الدين الوطني للولايات المتحدة الأمريكية هو أداة لقياس حجم التزامات الحكومة الفدرالية لدائنيها. لمزيد من الدقة، يشير مصطلح الدين الوطني الأمريكي إلى الدين الفدرالي المملوك للعامة، وهنا يظهر الفارق بين الدين المملوك للجمهور والدين الذي تحتفظ به الحكومة. يستمر الدين الوطني بالارتفاع، نظرًا إلى أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تنفق أكثر مما تحصّل. تجاوز الدين الوطني الأمريكي حاجز 28 تريليون دولار في نوفمبر عام 2021.

رغم وصول الدين الوطني إلى مستويات مرتفعة، فإنه عادةً ما يُحتسب نسبةً مئوية من الناتج المحلي الإجمالي (نسبة الدين الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي). لأن نمو أي اقتصاد في العالم يقابله زيادة في الأموال التي ستنفقها الحكومات لمواجهة ديونها.

إضافةً إلى ذلك، غالبًا ما يقترن الاقتصاد الكبير بنمو أسواق رأس المال في البلاد، ما يساعد الحكومة على إصدار ديون جديدة. يعني ذلك أن قدرة أي بلد على سداد ديونها، وتأثير هذه الديون على الاقتصاد، يعتمد على نسبة الدين إلى الاقتصاد الكلي، وليس على مبلغ هذه الديون وإن كان الرقم مرتفعًا.

الدين الوطني مقابل عجز الميزانية

من المهم جدًا معرفة الفرق بين العجز المالي (العجز السنوي بميزانية الحكومة الفدرالية) والدين الوطني (الديون الفيدرالية القائمة). ببساطة، تخلق الحكومة الفيدرالية عجزًا في الميزانية عندما تنفق أموالًا أكثر مما تجني. من أهم الأنشطة التي تغذي إيرادات الحكومة: الضرائب على الشركات، والضرائب غير المباشرة، إضافةً إلى ضرائب الأفراد.

لمواجهة العجز، تصدر وزارة الخزانة أذون وسندات تموّل من خلالها العجز، بالاقتراض من المستثمرين المحليين والأجانب. تجذب هذه السندات الشركات والمؤسسات المالية والحكومات لشرائها. تؤمن الحكومة احتياجاتها النقدية لضمان استمرارية خدماتها، بإصدار هذه الأوراق المالية. يعبر الدين الوطني عن تراكم صافي العجز السنوي لميزانية الحكومة الفدرالية، من ثم فهو إجمالي الأموال التي تدين بها الحكومة الفدرالية الأمريكية.

أساليب الاقتراض الحكومي:

تتعدد أشكال الاقتراض الحكومي، منها إصدار أوراق مالية أو الاقتراض من المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي أو المؤسسات المالية الخاصة. اعتمادًا على المستوى الحكومي أو الوطني الذي تتخذه هذه الديون، تسمى الدين الوطني.

يطلق على إجمالي الأموال التي يمكن للحكومة اقتراضها دون تفويض إضافي من الكونغرس: إجمالي الدين العام الخاضع للحد، أو اختصارًا: حد الدين. أي اقتراض فوق هذا المستوى، يستوجب الحصول على موافقة السلطة التشريعية.

يُحسب الدين العام بناءً على تقارير يومية من 50 مصدرًا مختلفًا، توضح هذه التقارير عدد الأوراق المالية المتداولة في ذلك اليوم، مثل البنك الاحتياطي الفدرالي وفروعه. أما الدين العام الجديد (المستحق)، فتحتسبه وزارة الخزانة في الصباح التالي، ويشمل قيمة الأوراق المالية القابلة وغير القابلة للتداول، من دون الفائدة.

من طرق تقليص الدين الوطني:

  •  زيادة الضرائب
  •  خفض الإنفاق
  •  إعادة هيكلة الديون
  •  تسييل الديون، أي تحويلها الى نقود
  •  التخلف عن سداد الدين.

تتأثر الميزانية الفدرالية مباشرةً بمستويات الضرائب والإنفاق، وقد تُطرح توصيات لإعادة الهيكلة أو العجز المحتمل.

لمحة تاريخية عن ديون الولايات المتحدة:

كانت الديون ملازمة للعمليات التي تقوم بها حكومات الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها، إذ اختبرت الولايات المتحدة الامريكية الديون للمرة الأولى بعد حرب عام 1790، ومنذ ذلك الحين أخذت الديون تتراكم سنة تلو الأخرى، بفعل الحروب والركود الإقتصادي.

تقلل فترات الانكماش الاقتصادي حجم الدين ظاهريًا، لكنها تزيد قيمته الحقيقية، إذ إن قلة المعروض من النقد تزيد قيمة الأموال في فترات الانكماش. بافتراض ثبات دفعات الديون، فإن المدينين يدفعون أكثر، نظرًا إلى زيادة قيمة النقود.

توقّع مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي أن الدين الفدرالي العام سيبلغ مستوى 102% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2021. اعتبارًا من بداية الربع الثاني من عام 2021، بلغ الدين الفيدرالي 98.3%. علمًا أنه قد وصل إلى أعلى مستوياته في نهاية الربع الثاني من عام 2020، إذ سجل 105%، وهو أعلى مستوى للدين منذ عام 1946.

