إذا كنت من محبي تناول المواد الدسمة وتظن أن عدم زيادة وزنك تجعل تناولها صحياً, عليك قراءة هذا المقال لأن هناك دراسة جديدة أظهرت دوراً هاماً للكبد للحفاظ على التوازن بين الدهون والسكر.
السكر في الدم يكون على شكل جلوكوز, وهو مصدر الطاقة اللازمة لعمل الخلايا في الجسم, وعندما تقل مصادره الغذائية المعتادة ( الكربوهيدرات) فإن الكبد يمكن أن يساعد بتأمينه عن طريق الاستعانة بالدهون. ولكن بحثٌ جديدٌ في جامعة جون هوبكينز أظهر أدلة على أن أنسجة أخرى يمكن أن تقدم الجلوكوز في حال ضعف قدرة الكبد على ذلك, وأن تفكيك الدهون في الكبد أمرٌضروري لحماية الكبد من تراكم فتاك للدهون فيه. ونتائج بحثية جديدة من خلال تجارب أجريت على الفئران من الممكن يمكن أن تساعد الباحثين من أجل فهم أفضل لأمراض التمثيل الغذائي التي تتزايد حالياً وبعضها قاتل, وتؤثر على كيفية معالجة الجسم للمواد الغذائية .
وويقرر د.مايكل فولفغانغ أنه فوجئ بوجود بعض الأنسجة مثل الكُلى والأمعاء لديها القدرة على تعويض النقص في الجلوكوز في حال فشل الكبد في تأمينه, ويضيف أنه ليس شيئاً غريباً في عالم الأحياء أن يكون هناك أنظمة نسخ احتياطية لتوليد شيء حاسم وضروري لبقاء وعمل الخلايا. ويضيف – بحسب الكتب الجامعية – فإن القدرة على الحفاظ على سكر الدم خلال المجاعة المعروفة باسم اصطناع الجلوكوز (gluconeogenesis) تتطلب هدم ومعالجة الأحماض الدهنية, الأمر المعروف بأكسدة الأحماض الدهنية . و يعتقد أن 90% من تصنيع الجلوكوز يتم في الكبد بينما 10% الباقية تتم في الكلى والأمعاء, لذلك عندما قام هو وفريقه بحذف الجين Cpt2 الضروري لأكسدة الأحماض الدهنية من خلايا الكبد لدى الفئران, لم يتوقعوا منها الاستمرار في الحياة دون إمدادات مستمرة من السكريات.

وأوضح فلوفغانغ أن الأنزيمات عندما تقوم بتحطيم المركبات الغنية بالطاقة ( الأحماض الدهنية ) فإنها تنتج عدة جزيئات من الأستيل CoA التي يتم تحوليها لمسارين مختلفين تماماً؛ الأول توليد الطاقة التي تتضمن ATP التي يمكن تحوليها لتصنيع الجلوكوز للحفاظ على جلوكوز الدم في الحيوانات التي لم تأكل سكريات منذ فترة, أما المسار الثاني فهو تحويلها لتصنيع الكيتونات التي تستخدمها بعض الأنسجة مثل الدماغ كمصدر للطاقة عندما تكون مصادر الجلوكوز شحيحة.
وتفاجأ الباحثون أن الفئران التي لا تملك الأنزيم Cpt2 في الكبد وزنها مشابه لتلك التي تمتلكه وتستهلك نفس الكمية من الطاقة, حيث تم استخدام نفس الكميات من السكر والدهون كمصدر للطاقة , وكان الفرق الوحيد هو اختلاف مستويات الكيتونات الأمر الذي كان متوقعاً. وعند إجراء المزيد من الاختبارات وفحص كُلى الفئران وجدوا محتويات مرتفعة من الدهون وزيادة في نشاط الأنزيمات المؤولة عن أكسدة الأحماض الدهنية الأمر الذي يؤكد أن الكلى قد زادت من وتيرة عملها مقارنة بالفئران الطبيعية.
وهنا طرحت الدراسة سؤالاً مهماً.. عن كيفية طلب الكبد للمساعدة من بقية الأنسجة , وعند دراسة نشاط الجينات في الكبد وجدوا تغييراً هائلاً بما في ذلك الجزيئات التي تعطي مؤشرات على المدى الطويل, مثل FGF21 التي تشجع الخلايا على امتصاص الكربوهيدرات وتحطيم الدهون, والتي تم اختبراها كعلاج للسمنة و مرض السكري. حيث وجدت مستوياته مرتفعة إلى حد كبير في دم الفئران التي ليس لديها القدرة على حرق الدهون.
ولمعرفة كيفية تأثير التجويع على أكسدة الأحماض الدهنية في الكبد, حجب الباحثون الطعام عن الفئران المعدلة وراثياً لمدة 24 ساعة , ولكن الفئران كانت قادرة على التكيف مع هذا التغيير حيث كان استهلاك الطاقة الكُلِّي طبيعياً وكذلك مستوى السكر في الدم ولكن الكبد لديهم كان مشبعاً بالدهون وأيضاً الكثير من الدهون المنتشرة في الجسم بدون كيتونات , إضافة إلى تغييرات في نشاط الجينات المتعلقة بأكسدة الدهون في الكبد والكلى .

ولفهم أفضل لعملية التمثيل الغذائي الفريدة لدى الفئران المعدلة وراثياً قام الباحثون بوضع نسبة مرتفعة من الدهون لهم ومنخفضة فى السكريات, حيث استهلكت الكثير من السعرات الحرارية وكانت تأكل الزبدة في كل وجبة , ولم يتمكن الكبد لديهم من معالجة هذه الدهون حيث أصبح هذا النظام الغذائي قاتلاً للفئران في النهاية. لأن الفئران- على ما يبدو- قامت بإذابة كل الدهون الموجودة في جسمها ولكن حدث تراكم للدهون في الكبد . (حيث أنه يتم تحطيم الجزيئات في الجسم إلى أحماض دهنية ومن ثم ترسل إلى الكبد لتتم معالجتها وتحويلها لجلوكوز, فظل الجسم يرسل إشارات للأنسجة لترسل الأحماض الدهنية للكبد ليقوم بمعالجتها, ولكنه لم يتمكن من حرقها لذلك استمر في امتصاص الدهون حتى أصبح دهنياً لدرجة لم تمكنه من القيام بوظائفه.
هذا الأمر حسب فولفغانغ يمكن أن يفسر لماذا يصبح الاستقلاب (التمثيل الغذائي / الأيض) بحالة جنونية لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو السكري أو لدى هؤلاء الذين ولدوا وهم يعانون مشاكل جينية تؤثر على أكسدة الأحماض الدهنية .

المترجم : أمين السيد
تدقيق : شريف منصور

المصدر