الفلسفة في حد ذاتها شئ يصعب تعريفه، وبالتباعية فأن أي مصطلح يرتبط بها، يكون من الصعب تعريفه تعريفًا تامًا، ولكن مع كل ذلك، فهي مرتبطة بكل العلوم المحيطة بنا، مثل العلوم الفيزيائية والبيولوجية والأجتماعية والسلوكية، ومن هذا الإرتباط كانت فلسفة العلوم، محط الأهتمام لكثير من العلماء والمفكرين، كي يقوموا بدراستها وتحليلها.

الفلسفة بجوهرها تهتم بتلك الأسئلة التي تصعب الإجابة عنها، وتواجد مثل هذه الأسئلة هو أمر مطلوب، لأن العلم لن يسير الى الأمام، الا بعد ان يقوم بالأجابة على مثل هذه الأسئلة، وكل محاولات العلم في هذا الأطار، هو مادة خصبة للجدل الفلسفي، فهناك مسائل فلسفة كلاسيكية لم نتوصل اليها الا بعد التطور العلمي، وظهور الكثير من النظريات والفرضيات التي غيرت مجرى تاريخ العلم، مثل هل العقل جزء من الجسم؟ أو هل هناك مكان يسع الذكاء في ذلك العالم المادي؟، مما يجعلنا أمام امر واقع وحتمي، بضرورة دراسة فلسفة العلوم.

دعنا نتخيل ان هناك نهر طويل وكبير، وهذا النهار يجري لمسافة طويلة جدًا، تكاد تقترب من اللانهاية، وعلى طول هذا الإمتداد، يتفرع من هذا النهر العديد من التفرعات الأخرى.

عزيزي القارئ اليك توضيح هذا التخيل، فالنهر الطويل هو الفلسفة، والتفرعات الصغيرة هي العلوم.

بالفعل هذا النهر بدأ من عهد الأغريق، وعند القرن الثالث قبل الميلاد، استطاع اقليدس ان ينشأ أول فرع من هذا النهر، فأسس علم الهندسة المكانية، ومن ثَم توالت التفرعات، فغاليليو ومن بعده نيوتن، وعام 1852م انفصلت البيولوجيا عن اللاهوت، بعد تأسيس نظرية دارون وكتابه عن أصل الأنواع، وفي بداية القرن العشرين انفصل علم النفس عن الفلسفة.

ولكن انفصال هذه العلوم عن الفلسفة، ليس انفصالًا تامًا، لأن هذه العلوم تركت للفلسفة ارثًا من الأسئلة، التي ليس لها اجابة محددة، مثل علم الرياضيات الذي ترك سؤالًا محيرًا، ماهي الأعداد؟، ومنذ طرح هذا السؤال لما يستطع أحد ان يجيب عنه بشكل تام، فأفلاطون اعتبر الأعداد هي اشياء تجريدية فقط.

الفيزياء ايضًا لم تترك الأمر على حاله، فتركت لنا سؤال مُحير، ماهو الزمن؟ ولم يستطع أحد ان يعطي تعريف محدد عن الزمن، فمحاولة وصف الزمن بأنه دقائق وثواني، هو خلط بين العديد من الوحدات الفيزيائية، ولكن ربما ما قدمه اينشتاين للعلم، قد يكون سمح لنا بالأقتراب نحو مفهوم مُرضي للزمن، فأينشتاين اخبرنا بأن الزمن شئ نسبي يختلف حسب الأطر المرجعية التي يُقاس منها، وتدين أفكار اينشتاين للفيلسوف الألماني ليبينز، الذي انتقد أفكار اسحق نيوتن عن المكان والزمان.

