النفايات النووية قد تشكل مصدرًا للوقود في المفاعلات المستقبلية
ليس سرًا أن متطلباتنا من الطاقة تتزايد باستمرار، فالكهرباء ضرورية لمختلف التقنيات التي يستخدمها الناس يوميًا، من السيارات الكهربائية إلى مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. فهل سنعتمد على الاندماج النووي يومًا ما؟
عند دمج الذرات معًا تُطلق حرارة كافية لتوليد الكهرباء، وبعملية الاندماج النووي هذه بوسعنا توفير هائلة من الطاقة مع انبعاثات ضئيلة نظريًا، لكن الاندماج النووي مشروع مكلف، لأن أحد عناصر وقوده الرئيسية هو نسخة نادرة من الهيدروجين تُسمى التريتيوم.
ويعمل الآن باحثون على تطوير أنظمة جديدة لاستخدام النفايات النووية في إنتاج التريتيوم، وفي الاجتماع الخريفي للجمعية الكيميائية الأمريكية في أغسطس 2025، قدّم الفيزيائي تيرينس تارنوفسكي نتائج هذه الأبحاث من المختبر الوطني في لوس ألاموس المنعقد بين 17 و21 أغسطس.
تنتج محطات الطاقة النووية الحالية الكهرباء في عملية تسمى الانشطار النووي، حيث ينقسم ذَرّة من البلوتونيوم أو اليورانيوم مطلقةً الطاقة ونيوترونات تعمل على انشطار ذرات أخرى، لتستمر السلسلة التفاعلية في إنتاج طاقة مستقرة. لكن هذه العملية تخلف نفايات نووية طويلة العمر.
أما محطات الاندماج النووي المقترحة فتنتج الطاقة بدمج نوى ذرية، إذ يندمج نظيران للهيدروجين -الديتيريوم والتريتيوم- لتكوين ذرات أثقل، وهذه العملية التي تغذي النجوم في الكون، تطلق طاقة هائلة وتنتج نفايات إشعاعية ضئيلة مقارنة بالانشطار.
بينما يتوفر الديتيريوم بكثرة، تفتقر الولايات المتحدة إلى مصدر آمن وثابت للتريتيوم. يقول تارنوفسكي:
«القيمة التجارية للتريتيوم حاليًا تبلغ نحو 33 مليون دولار للكيلوجرام، والولايات المتحدة لا تملك أي قدرة محلية لإنتاجه. نواجه إذن أزمة في إمداد بالتريتيوم».
يوجد التريتيوم طبيعيًا في الغلاف الجوي العلوي ويُقدّر المخزون العالمي بحوالي 25 ± 14 كيلوجرامًا، أما المصدر التجاري الرئيسي حاليًا فهو المفاعلات الانشطارية في كندا، فقط. ويضيف تارنوفسكي:
«إذا افترضنا أن لدينا 25 كيلوغرامًا، فهذا يكفي لتشغيل أكثر من نصف مليون منزل لستة أشهر، أي أكثر من إجمالي الوحدات السكنية في واشنطن العاصمة».
وعلى عكس التريتيوم النادر، تمتلك الولايات المتحدة آلاف الأطنان من النفايات النووية الناتجة عن محطاتها، وهي مواد عالية الإشعاع تحتاج إلى تخزين مكلف وآمن على المدى الطويل، مع مخاطر تسرب إشعاعي قد يضر البيئة وصحة الإنسان.
من هنا، رأى تارنوفسكي فرصة لاختبار إمكانية استخدام النفايات النووية المشعّة لإنتاج التريتيوم. أجرى الباحث محاكاة حاسوبية متعددة لتصاميم مفاعلات افتراضية لتقييم إنتاجيتها وكفاءتها.
وفي هذه النماذج استخدم مسرع جسيمات لبدء تفاعلات انشطارية في النفايات النووية، ما يطلق نيوترونات تؤدي في سلسلة من التحولات النووية إلى إنتاج التريتيوم. وميزة المسرع أنه يتيح تشغيل التفاعلات أو إيقافها عند الحاجة، ما يجعله أكثر أمانًا من التفاعلات المتسلسلة التقليدية.
مع إن المبادئ الأساسية ليست جديدة، فالتطورات التكنولوجية قد تجعلها أكثر كفاءة مما كانت عليه عندما طُرحت أول مرة في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية. وتشير تقديرات الباحث إلى أن نظامًا افتراضيًا يعمل بطاقة 1 جيجاواط قد ينتج نحو 2 كيلوجرام من التريتيوم سنويًا، وهو تقريبًا ما تنتجه جميع المفاعلات الكندية مجتمعة.
الميزة الكبرى لهذا النظام هي كفاءة الإنتاج؛ فمن المتوقع إنتاج التريتيوم بمعدل يزيد عشر مرات على مفاعل اندماج يعمل بنفس القدرة الحرارية.
الخطوة التالية لتارنوفسكي ستكون حساب التكلفة بالدولار لإنتاج التريتيوم بعد تحسين تقديرات الكفاءة. ويخطط أيضًا لتطوير نموذج جديد يحيط النفايات النووية بملح الليثيوم المنصهر -تصميم معروف لاختبارات المفاعلات العاملة باليورانيوم- ليمنح خاصية تبريد إضافية ويُصعّب استخدام النفايات لأغراض عسكرية.
في النهاية، الهدف هو مساعدة صناع القرار على تحديد أفضل التصاميم القابلة للتطبيق مستقبلًا. يقول تارنوفسكي:
«التحول في مجال الطاقة مكلف، لكن كل خطوة تقلل من تعقيده وكلفته تستحق المحاولة».
المصادر:
الكاتب
أحمد صبري عبد الحكيم

مراجعة
محمد حسان عجك

ترجمة
أحمد صبري عبد الحكيم
