يُعد تحديد موقع الحدود الخارجية للنظام الشمسي نقطة خلاف بين علماء الفلك، إذ يوجد ثلاث مناطق محتملة تدعمها أدلة عديدة، لكن أيها حقًا هو المكان المقصود؟

النظام الشمسي مكان هائل ويضم بالتعريف ثمانية كواكب، ونحو ستة كواكب قزمة، وبضع مئات من الأقمار، وملايين الكويكبات والمذنبات، جميعها يدور حول الشمس، -وفي كثير من الحالات حول بعضها- بسرعة آلاف الكيلومترات في الساعة.

ولكن، أين ينتهي النظام الشمسي؟ تعتمد إجابة هذا السؤال على تحديد ماهية النظام. ووفقًا إلى وكالة ناسا، توجد ثلاثة حدود محتملة للنظام الشمسي. يقول دان رايزنفيلد الباحث في مختبر لوس ألاموس الوطني في نيو مكسيكو:

«جميع الحدود المقترحة تختلف عن بعضها ويدعم وجودها أدلةً معينة ما يجعل الاختيار بينها أمرًا معقدًا، لكن يوجد حد واحد يتفق عليه معظم علماء الفلك».

حزام كايبر

يضم حزام كايبر حلقة من الأجسام الصخرية خارج مدار نبتون والغلاف الشمسي وحافة المجال المغناطيسي المرتبطة به وسحابة أورت، وتوصف بأنها خزان بعيد فيه المذنبات التي بالكاد نستطيع رؤيتها من الأرض. ويمتد حزام كايبر على مسافة تتراوح بين 30 و50 وحدة فلكية (AU) بعيدًا عن الشمس، وتساوي الوحدة الفلكية الواحدة المسافة بين الأرض والشمس.

تمتلئ هذه المنطقة بالكويكبات والكواكب القزمة مثل بلوتو التي طُردت من النظام الشمسي الداخلي بسبب قوة الجذب أحادية الاتجاه مع الكواكب الأخرى.
يجادل بعض علماء الفلك بأن حزام كايبر يجب عدّه حافة النظام الشمسي، لأنه يُمثل حافة المكان الذي يفترض فيه وجود قرص الشمس الكوكبي الأولي، أي الحلقة الدوامة من الغاز والغبار التي أصبحت فيما بعد الكواكب والأقمار والكويكبات.

قال رايزنفيلد: «إذا أخذنا بالتعريف المبسط الذي يقول إن النظام الشمسي يتكون من الشمس وأجرامها الكوكبية، فبوسعنا أن نعد حافة حزام كايبر حافة النظام الشمسي».

لكن بعض علماء الفلك -مثل مايك براون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا- يرون التعريف بسيطًا جدًا، إذ يقول براون:

«ليس التعريف السابق صحيحًا. تحركت الأشياء كثيرًا معظمها إلى الخارج منذ تشكل الكواكب»، ويعني هذا أن حزام كايبر لا يحتوي على كل النظام الشمسي -مثل الكوكب التاسع الافتراضي الغامض- الذي (إذا كان موجودًا) من المحتمل أنه يقع خارج حزام كايبر.

الغلاف الشمسي

يصف الغلاف الشمسي الحافة الخارجية للتأثير المغناطيسي للشمس، ويصبح تيار الجسيمات المشحونة المنبعثة من الشمس عند هذه النقطة -المعروف باسم الرياح الشمسية- أضعف، وغير قادر على صد تيار الإشعاع القادم من النجوم والكيانات الكونية الأخرى في درب التبانة.

قال رايزنفيلد: «يجد بعض العلماء أن الغلاف الشمسي يمثل حدود النظام الشمسي، نظرًا إلى أن البلازما الموجودة داخل الغلاف الشمسي هي من أصل شمسي، والبلازما خارج الغلاف الشمسي منشأها النجوم».

وأضاف أنه نتيجة لذلك، غالبًا ما يُشار إلى الفضاء الموجود خلف الغلاف الشمسي بأنه الفضاء النجمي أو الفضاء بين النجوم.

وقد سافرت مركبتان فضائيتان إلى ما بعد حافة الغلاف الشمسي، فوييجر 1 التي عبرت في عام 2012 وفوييجر 2 التي عبرت في عام 2018. وعندما عبرت مسابر فوييجر حافة الشمس، اكتشفوا بسرعة تغيرات فيما تعرضت له من أنواع المغناطيسية والإشعاع ومستوياتها. يقول براون في هذا الصدد أن المسابر عبرت حدًا ما نتيجة ذلك.

ليس الغلاف الشمسي مجالًا مثاليًا، مع إن التسمية قد تدل على ذلك، إذ يوصف على نحو أدق بأنه فقاعة مستطيلة، لأن معظم البلازما بين النجوم التي تقصف النظام الشمسي تأتي من اتجاه واحد، ما يخلق صدمةً قوسية، وهي موجة صدمية مستديرة تعمل على انحراف الإشعاع الوارد حول بقية النظام الشمسي.

تقع الصدمة القوسية على بعد نحو 120 وحدة فلكية من الشمس، وتخلق ذيلًا طويلًا يمتد على مسافة 350 وحدة فلكية على الأقل من الشمس في الاتجاه المعاكس.

يُعد استخدام الغلاف الشمسي لتحديد النظام الشمسي طريقةً تقود إلى نتيجة مفادها وجود منطقة كونية منغلقة ومحدودة، ما يتعارض مع تصورات بعض الباحثين للأنظمة الكوكبية.

سحابة أورت

تُعد سحابة أورت أبعد وأوسع الحدود المحتملة للنظام الشمسي، إذ تمتد إلى نحو 100000 وحدة فلكية من الشمس، وفقًا إلى وكالة ناسا.

يقول رايزنفيلد: «جميع من يُعرف النظام الشمسي بأنه كل ما يرتبط بالشمس بالجاذبية يتفق أن حافة سحابة أورت هي حافة النظام الشمسي».

يُعد ما سبق الخيار الواضح لحدود النظام الشمسي، لأنه من الناحية النظرية كل نظام كوكبي يتكون من جميع الأجسام التي تدور حول نجم.

قال عالم الفلك في مختبر بوردو للفيزياء الفلكية في فرنسا شون ريموند:

«لا أفهم كيف يمكن لأي شخص أن يعد أي شيء آخر غير سحابة أورت حافة النظام الشمسي، وتبدو التعاريف الأخرى بالمقارنة مثيرةً للسخرية، إذ نجد أن السحابة هي حرفيًا حافة تدور حول الشمس».

يرى باحثون آخرون أنه نظرًا إلى وقوع سحابة أورت في الفضاء بين النجوم، فهي تقع خارج النظام الشمسي حتى لو كانت مرتبطة بنجم النظام. وتواجه نظرية سحابة أورت انتقادًا كبيرًا، إذ من غير المعروف قطعًا أين تنتهي. ويجعل ذلك النظرية في نظر كثير من العلماء غير مفيدة، مثلها مثل حزام كويبر.

أي الحدود أفضلها؟

من بين الحدود الثلاثة المحتملة، فغالبًا ما يستخدم الباحثون ووكالة ناسا الغلاف الشمسي لتحديد حافة النظام الشمسي. ويعود ذلك لسهولة تحديده، ولأن الخصائص المغناطيسية على جانبيه تختلف اختلافًا تامًا.

يقول رايزنفيلد: «أنا من أنصار نظرية الغلاف الشمسي، فهو حقًا عبارة عن حد يمكن عبوره ومعرفة ذلك مباشرة».

لكن رايزنفيلد يقول إن هذا لا يعني أن كل شيء خارج الغلاف الشمسي يجب عدّه كائنًا بين النجوم، مثل صخرة الفضاء الضخمة أومواموا، إذ يوضح:

«كانت سحابة أورت في الأصل جزءًا من نفس المادة التي تشكلت منها الكواكب، لذا فهي تتكون من مواد النظام الشمسي، وليست مواد ما بين النجوم».

وفي حين أن بعض الباحثين سعداء باختيار واحدة من الخيارات المطروحة في هذا الجدال، فإن آخرين لا يرون أي سبب يمنع النظام الشمسي من أن يكون له حدود متعددة. يقول براون:

«أود أن أقول إنه لا يوجد جدل في هذا الموضوع. يوجد طرق مختلفة لتعريف حدود النظام الشمسي، اعتمادًا على السؤال المطروح والإجابة المناسبة».

اقرأ أيضًا:

القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما قد تفسر لنا نشأة النظام الشمسي!

كويكبات حمراء نادرة حول نبتون قد تكشف لنا أسرار نشأة النظام الشمسي

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: ميرڤت الضاهر

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر