تُعد حالة فرط التعرق الإبطي شائعة إذ تصيب 30% تقريبًا من سكان العالم، وتبدأ غالبًا في أثناء الطفولة أو المراهقة ولكن لا يصاب بها بعض الأشخاص قبل سن الرشد. يستهان في أغلب الأحيان بتأثير هذه الحالة، ولكنها قد تؤثر في العمل والمواقف الاجتماعية وقد تسبب ضغوطات نفسية شديدة. من حسن الحظ، توجد عدة علاجات فعالة متوفرة.

أنواع فرط التعرق

فرط التعرق الأساسي: لا يمكن التحكم به ولا يوجد له سبب واضح، وغالبًا يصيب الإبطين والكفين وأخمص القدمين، ولكنه قد يصيب الوجه ومنطقة أعلى الفخذ أيضًا.

فرط التعرق الثانوي: قد ينتج عن اضطرابات غدية (مثل فرط نشاط الغدة الدرقية)، أو أورام إفرازية (مثل ورم القواتم)، أو اضطرابات الجهاز العصبي الودي، أو اضطرابات عصبية أو نفسية رئيسية.

مسببات فرط التعرق الإبطي

قد تسهم عوامل كثيرة في فرط التعرق الإبطي، كالتأثيرات الوراثية والإجهاد الجسدي والعاطفي، ويوجد تاريخ عائلي بالإصابة لدى 30% من الحالات.

السبب المحدد لفرط التعرق الإبطي غير معروف، ولكنه مرتبط بالتحفيز الودي الكوليني الزائد للغدد العرقية في الإبط، وتتضخم هذه الغدد بوضوح في هذه الحالة، لكن يُعتقد أن نموها الهائل ثانوي وليس أولي، بمفهوم موازٍ لتضخم الخلايا المفرزة للحمض في داء القرحة الهضمية، إذ يُعزى إلى فرط توتر العصب المبهم.

نشأ الرابط النظري بين التوتر الودي وفرط الإفراز الغدي بسبب الضمور الملحوظ للغدد العرقية في الجلد المزروع -أي دون تعصيب-، ثم عودة التعرق بعد التعصيب، وتشمل الأدلة الأخرى على التحكم العصبي بإنتاج العرق ملاحظة أن حقن المخدر الموضعي يوقف الإنتاج المفرط للعرق مؤقتًا، وكذلك تأثير الحقن الموضعي لسم البوتولينوم الذي يمنع التحفيز الكوليني.

ومع أن فرط التعرق الإبطي يبدأ مع البلوغ في معظم الحالات، فلم تُطرح أي علاقة هرمونية مباشرة بعد.

قد يحدث خلط بين فرط التعرق الإبطي وعدة حالات إبطية أخرى ذات صلة، مثل:

الصنان الإبطي: هو حالة مزمنة من العرق الإبطي ذي الرائحة الكريهة، وقد يرتبط بإفرازات الغدد العرقية المفرزة والاستعمار البكتيري المزمن -خصوصًا مع بكتيريا الدفتيريا والمكورات الدقيقة-، وفي هذه الحالة قد تكون المضادات الحيوية مثبطة أو حتى شافية.

التهاب العقد اللمفاوية الإبطية وتضخمها.

التهاب الغدد العرقية الإبطية: هو عدوى مزمنة متكررة تصيب الغدد العرقية المفترزة، ويتجلى في تكوّن الدمامل والفجوات باستمرار. عند الإصابة بهذه الحالة، يمكن تثبيطها -وليس علاجها- بالمضادات الحيوية، فالعلاج الوحيد هو إزالة الجلد والغدد المصابة، بيد أن هذا النوع من الجراحات الاستئصالية قد يسبب تشوهات. ما يزال السبب الدقيق غير معروف، ولكن يبدو أن التأثير الهرموني يساهم في الأمر.

الثدي الإبطي: هو وجود النسيج تحت الجلدي الثديي في الإبط، مع أو بدون حلمة.

كيف يبدو فرط التعرق الإبطي؟

الصورة العيانية

قد يكون طفيفًا مع تكوّن بقع عرقية من حين لآخر، أو شديدًا مع تعرق مستمر طيلة ساعات اليقظة في اليوم، وقد تكون الحالات الشديدة مقلقة جدًا إذ تؤثر كثيرًا في جودة حياة المصاب.

يرتبط فرط التعرق الإبطي في أغلب الأحيان مع التعرق في مكان آخر من الجسم مثل اليدين (فرط التعرق الكفي) والقدمين (فرط التعرق الأخمصي) والوجه (فرط التعرق القحفي الوجهي).

يشتكي المصابون بفرط التعرق الإبطي في العادة من التعرق المتواصل أو المتكرر مع تدفق البلل على الجانبين، ما يبلل ويفسد ملابسهم ويسبب لهم الحرج الاجتماعي أو مشكلات وظيفية ناتجة عن تعطن الجلد، وقد يعاني المرضى شديدو الإصابة أيضًا عدوى ميكروبية ثانوية.