واذا انتقلنا الى نظرية التطور، التي تتعرض لمقاومة شديدة من قِبل العديد من الأشخاص، حيث يعتقدوا أن النظرية قامت بلعب دور الفلسفة، وقامت بالأنابة عنها بالأجابة على العديد من التساؤلات الفلسفية، أو حتى ربما الدين هو المنوط بالأجابة عن تساؤلاتها، وسواء اتفقت معها أو لا، الا انك يجب ان تنحني أحترامًا لهذه النظرية، لأنها مثال رائع لكيفية التأثير المتبادل بين الفلسفة والعلم.

ويتبين من ما سبق، أن العلم أورث للفلسفة العديد من المشاكل، التي يجب عليها حلها، أو على أقل تقدير، تقديم حلول مؤقتة ومُرضية في نفس الوقت، بالأضافة لاتسامها بالمنطق، وما كان على الفلسفة سوى اللجوء الى منهجين عقليين، لتقوم بحل هذه المعضلة، وهما الاستنباط، الذي يعتمد على الاستخلاص المنطقي، الذي ينتقل من خلاله الباحث من العام للخاص، بينما المنهج الثاني هو الاستقراء، الذي ينتقل فيه الباحث من الخاص للعام.

الفلسفة تتعامل مع نوعين من الأسئلة، اولهما هي الأسئلة التي لا يستطيع العلم عن الأجابة عنها، وثانيها هي الأسئلة التي توضح عجز العلم عن الأجابة على الفئة الأولى من الأسئلة الأسئلة.

هناك نوع واحد من الأسئلة، تستطيع الفلسفة وحدها أن تتعامل معه، دون اللجوء الى العلوم، مثل الأسئلة المعيارية المُتعلقة بالقيمة، مثل ماهو الخير؟، ماهو الشر؟، فكلها اسئلة تقبل الكثير من الأجابات، ولكن العلوم الأسئلة الخاصة بها، هي اسئلة وصفية وضعية، تتطلب اجابات تتسم بالمنطقية، والشمولية، والقدرة على التنبؤ بالمستقبل.

هناك العديد من الناس، يعتقدون بأن العلم قادر بالأجابة على كل الأسئلة، مهما اختلف العصر، وبغض النظر عن التطور التكنولوجي، بل يفترض ايضَا هؤلاء الناس، ان اي سؤال لم تستطع العلوم الأجابة عنه، فهو ضوضاء فقط لا غير، مثل سؤال، ماهو التوقيت الآن على الشمس؟ فمثل هذة الأسئلة قد تدفع بعض العلماء، بالضجر والضيق، بالأضافة الى العديد من الأسئلة، التي يصعُب الأجابة عليها.

لكن السؤال الذي يجب ان نسأله، هل حقًا العلم عاجز عن الأجابة على بعض الأسئلة؟.

أننا ليس على علم، هل هناك كائنات ذكية أخرى ستخلفنا على سطح هذا الكوكب، أو في احدى جوانب الكون الفسيح، وان كانت الأجابة بلا، فأن هذا ليس بدليل على عجز العلم، فتواجد بعض الأسئلة دون اجابة، مثل ماهو الزمن؟، أو ماهو العدد؟، لهي خير دليل على أن هناك عدة تساؤلات قد تظل ابد الدهر، دون اجابة نهائية، فهل هذا دليل على أن هذه الأسئلة من قبيل العلم الزائف؟، بالتأكيد لا، لأننا لو وضعنا بالأعتبار ان العلم يجب ان يتوجه الى الأمور التي تكون المعرفة موجهة اليها، سنقوم بتحويل دفة العلم الى المعرفة والطبيعة، وهذه هي مهمة الأبستمولوجيا، التي تقوم وظيفتها على دراسة المعرفة والطبيعة.

ومما سبق نستنتج ان حتى لو افترضنا ان هناك اسئلة زائفة، فأنها لن تخرج من تحت مظلة الفلسفة، ومن التعرض للعديد من الأسئلة، فأن هذه الأسئلة قد يكون العلماء هم الأفضل في الأجابة عنها، سواء بالنظريات أو الفرضيات، أو قد يكون الفلاسفة هم الأفضل في الأجابة عنها.


المصدر