في السنوات الماضية، أُرسلت العديد من المهمات الفضائية إلى حافة المنظومة الشمسية، كي نتمكن من معرفة تفاصيل أكثر عن تلك المنطقة الباردة. تعتبر الأرض الكوكب السادس من حافة المنظومة، ما يعني وجود مساحة شاسعة تفصلها عنها. في محاولة لوصف دقيق لهذه المنطقة، صمم باحثون خريطة ثلاثية الأبعاد تطَلّب العمل عليها نحو 13 عامًا، لتكشف العديد من الأسرار عن هذه المنطقة التي تُسمى الغلاف الشمسي – the outer heliosphere.

يقول دان رايسنفيلد، الباحث في مختبر لوس ألموس الوطني: «إن الغلاف الشمسي هو المنطقة التي تتعرض فيها الجزيئات الشمسية إلى الانحراف عن مسارها بسبب الجزيئات النجمية الموجودة خارج المنظومة، إذ تلتقي هذه الجزيئات مع جزيئات نجمنا على حدود المنظومة».

تمكنا من رؤية حدود منظومتنا الشمسية مع وصول فوياجر 1 وفوياجر 2 -المركبتان اللتان أطلقتهما ناسا عام 1977- إلى تلك المنطقة في عامي 2012 و2018 على التوالي.

ووفقًا لمختبر الدفع النفاث التابع لناسا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، فإن المركبتَين سجلتا انخفاضًا في نسبة الجزيئات الشمسية في تلك المنطقة، وارتفاعًا للجزيئات النجمية القادمة من خارج المنظومة.

تكشف الخريطة ثلاثية الأبعاد العديد من المزايا الخاصة بالغلاف الشمسي، إذ يُعتبر الجزء الداخلي (الذي توجد فيه الشمس وكواكب المنظومة) دائريًا، ويمتد إلى نحو 90 وحدة فلكية في جميع الاتجاهات.

1 وحدة فلكية = 150 مليون كيلو متر، وهي تساوي متوسط المسافة بين الأرض والشمس.

أما بالنسبة إلى الجزء الخارجي، فإنه غير متماثل من ناحية الاتجاه، إذ يتوسع باتجاه الشمس ما يقارب 110 وحدة فلكية، وبالاتجاه المعاكس، ما يعادل 350 وحدة فلكية.

يظهر عدم التماثل بسبب حركة الشمس حول مركز المجرة، بحيث تتعرض للاحتكاك بفعل الإشعاع المجري.

يتحدث رايسنفيلد عن الأمر قائلًا: «هناك نسبة كبيرة من البلازما الموجودة في الفضاء الخارجي، ولكن الجزء الداخلي الدائري للغلاف الشمسي يشكل عائقًا لهذه البلازما في أثناء مرورها».

يمكن تشبيه الأمر بتضارب أمواج المياه مع صخرة ما، إذ تشكل الأخيرة عائقًا لعبور المياه.

جُمعت العديد من البيانات باستعمال مستكشف الحدود بين النجمية IBEX، الذي أطلقته ناسا في عام 2008، ولا يزيد حجمه عن إطار حافلة. ويشبّه رايسنفيلد المستكشف بالماعز الجبلي الذي يكاد يتحدى الجاذبية عند عبوره على منحدرات جبال الألب، لكن الحيوان الذي يشبه المستكشف حقًا هو الوطواط.

يصطاد الوطواط العديد من الحشرات -ليتغذى عليها- عبر إرسال موجة صوتية واتباع التأخير الزمني للصدى لمعرفة المسافة التي تفصله عن فرائسه.

وباستعمال الطريقة ذاتها، يلتقط IBEX الجزيئات الشمسية المرتدة والقادمة من حدود المنظومة الشمسية، ويقوم رايسنفيلد وفريقه بحساب المسافة التي قطعتها الجزيئات عبر قياس الوقت الذي تطلبه وصولها.

ويوضح رايسنفيلد: «ترسل الشمس الموجات، وننتظر إشارة عودتها قادمة من الغلاف الشمسي، وباستعمال الوقت الذي تطلبه وصولها، نستطيع معرفة مكان تلك المنطقة».

من جهة أخرى، فإن الجزيئات الشمسية تقوم بردع الإشعاع النجمي القادم من الفضاء الخارجي، إذ تساهم حركة الشمس في المجرة في ذلك، ما يشكّل درعًا ضد هذا الإشعاع.

لكن أكد رايسنفيلد أن هذا الأمر لن يستمر طويلًا، إذ توجد علاقة بين حدة الرياح الشمسية، وعدد البقع الموجودة على الشمس. هذه البقع هي أجزاء داكنة نسبيًا مقارنة بباقي أجزاء الشمس، وتظهر لفترات مؤقتة بسبب إضرابات الحقل المغناطيسي للشمس، تُعرف باسم الحد الأدنى لبقع الشمس maunder minimum. وفي الفترة بين 1645 و1715 كان عدد هذه البقع قليلًا للغاية، ما يعني أن الرياح الشمسية كانت ضعيفة.

ويعلق رايسنفيلد عن الأمر قائلًا: «نلاحظ تغيرات في نشاط الشمس دائمًا. اختفت البقع الشمسية لقرن تقريبًا في فترة الحد الأدنى، وهذا الأمر قد يحصل في أي وقت الآن، ما سيؤثر في شكل وتكوين الغلاف الشمسي».

وفي محاولة لكشف المزيد عن الغلاف الشمسي وهذه الاحتكاكات بين الرياح الشمسية والإشعاعات النجمية، سترسل ناسا مهمة جديدة في عام 2025 باسم مجسم رسم الخرائط والتسارع بين النجوم (IMAP).

اقرأ أيضًا:

المركبة فويجر 2 تتجاوز معركة ضارية بين الرياح الشمسية والأشعة الكونية

تصوير حافة الشمس لأول مرة من أجل فهم مصدر الرياح الشمسية

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: حسين جرود

المصدر