مشهد جوي لمدينة تشنغتشو الصينية يوم 20 يوليو 2021 بعد أن غمرت مياه الفيضان الشوارع بسياراتها ودراجاتها. بدأت الأمطار الغزيرة تجتاح مقاطعة خينان قاطبة منذ السادس عشر من يوليو عام 2021، ولكن حظيت مدينة تشنغتشو بأكبر قدرٍ من الضرر.

لم يُطلق عليها اسم «السيول الجارفة» جزافًا.

في العشرين من يوليو عام 2021، ناشد ركاب مترو الأنفاق بمدينة تشنغتشو الصينية من استطاعوا لنجدتهم بعد أن امتلأت عربات المترو بمياه السيول. حيث بلغت المياه أعناقهم فيما كانوا يحاولون إرسال الرسائل ومكالمات الفيديو لينقذهم أحد.

وفقًا لوكالة BBC فإن اثني عشر راكبًا على الأقل لقوا حتفهم، وأصيب خمسة آخرون، لم يقتصر الأمر على تلك الحادثة، ففي صورة أخرى مشابهة وقعت في جانب آخر من مقاطعة خينان الصينية قامت فرق الإنقاذ بأكثر من 500 عملية إنقاذ لإخراج ركاب مترو أنفاق بعد أن امتلأت عرباتهم بمياه السيول.

ظهرت تلك السيول الجارفة بعد أيامٍ قليلة من الأمطار الغزيرة التي شهدتها الصين في الآونة الأخيرة، حيث اخترقت العديد من السدود والخزانات، ما نتج عنه نحو مئتي ألف عملية إنقاذ طارئة.

السيول والتأثير الناجم عن سرعاتها:

لم يقتصر تأثير تلك السيول الجارفة على الصين فقط، ففي نفس الوقت الذي تعاني فيه الصين من السيول الجارفة، تعاني مناطق أخرى من فيضانات كبيرة، مثل أوروبا الغربية وولاية كولورادو وأريزونا. تتسبب الفيضانات كل عام بمقتل الكثيرين و العديد من الجرحى أكثر من أي كارثة طبيعية أخرى. ولكن الفيضانات الجارفة تعد خطرًا مختلفًا لما تمتلكه من سرعة في النشوء والانتقال.

عرّفت وكالة الطقس الوطنية الأمريكية السيول بأنها: «تدفق سريع وقوي للماء إلى منطقة عادية جافة، أو ارتفاع سريع في مستوى الماء في الجداول، أو تجاوز منسوب مياه الأنهار العلامة المرجعية لمنسوب الفيضان (وهو حد عند الوصول إليه تنهمر السيول على الضفاف وتغطي التضاريس الجافة)».

في حين أن بعض الفيضانات قد تستغرق عدة أيام كي تنهمر على كل ما حولها، فقد حذرت هيئة NWS من كون السيول الجارفة تتدفق سريعًا في غضون ست ساعات أو أقل.

تؤدي حالات فشل السدود وانهيار السدود الجليدية الطبيعية، إلى حدوث السيول الجارفة، ولكن بالرغم من ذلك، يُعد السبب الرئيسي لنشأة تلك السيول هو الأمطار الغزيرة التي تستمر لفترات طويلة دون أن تمتصها التربة. فدائمًا ما تحدث السيول في الصين أثناء المواسم الممطرة، التي تسوء كثيرًا مع الوقت، ويرجح علماء المناخ أن هذا يحدث نتيجة التغيرات المناخية والتحضر، اللذين يتسببان على نحو كبير في زيادة خطر حدوث تلك فيضانات.

لِمَ التربة مهمة؟

يُعد امتصاص الماء أحد الوظائف الرئيسية للتربة. ولكن عندما لا يتم امتصاصه عبر التربة، يبقى متدفقًا على سطحها. لنفترض أن بلدةً ما تعرضت لهطول مطر مفاجئ، إذا كانت التربة مشبعة بالماء حقًا، فلن تكون التربة قادرة على امتصاص الكثير من الماء عندما تبدأ الأمطار بالهطول. نتيجة لذلك يمكن أن تتسب في جريان الماء على سطح التربة وهذا ما يزيد من احتمالية حدوث سيول جارفة.

حتى وإن كانت التربة شديدة الجفاف فلن يحل هذا المشكلة، فقد تميل التربة الجافة إلى أن تكون مضغوطة، وهذا بدوره يحد من قابليتها لامتصاص الماء.

النقطة الأخرى الجديرة بالذكر هنا هي أن الطبقات العميقة لسطح الأرض تختلف عن بعضها: على سبيل المثال تمتص الأراضي الرملية المياه على نحو أسهل وأكبر من أراضي التربة الطينية الثقيلة، إضافةً إلى ذلك، هناك مشكلة التحضر التي ما زالت تتفاقم يومًا بعد يوم، فتُعد الأسطح التي يصنعها الإنسان رديئة جدًا في امتصاص مياه الأمطار ولو بكمية قليلة.

بأخذ تلك الأمور بالحسبان، دعونا نعود إلى حادثة تشنغتشو التي تسببت في قتل وجرح 25 شخصًا، وتشريد مئات الآلاف من الناس. بُوغتت المدينة بأكثر من متوسط كمية الأمطار التي تستقبلها سنويًا خلال أربعة أيام فقط، أي ما يقارب 24 إنشًا (624مم) لكل ساعة، وذلك وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

أدت وفرة الطرق الاصطناعية والتربة المشبعة بالماء، إلى جريان مياه الأمطار المتراكمة، ما حوّل الشوارع إلى أنهار تصب في أنفاق الطرق ومترو الأنفاق.

الحماية والمراقبة:

كيف يمكننا التعامل مع السيول الجارفة؟ تستخدم بعض المجتمعات ما يُسمى بالبرك الصناعية، التي تحد من جريان الماء المتدفق قبل أن يصل إلى المناطق المأهولة بالسكان. في جنوب الصين حيث تقع مدينة تشنغتشو أمضى المسؤولون عقودًا من الوقت في التفكير بشأن إدارة أزمات الفيضانات، خاصة فيما يتعلق بنهر اليانغستي أطول نهر في الصين، فاعتمدت الحكومات منذ عام 1998 على الحلول القائمة على الطبيعة حول نهر اليانغستي، بما في ذلك زراعة مليارات الأشجار وإعادة استصلاح السهول الفيضية على طول النهر.

ولكن هذا لن يكون كافيًا، نحن بحاجة إلى حلولٍ أكثر فاعلية في الوقت الحاضر، أحدها يتضمن مكافحة تأثيرات تغير المناخ مستقبلًا التي تزيد من هطول الأمطار وحدوث السيول الجارفة.

إليكم هذه النصيحة لسلامتكم: القيادة في الفيضانات فكرة سيئة للغاية. فوفقًا لما نص عليه مركز إدارة الأمراض فإن أكثر من 50% من الوفيات الحادثة أثناء الفيضانات تكون لأشخاصٍ حاولوا المرور بسياراتهم عبر مياه الفيضان المتدفقة. يمكن أن تُجرف السيارة بعيدًا بواسطة كمية قليلة من مياه الفيضان المتدفقة تساوي 30 سنتيمتر، ونصف تلك الكمية فقط يمكنها أن تجرف أي شخص بعيدًا، فلا تُعد السيارات ملاذًا آمنًا للنجاة، بل إنها قد تزيد الأمر سوءًا.

اقرأ أيضًا:

تمايل في مدار القمر قد يسبب فيضانات غير مسبوقة في العقد المقبل

فيضان عالمي قادم وهكذا يتوقع العلماء أن يكون

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر