يصيب داء لايم نحو 476 ألف شخص في الولايات المتحدة سنويًا، ويعالجه الأطباء بالمضادات الحيوية واسعة الطيف، التي قد تُتلف الفلورا المعوية الطبيعية ومن ثم تساهم بحدوث داء لايم المزمن. حدد الباحثون حديثًا مضادًا حيويًا ضيق الطيف فعال ضد هذا المرض، إذ إنه يمكننا من القضاء على داء لايم نهائيًا ويتلافى تطور أشكال مزمنة من المرض، وفقًا لنتيجة دراسة نُشرت في مجلة cell.

ما داء لايم؟

وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) فإن داء لايم هو المرض الأكثر شيوعًا من أمراض العدوى غير المباشرة في الولايات المتحدة. يحدث المرض عند التعرض للدغة من حشرة القراد ذات الأرجل السوداء التي تحمل العدوى، إذ تتغذى هذه الحشرات على دم الإنسان وتنقل الجراثيم المسببة للمرض إليه عندما يتعرض للدغاتها، وأشيع تلك الجراثيم هي «بوريليا برغدورفيرية»، التي تسبب العدوى التي تترافق مع أعراض تشمل الصداع والحمى والطفح الجلدي والتعب.

قد ينتشر داء لايم -حال عدم علاجه- إلى القلب والمفاصل والجهاز العصبي، ما يسبب صداعًا شديدًا والتهاب مفاصل مؤلمًا وشللًا وجهيًا وخفقانًا قلبيًا.

يعتقد الخبراء أن عدوى داء لايم تصيب نحو 476 ألف شخص سنويًا في الولايات المتحدة، ويعالجه الأطباء السريريون بالمضادات الحيوية واسعة الطيف التي تسبب بعض التأثيرات السلبية، رغم فعاليتها في معالجة هذه العدوى، إذ تقلل المضادات الحيوية واسعة الطيف من تنوع الفلورا المعوية، ما يرتبط بالعديد من الأمراض المزمنة. وتُظهر الدراسات أن المصابين بداء لايم المزمن -حالة تتسم بالألم والتعب والمشكلات المعرفية- لديهم نمط معين من الفلورا المعوية، ما يعني أن داء لايم المزمن يرتبط جزئيًا بالاضطراب الذي تُحدثه المضادات الحيوية واسعة الطيف في الفلورا المعوية بعد استخدامها لمعالجة عدوى داء لايم الأولية.

قالت د.ميرا أونيكريشنان، خبيرة العدوى الميكروبية في كلية وارويك الطبية في كوفنتري-المملكة المتحدة، غير المشاركة في الدراسة: «رغم عدم إثبات العلاقة المباشرة بين اضطراب الفلورا المعوية ومرحلة ما بعد علاج داء لايم، فإن المضادات الحيوية التي تتلافى اضطراب الفلورا المعوية تساعد بالتأكيد على منع أي تأثيرات طويلة الأمد مرتبطة بالفلورا المعوية لهذا المرض».

أيضًا، يزيد استخدام المضادات الحيوية واسعة الطيف من فرص ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية الضرورية لإنقاذ حياة الكثير من الناس، وتعد مقاومة المضادات الميكروبية من أهم عشرة تهديدات صحية عالمية تواجه البشرية.

لذلك سعى الباحثون لتحديد مضاد حيوي ضيق الطيف لعلاج داء لايم، إذ إن المضادات الحيوية ذات الطيف الضيق فعالة ضد عدد أقل بكثير من الميكروبات، وعلى هذا يكون احتمال تعطيلها للفلورا المعوية أقل بكثير، وهي أيضًا تقلل من احتمال ظهور الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية.

المضادات الميكروبية المُهمَلة

حاول الباحثون تحديد مركبات فعالة ضد جرثومة بوريليا برغدورفيرية، الجرثومة الأكثر شيوعًا من بين الجراثيم المسببة لداء لايم، فأجروا فحصًا انتقائيًا لتلك الجرثومة، وتمكنوا من تحديد مركب فعال ضدها يُسمى هيغروميسين أ (Hygromycin A)، وهو نوع من مضادات الميكروبات الموجودة في التربة ويعود اكتشافه إلى عام 1953، إلا أن مكتشفي هذا المركب لم يهتموا به لأنه لم يكن فعالًا ضد مسببات الأمراض المعتادة.

