التقطت جولة مراقبة الأمواج الثقالية الأخيرة الغنيمة الأكبر حتى الآن، إذ سجلت مقاييس التداخل ليجو-فيرجو 35 حدثًا هائلًا لأمواج ثقالية خلال أقل من خمسة أشهر، أي منذ نوفمبر 2019 وحتى مارس 2020. يُقدر ذلك وسطيًا بنحو 1.7 حدث كل أسبوع طوال مدة الجولة. ويمثل زيادة كبيرة عن المتوسط الأسبوعي 1.5 الذي اكتُشف في الجولة السابقة، ما أدى إلى رفع عدد الأحداث الإجمالية إلى 90 حدثًا منذ اكتشاف الأمواج الثقالية الأول التاريخي في سبتمبر عام 2015.

تقول عالمة الفلك سوزان سكوت من الجامعة الوطنية الأسترالية في أستراليا: «تمثل هذه الاكتشافات قفزة بمقدار عشرة أضعاف في عدد الأمواج الثقالية التي اكتشفها ليجو وفيرجو منذ أن بدأوا المراقبة». مضيفةً: «اكتشفنا 35 حدثًا وهذا أمر رائع مقارنةً بالأحداث الثلاثة التي اكتشفناها في أثناء جولة المراقبة الأولى التي دامت أربعة أشهر في الفترة بين عامي 2015 و2016. إنه حقًا عصر جديد لاكتشافات الأمواج الثقالية ويبين عدد الاكتشافات المتزايد معلومات كثيرة عن حياة النجوم وموتها في جميع أنحاء الكون».

على الأرجح أن 32 من بين 35 اكتشافًا كانت قد نتجت عن عمليات اندماج بين أزواج من الثقوب السوداء. يحدث ذلك عندما تُسحب أزواج الثقوب السوداء الموجودة ضمن مدار قريب بقوة الجاذبية المشتركة وتتصادم في النهاية مكونةً ثقبًا أسود وحيدًا ضخمًا، فيرسل التصادم تموجات عبر الزمكان “الأمواج الثقالية” تشبه تلك التي تتولد عند رمي حجر في بركة، ويحلل علماء الفلك هذه التموجات لتحديد خصائص الثقوب السوداء.

كشفت البيانات عن مجموعة كتل لثقوب سوداء. بلغت كتلة أضخمها نحو 87 ضعف كتلة الشمس، اندمج مع مرافق بلغت كتلته 61 ضعف كتلة الشمس، ما أدى إلى تشكل ثقب أسود وحيد بلغت كتلته 141 ضعف كتلة الشمس. أطلق على هذا الحدث اسم (GW200220_061928).

أيضًا، أنتج اندماج آخر ثقبًا أسود بلغت كتلته 104 أضعاف كتلة الشمس. ويُعد كلاهما من الثقوب السوداء متوسطة الحجم تتراوح كتلتها بين مئة ونحو مليون كتلة شمسية اكتُشف فيها عدد قليل جدًا من الثقوب السوداء.

يُعد (GW200220_061928) مثيرًا للاهتمام أيضًا نظرًا لسقوط ثقب أسود وحيد على الأقل مشاركًا في الاندماج فيما يُسمى فجوة الكتلة العليا. فوفقًا للنماذج، لا يمكن أن تتشكل الثقوب السوداء التي تزيد عن نحو 65 كتلة شمسية من نجم وحيد مثل الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية، ذلك لأن النجوم القديمة ضخمة جدًا لدرجة أنه على المستعرات العظمى الناتجة عنها -المعروفة باسم المستعرات العظمى غير المستقرة- أن تمحو اللب النجمي تمامًا دون أن تترك شيئًا وراءها لتنهار بقوة الجاذبية مكونةً ثقبًا أسود.

يشير ذلك إلى أنّ الثقب الأسود ذو الكتلة الشمسية البالغة 87 قد يكون نتاج اندماج سابق.

حدث GW200220_061928 ليس الأول الذي تضمّن ثقبًا أسود في فجوة الكتلة العليا، لكنّ اكتشافه يشير إلى أن عمليات اندماج الثقوب السوداء الهرمية شائعة.

أيضًا، تضمّن حدث آخر جسمًا في فجوة الكتلة السفلى، وهي فجوة الثقوب السوداء التي تبلغ كتلتها ما بين 2.5 إلى 5 أضعاف كتلة الشمس. لم يجد الباحثون نجمًا نيوترونيًا أضخم من الأول أو ثقبًا أسود أصغر من الأخير بصورة قاطعة، إذ تضمّن الحدث (GW200210_092254) جسمًا بلغ حجمه 2.8 كتلة شمسية وقد استنتج علماء الفلك أنه على الأرجح ثقب أسود صغير جدًا.

تقول سوزان سكوت: «يوضح النظر إلى كتل الثقوب السوداء، ودورانها في الأنظمة الثنائية هذه، كيف اجتمعت هذه الأنظمة معًا في المقام الأول». مضيفةً: «وتثير أيضًا بعض الأسئلة الرائعة فعلًا. فعلى سبيل المثال، هل تشكل النظام أساسًا من نجمين أنهيا دورتي حياتهما سويًا ثم تحولا إلى ثقوب سوداء في النهاية؟ أم أنّ الثقبين الأسودين كانا قد اندمجا معًا في بيئة ديناميكية سميكة جدًا مثل مركز المجرة؟».

تضمَّنت أحداث الأمواج الثقالية الثلاث الاُخرى -من بين 35 حدثًا- ثقبًا أسود وشيئًا آخر أقل ضخامةً، نجم نيوتروني غالبًا. وتُعد هذه الأحداث مهمةً بالنسبة لعلماء الفلك لأنها قد تُظهر ما بداخل النجم النيوتروني، إذا اكتُشف يومًا واحدٌ يُصدر ضوءًا. ما يكوّن فهمًا أفضل حول كيفية حدوث عمليات الاندماج هذه بإيجاد المزيد منها.

يقول عالم الفلك كريستوفر بيري من جامعة غلاسكو في المملكة المتحدة: «لقد بدأنا للتو بتقدير التنوع الجميل للثقوب السوداء والنجوم النيوترونية».

مضيفًا: «تثبت أحدث نتائجنا أنها تأتي بأحجام وتركيبات عدة، وقد استطعنا حل بعض الألغاز طويلة الأمد لكننا كشفنا الستار عن بعض الألغاز الجديدة أيضًا. إننا نقترب من حل ألغاز كيفية تطور النجوم التي تُعد أحجار الأساس المُشكِّلة للكون بالاستفادة من عمليات المراقبة هذه».

اقرأ أيضًا:

إذا تصادمت مجرتان، أولى الأمواج الثقالية تتشكل بعد عشرة ملايين عام

الأمواج الثقالية يمكن أن تكشف عن كون وتري

ترجمة: ربيع شحود

تدقيق: أحمد مهدلي

المصدر