بعكس التعرق الفسيولوجي -الذي يثار بممارسة الرياضة وبذل المجهود وارتفاع درجة الحرارة-، فإن فرط التعرق قد لا يتطلب أي حافز على الإطلاق، ولكنه قد يتحفز أيضًا بالمواقف العاطفية أو التوتر.

جرب معظم المصابين بفرط التعرق الإبطي مضادات تعرق وأدوية متنوعة، وغالبًا ابتكروا وسائل مختلفة متعلقة باللباس للتأقلم مع حالتهم، واستشار العديد منهم مختلف الأطباء ولكن في أغلب الحالات بلا أي جدوى.

بعض المرضى لديهم فرط التعرق الإبطي في أحد الجانبين، أو تعرق أشد في جانب أكثر من الآخر، ويعاني الكثير منهم إلى حد ما فرط التعرق الكفي أو الوجهي أو الأخمصي.

تبدأ المشكلة عادةً مع البلوغ، ولكنها قد تظهر أيضًا في منتصف الطفولة، خاصةً لدى الآسيويين.

أشارت دراسة إلى أنه عند تمييز فرط التعرق الإبطي والكفي من الإفراز الفسيولوجي الطبيعي للعرق، قد تكون الكمية 100 ميلي غرام من العرق كل 5 دقائق النقطة الفاصلة المناسبة.

الصورة المجهرية

وجد الباحثون أن الغدد العرقية الناتحة والمفترزة موجودة في الإبط بنسبة 1:1، ولكنهم وجدوا أن الغدد العرقية المفترزة لدى المصابين بفرط التعرق الإبطي أضخم إلى حد كبير وأكثر عددًا من نظيرتها في التهاب الغدد العرقية الإبطية أو لدى الأشخاص الأصحاء.

بعد الاستئصال الكامل للغدد العرقية تحت الجلدية من الإبط بعملية سكوغ، يتبقى قليل من الغدد الناتحة ولا يمكن العثور على أي غدة عرقية مفترزة تقريبًا، لذا فقد يبدو أن عملية سكوغ تُعد جوهريًا عملية استئصال للغدد المفترزة، ولكن هذا المفهوم يخالف ملاحظة أن العرق الغزير المُفرز في حالة فرط التعرق الإبطي -الذي يتوقف باستئصال سكوغ- شفاف وعديم الرائحة، فعادةً ما يوصف العرق المُفرز من الغدد العرقية المفترزة بأنه ضبابي وذو رائحة، أما المُفرز من الغدد العرقية الناتحة فيوصف بأنه صافٍ ومنعدم الرائحة.

لم يتمكن أحد من تسوية التناقضات الظاهرية، ولكن بالوسع استنباط أن العرق الشفاف عديم الرائحة الملحوظ في حالة فرط التعرق الإبطي يأتي من الغدد المفترزة المتضخمة ومفرطة النشاط.

كيفية تشخيص فرط التعرق الإبطي

يُشخص فرط التعرق الإبطي عادةً استنادًا إلى سوابق بالتعرق المفرط، ولا توجد حاجة إلى إجراء الفحوصات إلا في حال إصابة مناطق أكبر من الجسم أو أن فرط التعرق يحدث في أثناء النوم.

سبل العلاج

يعتمد الخيار العلاجي على شدة التعرق، والقدرة على تحمل تكلفة العلاج، وما إذا كان الحل الدائم مرغوبًا:

العلاجات السطحية

قد تستجيب الحالات الطفيفة للعلاجات السطحية مثل كلوريد الألمونيوم سداسي الهيدرات (أو الدرايكلور)، وعند استعمال الدرايكلور ينبغي أن يكون الجلد جافًا قدر الإمكان للحصول على أكبر قدر من الفائدة وتقليل احتمالية حدوث أعراض جانبية.

من الأفضل استعمال الدرايكلور مباشرةً بعد الاستحمام وقبل موعد النوم، فتُجفف المنطقة المصابة بمجفف الشعر بعد ضبطه على درجة حرارة منخفضة ثم يوضع الدرايكلور وتُغسل المنطقة بعد ذلك في الصباح فور الاستيقاظ بالماء فقط (دون صابون)، وقد يساعد الاستعمال المتقطع لمرهم الكورتيكوستيرويد إذا حدث تهيج، ولكن يجب أن يُستعمل بإشراف مختص صحي.

قد تكون المراهم المضادة للكولين مثل الغليكوبيرولات 0.5-3% فعالة أيضًا، وقد يخلط الصيدلي هذه المراهم، ومن الشائع أن تحدث أعراض جانبية عند استعمالها.

