الفقاعة دورة اقتصادية تتصف بالارتفاع الهائل للقيمة السوقية لأسعار الأصول، ويتبع هذا التضخم السريع انخفاض أو انكماش بالقيمة، ما يُعرف أيضًا بالانهيار أو انفجار الفقاعة.

تتشكل الفقاعة عادةً بسبب الارتفاع الهائل لأسعار الأصول، الذي يقوده سلوك مبالغ به للسوق. في أثناء الفقاعة، يجري تداول الأصول بأسعار يفوق مداها القيمة الاسمية للأصل بكثير، فلا يتلاءم السعر مع المعطيات الأساسية للأصل.

لم يتفق الاقتصاديون حتى اليوم على سبب الفقاعة، ويرفض بعضهم أن الفقاعات موجودة أساسًا، وذلك من منطلق أن أسعار الأصول كثيرًا ما تنحرف عن قيمتها الاسمية، وعادةً، تعرَّف الفقاعات وتدرس بدراسة حالات سابقة (دراسة رجعية retrospect)، أي بعد حدوث انهيار الأسعار.

كيف تعمل الفقاعة الاقتصادية؟

تنشب الفقاعة الاقتصادية حالما يرتفع سعر سلعة ما عن قيمتها الحقيقية، وترتبط الفقاعات عادةً بتغير في سلوك المستثمرين، ولكن يبقى سبب تغير السلوك محط جدل.

تؤدي الفقاعات إلى انتقال الموارد في الاقتصادات والأسواق المالية إلى مواقع النمو السريع، ومع نهاية الفقاعة، تنتقل الموارد خارجها مجددًا ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار.

في الثمانينيات، ظهرت فقاعة في الاقتصاد الياباني بعد تحرير المصارف اليابانية جزئيًا، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الأسهم والعقارات. ومن أشهر الفقاعات الاقتصادية أيضًا فقاعة الإنترنت (أو فقاعة شركات الإنترنت)، وهي فقاعة أصابت سوق الأسهم في أواخر التسعينيات، وامتازت بمضاربات كبيرة في أسهم الشركات المرتبطة بالإنترنت، فاشترى الناس أسهم شركات التكنولوجيا بأسعار مرتفعة في تلك الفترة، ظنًا منهم أنهم سيبيعونها بسعر أعلى، حتى توقف الناس عن الشراء وبدأت آلية تصحيح السوق لنفسه بالعمل.

ساهمت أبحاث الاقتصادي الأمريكي هايمن مينسكي في تفسير حالات عدم الاستقرار المالية، وقدمت أيضًا أحد تفسيرات خصائص الأزمات المالية. إذ قدم مينسكي في أبحاثه خمسة مراحل لدورة الائتمان الاعتيادية، ومع أن نظرياته لم تحظَ بالاهتمام الكافي طوال قرون، بل ويمكن القول إنها أُهمِلت، فقد أدت أزمة العقارات الشهيرة عام 2008 إلى إعادة النظر ودراسة نظريات مينسكي، التي تشرح أيضًا بعض سمات الفقاعة الاقتصادية:

1- مرحلة الانزياح:

تبدأ هذه المرحلة عندما يلاحظ المستثمرون صنفًا جديدًا، مثل منتج أو تكنولوجيا أو معدلات فائدة منخفضة تاريخيًا، أي يمكن لأي شيء أن يكون محط نظر في هذه المرحلة.

2- مرحلة الازدهار:

في هذه المرحلة، يبدأ ارتفاع الأسعار، ما يزيد من تدفق الموارد باتجاه الفقاعة مع دخول المزيد من المستثمرين إلى السوق، وهكذا تبدأ مرحلة الازدهار، مع وجود رغبة عامة بالدخول إلى هذه السوق، ما يؤدي إلى زيادة الناس الذين يشترون الأصول التي تشكل الفقاعة.

3- مرحلة النشاط:

بعد بداية مرحلة النشاط وظهور الارتفاع الهائل لأسعار الأصول، يمكن القول إن المستثمرين قد تخلوا عن حذرهم واحتياطاتهم.

4- مرحلة جني الأرباح:

ليس سهلًا معرفة موعد الانهيار (انفجار الفقاعة)، ولن تعود أسعار الأصول إلى الارتفاع بعد انفجار الفقاعة، ولكن يستطيع أي شخص قادر على قراءة ما بين السطور والتنبؤ بالخطر القريب جنيَ الأرباح بوساطة اتخاذ قرارات البيع.

5- مرحلة الذعر:

ينعطف مسار أسعار الأصول التي شكلت الفقاعة وتنهار، أحيانًا بالسرعة ذاتها التي ارتفعت فيها، ويرغب المستثمرون ببيع هذه الأصول وفق أي سعر، فتنخفض أسعار الأصول بما أن العرض أكبر بكثير من الطلب.

أمثلة الفقاعات الاقتصادية:

• جنون التوليب Tulip Mania

إن هذه الفقاعة الاقتصادية فريدة من نوعها، فمن الغريب القول إنه بوسع زهرة تدمير اقتصاد دولة، ولكن هذا بالضبط ما حدث في هولندا مطلع القرن السابع عشر. في البداية، بدأت تجارة بصلات التوليب عن طريق الصدفة، إذ أحضر عالم نباتات بصيلات التوليب من القسطنطينية من أجل أبحاثه العلمية الخاصة، فبدأ الأثرياء بجمع الأصناف النادرة من التوليب بوصفها سلعة رفاهية، ومع ازدياد طلبهم، ارتفعت أسعار التوليب، وبلغت أسعار بعض الأنواع النادرة أرقامًا فلكية.

كان من الممكن مقايضة التوليب بأي شيء يعد مخزنًا للقيمة، حتى المنازل والأراضي. وفي ذروة فقاعة جنون التوليب، بلغت نوبة ارتفاع الأسعار درجةً سمحت للثروات بالتشكل بين ليلة وضحاها، وأدى وجود أسواق العقود الآجلة (إذ تاجر الناس بالتوليب بوساطة عقود دون تسليم البضائع فوريًا) إلى تفاقم التسعير الناجم عن المضاربة وتغذية الفقاعة.

انفجرت الفقاعة بعد الاتفاق على عملية بيع كمية كبيرة، وعدم ظهور الشاري لاحقًا، كان واضحًا في هذه النقطة أن ارتفاع الأسعار ليس مستدامًا، ما خلق ذعرًا انتشر في أرجاء أوروبا، وأدى ذلك إلى انهيار أسعار بصلات التوليب انهيارًا ساحقًا. تدخلت السلطات الهولندية لتهدئة حالة الذعر بوساطة السماح لحاملي العقود بالتخلص من عقودهم مقابل 10% من قيمة العقد. وفي النهاية، طالت الخسائر النبلاء والأشخاص العاديين على حد سواء.

• فقاعة الإنترنت Dot-Com Bubble

ظهرت فقاعة شركات الإنترنت بهيئة ارتفاع في أسواق الأسهم عززته الاستثمارات في الشركات المرتبطة بمجال الإنترنت والتكنولوجيا. كانت هذه الفقاعة مزيجًا من المضاربات الاستثمارية والإفراط في استثمارات رأس المال المخاطر في الشركات الناشئة. أنفق المستثمرون مبالغًا طائلة في شركات الإنترنت الناشئة في التسعينيات، آملين أنهم سيجنون الأرباح من هذه الاستثمارات.

ومع التطور التكنولوجي وبداية المتاجرة بالإنترنت، ساهمت الشركات الناشئة في قطاع الإنترنت والتكنولوجيا في تغذية الفقاعة في سوق الأسهم التي بدأت عام 1995. وقد تشكلت هذه الفقاعة بفضل القروض منخفضة التكاليف والسياسة النقدية التوسعية، وبالكاد لوحظت أرباح معظم هذه الشركات، بل وحتى منتجاتها أيضًا، ومع ذلك، كان بإمكانهم تقديم اكتتاب عام أولي لطرح الأسهم في السوق، وارتفعت أسعار أسهمهم ارتفاعًا هائلًا، ما غذّى أطماع المستثمرين المهتمين في هذا المجال.

ومع بلوغ السوق ذروته، ظهر الذعر بين المستثمرين، ما أدى إلى خسارة بنسبة 10% تقريبًا في سوق الأسهم. وأما رأس المال الذي كان من السهل الحصول عليه، فأصبح قليلًا، وأصبحت الشركات التي كانت قيمتها السوقية ملايين الدولارات فجأةً بلا قيمة. ومع نهاية العام 2001، أرغمت الظروف جزءًا لا بأس به من شركات الإنترنت على الإغلاق.

• فقاعة العقارات في الولايات المتحدة U.S. Housing Bubble

أثرت هذه الفقاعة الاقتصادية في أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وكانت جزئيًا نتيجةً لفقاعة شركات الإنترنت، فمع انهيار الأسواق، ارتفعت الأسعار في سوق العقارات. في الوقت ذاته، ارتفع الطلب على ملكية المنازل ليصل إلى مستويات تنذر بالخطر، وبدأت معدلات الفائدة بالانخفاض، وأما التسهيلات التي منحها المقرضون، فكانت قوة مؤثرة في تعميق الأزمة، أي أصبح بإمكان أي أحد أن يمتلك منزلًا.

خفضت البنوك أسعار الفائدة ومتطلباتها لمنح القروض، وبرزت القروض العقارية بأسعار فائدة قابلة للتعديل – ARM، التي اتصفت بمعدلات فائدة أولية منخفضة وخيارات إعادة خلال 3 إلى 5 سنوات. اشترى كثير من الناس المنازل، وباع بعضهم المنازل بهدف الربح، ولكن عندما انتعش سوق الأسهم مرة أخرى، ارتفعت معه أسعار الفائدة. وارتفعت أسعار الفائدة عند إعادة التمويل لدى ملاك المنازل الذين حصلوا على قروض عقارية بأسعار فائدة قابلة للتعديل. ومع انهيار أسعار هذه المنازل، انتشر بيع الأوراق المالية المضمونة برهن عقاري، ما أدى في النهاية إلى حالات تخلف عن سداد الرهن العقاري بملايين الدولارات.

اقرأ أيضًا:

الهيكل المالي: ما المقصود به؟

ضريبة الكربون: الإيجابيات والسلبيات

خمسة أسباب أدت إلى عولمة الرأسمالية

ترجمة: كميت خطيب

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: حسين جرود

المصدر