منذ عام 1970، بلغ الدين الوطني 26.7% من الناتج المحلي الإجمالي، ومر بعدة فترات. بقي الدين الوطني ثابتًا عمومًا في فترة السبعينيات، لكنه ارتفع بشدة في الثمانينيات وبداية التسعينيات، في عهد الرئيسين ريغان وجورج بوش. بلغ الدين 48.3% في بداية 1994، قبل أن ينخفض إلى نحو 30.9% في عهد كلينتون.

ليعاود الصعود بعدها في فترة الرئيس جورج بوش الابن، تزامنًا مع الركود (2007-2009)، الأزمة الأسوأ منذ الكساد الكبير، إذ انخفضت إيرادات الحكومة وازداد الإنفاق لتحفيز الاقتصاد وتجنب كارثة مالية، ما أدى -إلى جانب انخفاض التحصيل الضريبي واستمرار الإنفاق على الحرب- إلى تضخم الديون. في عهد أوباما، ازداد الدين الفدرالي العام من 43.8% في نهاية 2008، إلى 75.9% في نهاية 2016

أما في عهد ترامب، فقد ارتفع الدين الفيدرالي بنسبة 4% في السنوات الثلاث الأولى من ولايته. رغم تخفيض ترامب للإيرادات الفدرالية بتبنيه قانون التخفيض الضريبي، فإن الدين الوطني لم يرتفع كثيرًا، نظرًا إلى تعافي الاقتصاد من آثار الركود. عام 2020، ومع انتشار الجائحة، دخل الاقتصاد في حالة ركود مجددًا.

عاد الدين الفدرالي العام إلى الزيادة، إذ بلغ ذروة 105% وعاود الانخفاض إلى 101% بنهاية 2020. بدأ الرئيس بايدن ولايته والدين عند مستوى 105%، قبل أن ينخفض إلى 98.3% في نهاية يونيو 2021 .

فهم الدين الوطني

نظرًا إلى أهمية الديون وتأثيرها في الاقتصاد، يجب على الهيئات المالية قياس الدين وتحديده بدقة، لمعرفة آثاره على المدى البعيد. رغم انتشار هذا النهج، فإن تقييم الدين الوطني لبلد ما بوصفه نسبةً من الناتج المحلي الإجمالي، ليس النهج السليم لتقييم الديون.

ذلك لعدة أسباب، منها صعوبة قياس الناتج المحلي الإجمالي بدقة. إذ يُقارَن الدين بالناتج المحلي، لكن الدين الوطني لا يُسدد بواسطة الناتج المحلي الإجمالي، بل بواسطة العائدات الضريبية. مقارنة الدين بالناتج المحلي تشبه بمقارنة الدين الشخصي لموظف ما بمقدار السلع أو الخدمات التي يقدمها لصاحب العمل خلال العام.

أما اعتماد أسلوب تقييم الدين الوطني على أساس نصيب الفرد، فيعطي فكرة أوضح عن مقدار ديون الدولة. مثلًا، إذا عرفنا أن حصة الشخص من الديون تبلغ 87,500 دولار، فإن ذلك يوضح حجم المشكلة. على عكس إذا قيل إن مستوى الدين الوطني يبلغ 100% من الناتج المحلي الإجمالي.

يمكن تبسيط الفكرة بمقارنة مجموع مبالغ الفائدة المدفوعة لقاء سندات الدين (أو الدين عمومًا)، مع المبالغ المنفقة على التعليم والدفاع والصحة والنقل.

ما مدى سوء وجود الديون الوطنية؟

يختلف الخبراء حول عواقب الديون الفيدرالية، في حين يتفقون على جوانب معينة. عمومًا، تتجه الحكومات -خاصةً التي تعاني عجزًا ماليًا- إلى الاقتراض، مبالغ تلك القروض تنافس الاستثمارات الرأسمالية في الأسواق الخاصة.

تؤثر السندات الصادرة عن الحكومة لمواجهة الدين في أسعار الفائدة، وتُعد هذه العلاقة إحدى أهم أدوات السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي.

يعتقد الخبراء الاقتصاديون من أتباع المدرسة الكينزية، أنه من الجيد تنشيط الطلب الكلي في الاقتصاد على حساب العجز في الحساب الجاري. إذ يدعم أغلب الكينزيين الجدد الإنفاق بالعجز الحكومي، بعد أن أثبتت التجارب العملية عدم فعالية السياسة النقدية، وتدني أسعار الفائدة الاسمية إلى الصفر.

يؤكد خبراء اقتصاديون أن كلًا من العجز الحكومي والديون، يؤثر سلبًا في الاستثمارات الخاصة، ويتلاعب بأسعار الفائدة وهيكلة رأس المال، ويعيق الصادرات. ما قد يضع الأجيال القادمة تحت طائلة الضرائب والتضخم.

اقرأ أيضًا:

كل ما تود معرفته عن إعادة هيكلة الديون

أزمة الديون الأوروبية

ترجمة: علي يوسف

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر