هل هنالك معادلة سحرية للكون؟ ربما لا، ولكن هنالك بعض الأمور الشائعة جدًا التي نجدها مرارًا وتكرارًا في العالم الطبيعي من حولنا، مثلًا أرقام فيبوناتشي، وهي سلسلة من الأرقام ونسب متناظرة تعكس أنماطًا مختلفة موجودة في الطبيعة، من مخروط الصنوبر مرورًا بمنحنى صدَفة نوتيلوس إلى انحناء الأعاصير، ومن المحتمل أن البشر قد عرفوا هذا التسلسل العددي لآلاف السنين، فيمكن العثور عليه في النصوص السنسكريتية القديمة، ولكن في العصر الحديث، يرتبط بهوس رجلٍ من العصور الوسطى بالأرانب!

في عام 1202، فكر عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو بيسانو (المعروف أيضًا باسم فيبوناتشي، أي ابن بوناتشي) في السؤال التالي: كم عدد أزواج الأرانب التي يمكن إنتاجها من زوج واحد من الأرانب في عام واحد، في ظروف مثالية؟ تقتضي هذه التجربة الفكرية أن تلد إناث الأرانب دائمًا أزواجًا، ويتكون كل زوج من ذكر واحد وأنثى واحدة.

وبالتفكير في الأمر: يوضَع اثنين من الأرانب حديثة الولادة في ساحة مسيجة ويُتركا ليتكاثرا، مع الأخذ في الحسبان أن الأرانب لا يمكنها التكاثر حتى يبلغ عمرها شهرًا واحدًا على الأقل، لذلك سيبقى هنالك زوج واحد في الشهر الأول، ثم تلد الأنثى في نهاية الشهر الثاني، وتترك زوجين من الأرانب، وعندما يأتي الشهر الثالث، ينتج الزوج الأصلي من الأرانب زوجًا آخر من الأرانب حديثة الولادة بينما ينمو نسلهم السابق إلى مرحلة البلوغ، وهذا سيترك ثلاثة أزواج من الأرانب، اثنان منها سينجبان زوجين آخرين في الشهر التالي.

ويسير الأمر على الشكل التالي:

{1, 1, 2, 3, 5, 8, 13, 21, 34, 55, 89, 144, …, ∞}

الذي تصفه الصيغة: Xn+2= Xn+1 + Xn

أي: كل عدد أساسًا هو مجموع العددين السابقين، وتُعرف هذه السلسلة من الأرقام باسم أرقام فيبوناتشي أو تسلسل فيبوناتشي، وتُعرف النسبة بين الأرقام في تسلسل فيبوناتشي (1.6180339887498948482) أحيانًا بالنسبة الذهبية أو الرقم الذهبي.

لا حاجة إلى زيارة متجر الحيوانات الأليفة لرؤية كيفية التعبير عن هذه الأرقام الرائعة في الطبيعة؛ كل ما يلزم، هو النظر حولنا فقط.

رغم أن بعض بذور النباتات والبتلات والفروع وما إلى ذلك تتبع تسلسل فيبوناتشي، فإنها بالتأكيد لا تعكس كيفية نمو كل الأشياء في العالم الطبيعي؛ وإن إمكانية تطبيق سلسلة من الأرقام على كائن ما لا يعني بالضرورة ارتباط الأرقام بالواقع، كما هو الحال مع الخرافات العددية، مثل موت المشاهير في مجموعات ثلاثية، إذ لا يتعدى الأمر أحيانًا كونه صدفة فقط.

ولكن قد يجادل بعضهم بأن انتشار أرقام فيبوناتشي في الطبيعة مبالغ فيه، إذ تظهر في كثير من الأحيان بما يكفي لإثبات أنها تعكس بعض الأنماط التي تحدث بصورة طبيعية، ويمكن اكتشاف هذا بدراسة الطريقة التي تنمو بها النباتات المختلفة؛ ومن الأمثلة على ذلك:

رؤوس البذور وأكواز الصنوبر والفواكه والخضراوات: وبالنظر إلى مجموعة البذور الموجودة في وسط زهرة عباد الشمس ستلاحظ ما يشبه الأنماط الحلزونية المنحنية إلى اليسار واليمين بصورة مثيرة للدهشة، وإذا قمت بحساب هذه اللوالب، فستحصل على سلسلة فيبوناتشي، قسّم اللوالب يسارًا ويمينًا وستحصل سلسلتين متتاليين؛ وعند فك رموز الأنماط الحلزونية في أكواز الصنوبر والأناناس والقرنبيط سوف تعكس أيضًا تسلسل فيبوناتشي بهذه الطريقة.

الزهور والفروع (الأغصان): تعبّر بعض النباتات عن تسلسل فيبوناتشي في أماكن نموها، أي الأماكن التي تتشكل فيها أغصان الأشجار أو تنقسم؛ ينمو جذعٌ واحد حتى ينتج فرعًا، ما ينتج عنه نقطتا نمو، ومن ثم ينتج الجذع الرئيسي فرعًا آخر، فيعطي بذلك ثلاث نقاط نمو؛ ثم ينتج الجذع والفرع الأول نقطتي نمو إضافيتين، وبذلك يصل المجموع إلى خمس نقاط؛ ويستمر هذا النمط من النمو متبعًا أرقام فيبوناتشي. إضافة إلى ذلك، إذا قمت بحساب عدد البتلات على زهرة ما، فغالبًا ما ستجد الإجماليّ هو أحد الأرقام في تسلسل فيبوناتشي، مثلًا، يكون لزهر الزنبق والقزحية (السوسن) ثلاث بتلات، أما الحوذان والورود البرية فخمس، والدلفينيوم لها ثماني بتلات الخ…

نحل العسل البالغ: تتكون مستعمرة نحل العسل البالغ من عدد كبير من العاملات والذكور والملكة. جميع إناث النحل (ملكات وعاملات) لديهن أبوين؛ ذكر وملكة، ومن ناحية أخرى، تخرج ذكور النحل من البيض غير المخصب؛ هذا يعني أن لديهم والدًا واحد فقط؛ فتعبر أرقام فيبوناتشي بذلك عن شجرة عائلة ذكور النحل بأن كلّ منهم لديه والدٌ واحد، وجدان، وثلاثة آباء أجداد…

العواصف: غالبًا ما تتبع أنظمتها (أكانت أعاصير أم عواصف رعديّة) سلسلة فيبوناتشي؛ ويمكن اكتشاف هذا بالتحقق من نسب فيبوناتشي الواضحة عندما يتصاعد الإعصار على شاشة رادار الطقس.

الجسم البشري: ألق نظرةً فاحصة على نفسك في المرآة؛ ستلاحظ أن معظم أجزاء جسمك تتبع الأرقام: واحد واثنان وثلاثة وخمسة؛ لديك أنف واحد وعينان وثلاثة أجزاء لكل طرف وخمسة أصابع في كل يد، ويمكن أيضًا تقسيم نسب جسم الإنسان وقياساته وفقًا للنسبة الذهبية، وتتبع جزيئات الحمض النووي هذا التسلسل، إذ تقاس ب 34 أنجستروم طولًا و 21 أنجستروم عرضًا لكل دورة كاملة من الالتفاف المزدوج.

لماذا تعكس العديد من الأنماط الطبيعية تسلسل فيبوناتشي؟

فكر العلماء في هذا السؤال لمئات السنين، إذ إن هذا الانعكاس قد يكون في بعض الحالات صدفة فقط، وقد توجد هذه النسبة في حالات أخرى لأن نمط النمو هذا تطوّر لكونه الأكثر فاعلية، كأن تتعرض أوراق النباتات الجائعة في اتباعه لأقصى تعرض للضوء أو أقصى ترتيب للبذور.

وهنالك اتفاق أقل فيما إذا كان يُعبر عن تسلسل فيبوناتشي في الفن والعمارة، ورغم أن بعض الكتب تقول أن الهرم الأكبر، والبارثينون، إضافة إلى بعض لوحات ليوناردو دافنشي، صُممت باستخدام النسبة الذهبية، إلّا أن ذلك قد دُحض عند الاختبار.

اقرأ أيضًا:

ليوناردو فيبوناتشي

متوالية فيبوناتشي والطبيعة

ترجمة: أحمد عبدالرحمن عديلة

تدقيق: أحمد الحميّد

مراجعة: حسين جرود

المصدر