حقن سم البوتولينوم من النوع A (البوتوكس)

اعتُمد البوتوكس في علاج الحالات الشديدة لدى الأشخاص الذين لم يلاحظوا أي تحسن بعد مرور شهرين من استعمالهم لدرايكلور، وهو فعال عند 95% تقريبًا من الحالات.

لا يأخذ العلاج في هذه الحالة أكثر من خمس دقائق، إذ يُحقن البوتوكس في مناطق التعرق المفرط ويسيطر عمومًا على التعرق مدة 4 إلى 7 أشهر.

الأعراض الجانبية نادرة جدًا ولكنها تتضمن نزيفًا دقيقًا مؤقتًا أو كدمات أو احمرارًا في مواقع الحقن، وبوسع الأشخاص الاستمرار في ممارسة نشاطاتهم الاعتيادية بعد إجراء الحقن ولكن يجب أن يمتنعوا عن ممارسة الرياضة مدة 24 ساعة بعد العلاج.

الأدوية الفموية

قد تكون الحبوب المضادة للكولين -مثل الأوكسيبوتينين وبروميد البروبانثيلين- مفيدة في علاج فرط التعرق الإبطي، ولكن أعراضها الجانبية -مثل تشوش الرؤية والإمساك وجفاف الفم والنعاس الزائد- شائعة الحدوث.

تشمل الأدوية الأخرى التي قد تفيد: الغليكوبيرولات الفموية والبروبرانولول والكلونازيبام والغابابنتين.

تُعد الأدوية خيارًا مناسبًا وقصير المدى لعلاج تعرق الإبطين عدة أيام أو أسابيع، وتتيح للأشخاص المصابين فاصلًا من تعرقهم المستمر.

ميرادراي (miraDry)

يُعد خيارًا علاجيًا جديدًا نسبيًا، ويستخدم طاقة الموجات الدقيقة لتسخين الغدد العرقية وتدميرها، ليس علاجًا جراحيًا ويجرى بالتخدير الموضعي للحالات المعتدلة أو الشديدة من التعرق الإبطي، وقد يقلل علاجان متباعدان بفترة 3 أشهر التعرق دائمًا بنسبة تفوق 80%، ولكن لا يمكن استخدامه في الحالات التي تعاني تعرقًا في مناطق أخرى من الجسم أيضًا، مثل اليدين والقدمين والوجه.

الجراحة الصدرية بالمنظار

يعد قطع العصب الودي الصدري بالمنظار خيارًا علاجيًا جراحيًا لمختلف أنواع فرط التعرق، ويجري العملية جراح أعصاب أو أوعية دموية بتخدير العام.

المخاطرة الأساسية التي يجب أن توضع في عين الاعتبار هي احتمالية حدوث فرط تعرق تعويضي أو ارتدادي، وقد يحدث في 25-50% من الحالات.

لكن اختيار هذه الجراحة لعلاج فرط التعرق الإبطي أصبح نادرًا في الوقت الحاضر، ويرجع ذلك إلى توفر خيارات علاجية أخرى بنتائج أفضل وأكثر أمانًا مثل البوتوكس أو الميرادراي.

موانع إجراء الجراحة

مخاطر جراحة فرط التعرق الإبطي يجب أن تكون منخفضة، كما هي الحالة في أي علاج جراحي للحالات المرضية التي لا تهدد الحياة، فوجود أية حالة صحية تزيد مخاطر الجراحة قد يجعلها خيارًا غير مناسب.

فمثلًا، قد تجعل الأمراض الرئوية أو القلبية الجراحة الصدرية -وحتى الجراحة الصدرية بالمنظار- أخطر من أن تُجرى لعلاج حالة غير مهددة للحياة مثل فرط التعرق، وقد تزيد مشكلات الدورة الدموية الجلدية -مثل الذئبة- أو الاضطرابات التي تضعف التئام الجروح -مثل العلاج بالستيرويدات أو علاج سابق بالأشعة أو داء السكري- الخطر الجراحي إلى درجة تصبح فيها الجراحة غير مقبولة.

يجب ألّا يتوجه المصابون بفرط التعرق الإبطي فقط -أو بصفة رئيسية- إلى جراحة قطع العصب الودي الصدري، ويجب على المرضى المصابين بفرط التعرق في عدة مناطق من الجسم تفضيل هذه الجراحة على استئصال سكوغ للغدد العرقية المفترزة.

التوقعات بخصوص فرط التعرق الإبطي

غالبًا يكون فرط التعرق الإبطي حالة مزمنة، لكن كمية التعرق قد تضمحل في السنوات اللاحقة من سن الرشد.

اقرأ أيضًا:

اضطراب فرط التعرق (التعرق المفرط): الأسباب والعلاج

ما هي العوامل التي تزيد من التعرق؟

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: مازن النفوري

المصادر: dermcoll, medscape