كان المناشفة والبلاشفة فصيلين في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي في الفترة الممتدة بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان هدفهم جلب الثورة إلى روسيا باتباع أفكار الفيلسوف الاشتراكي كارل ماركس (1883-1818).

تمكنت إحدى المجموعتين (البلاشفة) من السيطرة على الحكم عقب الثورة الروسية عام 1917، مدعومةً بخليط من قيادة لينين صاحب القلب البارد وحماقة المناشفة.

أصل الخلاف:

في عام 1898، أسس الماركسيون الروس حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي، الذي كان غير قانوني في روسيا القيصرية، كغيره من الأحزاب السياسية. ونظموا مؤتمرًا، ولكن لم يحضر سوى تسعة اشتراكيين على الأكثر، واعتُقلوا سريعًا. وفي عام 1903، عقد الحزب مؤتمر ثانيًا؛ لمناقشة الأحداث الجارية وكيفية التعامل معها، وكان يضم أكثر من خمسين شخصًا.

جادل فلاديمير لينين (1870-1924) بأن الحزب يجب أن يتكون من الثوريين المحترفين فقط، ليكون لدى الحركة نواة من الخبراء، عوضًا عن جموع من الهواة، ولكنه واجه اعتراضًا من حركة قادها يوليوس أو إل. مارتوف (وهما اسمان وهميان ليولي أوسيبوفيتش تسيديرباوم – Yuly Osipovich Tsederbaum 1873-1923) ، الذي أراد عضوية جماهيرية، مثل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في أوروبا الغربية.

كانت النتيجة انقسامًا بين المعسكرين. حصل لينين ومؤيدوه على الأكثرية في اللجنة المركزية، مع أنهم كانوا أكثرية مؤقتة وكان فصيله من الأقلية، واتخذوا من البلاشفة اسمًا لهم؛ ومعناه «أصحاب الأكثرية». وأصبح خصمهم -الفصيل الذي يقوده مارتوف- يعرفون بالمناشفة؛ ومعناه «أصحاب الأقلية»، مع أنهم الأكثرية عمومًا.

لم يُنظر إلى الانقسام في بادئ الأمر بأنه مشكلة أو انقسام نهائي، ولكنه أربك مؤسسي الاشتراكية في روسيا. ومنذ البداية، كان الانقسام بين مؤيد أو معارض للينين، وتشكلت السياسة حول هذا الانقسام.

اتساع الانقسامات:

اعترض المناشفة على نموذج لينين الديكتاتوري ومركزي القيادة للحزب.

دعا لينين والبلاشفة إلى الاشتراكية من طريق الثورة، بينما دعا المناشفة إلى الوسائل الديمقراطية.

أراد لينين تحقيق الاشتراكية عبر ثورة واحدة، بينما كان المناشفة على استعداد للعمل مع مجموعات من الطبقة المتوسطة أو البرجوازية (بل أدركوا ضرورة ذلك)؛ لإنشاء نظام ليبرالي رأسمالي في روسيا بوصفه خطوة مبكرة لقيام ثورة اشتراكية لاحقًا.

اشترك كلاهما في ثورة 1905 ،ومجلس العمال المعروف بمجلس سانت بطرسبرغ، وحاول المناشفة العمل في الدوما الروسية الناتجة عن هذه الثورة. أما البلاشفة فقد انضموا إلى الدوما في وقت لاحق عندما غير لينين رأيه، وجمعوا الأموال من طريق نشاطات إجرامية.

أصبح الانقسام دائمًا عام 1912 على يد لينين، عندما أسس حزبه البلشفي الخاص. كان حزبًا صغيرًا، وعزل العديد من البلاشفة السابقين، ولكن ازدادت شعبيته من جديد بين العمال الأكثر تعصبًا الذين اعتقدوا أن المناشفة حذرين أكثر من اللازم. اختبرت حركة العمال نهضة عام 1912، بعد مجزرة بحق خمسمئة عامل من عمال المناجم في اعتصام على نهر لينا، وتبعتها آلاف الإضرابات التي شارك فيها ملايين العمال.

ولكن بعد معارضة البلاشفة للحرب العالمية الأولى وللجهود الروسية المبذولة فيها، عدوا منبوذين من قبل الحركة الاشتراكية، التي قررت دعم الحرب في بداية الأمر.

ثورة 1917:

كان كل من البلاشفة والمناشفة فاعلين في روسيا في الأحداث المؤدية إلى ثورة فبراير عام 1917. في البداية، دعم البلاشفة الحكومة الانتقالية وفكروا في الاندماج مع المناشفة، ولكن عاد لينين من المنفى وفرض رؤيته على الحزب بقوة. في الوقت الذي كان البلاشفة فيه مشتتين، كان لينين هو القادر على توحيد صفهم وتوجيههم.

انقسم المناشفة حول ما يجب فعله، أما البلاشفة فقد كان لديهم قيادة واضحة وموحدة في لينين، ووجدوا أن شعبيتهم تنمو، مدعومةً بموقف لينين حول السلام والخبز والأرض، وحصلوا على داعمين لأنهم بقوا متطرفين، وضد الحرب، ومنفصلين عن التحالف الحاكم الذي بدا فاشلًا.

كبرت عضوية البلاشفة من عشرات الآلاف في وقت الثورة الأولى إلى أكثر من ربع مليون بحلول أكتوبر، وحصلوا على الأكثرية في مجالس مفصلية، وكانوا في موقف يسمح لهم بالسيطرة على الحكم في أكتوبر.

كان عقد المؤتمر السوفييتي الذي دعا إلى ديمقراطية اشتراكية لحظة مفصلية، فاعترض المناشفة على أفعال البلاشفة وغادروا المؤتمر، ما سمح للبلاشفة بالسيطرة المطلقة واستخدموا السوفييت مظلةً لشرعيتهم، وكانوا هم من سيشكل الحكومة الروسية الجديدة، وسيتحولون إلى الحزب الحاكم حتى نهاية الحرب الباردة، رغم تغير اسمه مرات عدة وتخلصه من بعض الثوريين الأساسيين فيه.

حاول المناشفة تنظيم حزب معارض، ولكنهم سحقوا في بداية العشرينيات، فقد حكم عليهم انسحابهم بالدمار.

اقرأ أيضًا:

كيف قاد نظام المحاسبة في بلاد الرافدين إلى اختراع أول كتابة في التاريخ؟

بماذا تخبرنا الرسوم في الكهوف عن الحياة ما قبل التاريخ

ترجمة: حيان مروان أبو ترابة

تدقيق: إيناس خير الدين

مراجعة: حسين جرود

المصدر