنحك بعض المحرضات الكتابية فرصةً لتأمّل السنة الفائتة وطرح أسئلة مهمة على ذاتك والقيام بخيارات إبداعية. وقد يمنحك قضاء خمسة عشر دقيقة فقط فرصةً لتكون أكثر وعيًا بذاتك ما قد يؤدي إلى تحسين صحتك النفسية.

اقرأ أيضًا:

لماذا يتجنب البعض خدمات الصحة النفسية؟

8 علامات تدل على أن عملك يؤثر في صحتك النفسية

ترجمة: سِوار قوجه

تدقيق: أحلام مرشد

المصدر