يقول البروفيسور كيم لويس من كلية العلوم بجامعة نورث إيسترن، الحاصل على ماجستير العلوم النظرية، المؤلف المشارك في الدراسة: «منذ اكتشاف هذا المركب، لم يهتم به أحد لأنه ضعيف جدًا ضد الجراثيم المعتادة، واكتشافاتنا أكدت ضعفه ضد مسببات الأمراض المألوفة، لكننا اكتشفنا أيضًا أنه قوي بصورة استثنائية ضد الملتويات».

الملتويات (spirochetes) هي نوع من الجراثيم تتميز بشكلها الحلزوني، وتنتمي جرثومة بوريليا برغدورفيرية المسببة لداء لايم إلى هذا النوع من الجراثيم.

يضيف البروفيسور لويس: «بحثنا عن مركب قادر على قتل جرثومة بوريليا برغدورفيرية تلقائيًا، وكنا واثقين أن الطبيعة طوّرت مركبًا قادرًا على استئصال جراثيم الملتويات انتقائيًا من التربة».

أجرى الباحثون تجربةً على الفئران المصابة بداء لايم، إذ عالجوا تلك الفئران بمركب هيغروميسين أ لمعرفة هل يمكن ذلك المركب أن يشفي الفئران من إصابتها بجرثومة بوريليا برغدورفيرية؟

هل يمكن استئصال داء لايم؟

وجد الباحثون أن مركب «هيغروميسين أ» قادر استئصال داء لايم من الفئران المصابة به، سواءً بإعطائها ذلك المركب بالحقن أو بالفم، ووجدوا أن ذلك المركب كان أقل إحداثًا لاضطرابات الفلورا المعوية لدى الفئران مقارنةً بالمضادات الحيوية واسعة الطيف التقليدية.

وفقًا لفريق الدراسة، تتيح النتائج إمكانية إيجاد علاج انتقائي لداء لايم لدى البشر، ما يتيح استئصال هذا المرض تمامًا من البيئة، وقد يحقق العلماء ذلك بتوزيع طعوم محتوية على مركب هيغروميسين أ في مناطق وجود الحيوانات التي تنقل حشرات القراد الحاملة لجرثومة بوريليا برغدورفيرية.

قالت الدكتورة أونيكريشنان: «استخدام طعوم الهيغروميسن أ في مواجهة المضيفات الطبيعية فكرة مثيرة للاهتمام، وقد يكون وسيلةً فعالة لمنع انتقال العدوى، إلا أننا نحتاج أولًا إلى مزيد من الدراسات الميدانية لتقييم تأثير العلاج بالهيغروميسين أ في البيئة».

كانت ستيلا هويشي شيرز مديرة منظمة مكافحة داء لايم في المملكة المتحدة أقل ثقةً في إمكانية القضاء على داء لايم، وقالت: «رغم إمكانية استئصال هذا المرض نظريًا، فإنه لا يبدو أمرًا مُرجحًا بالنسبة إلينا، إذ تُنقل الجراثيم المسببة للمرض أساسًا بواسطة القوارض الصغيرة والطيور وحشرات القراد، ومن ثم سيكون لدينا الكثير من الأنواع التي يجب استئصال الجراثيم المسببة فيها، ويجب العمل على ذلك باستمرار في جميع الأماكن التي توجد فيها الطيور والثدييات الصغيرة».

ومع أن نتائج الدراسة تبدو واعدة، ترى الدكتورة أونيكريشنان أنه من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات ما قبل السريرية، متضمنةً الحرائك الدوائية والسمية، والمزيد من التحسين لمركب هيغروميسين أ قبل التفكير في استخدام هذا المضاد الحيوي لعلاج البشر.

اقرأ أيضًا:

داء لايم: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

داء البابسيات: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: محمد بصل

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر