إلى أي مدى تؤثر الأعراق في نوعية الأمراض التي سنصاب بها؟


في الحقيقة، يحتاج المجتمع الطبي إلى أن يأخذ بعين الاعتبار الأصول الوراثية للمرضى والمناطق التي قدموا منها، فكل هذه العوامل تساهم في قابلية أجسامنا على تطوير بعض الأمراض من عدمه. هذا ما وضحه الباحثون في مجال التأريخ من جامعة شمال تكساس.
حيث اكتشفت الباحثة كونستانس هيلارد ((Constance Hilliard، المتخصصة في التاريخ الأفريقي ما قبل الحقبة الاستعمارية. بأن النساء اللاتي يعشن في غرب أفريقيا حيث تتواجد ذبابة التسيتسي، التي تصيب القطعان وتمنع إنتاج الحليب ومشتقاته، أقل عرضة للإصابة بكسور في مفصل الورك كنتيجة لهشاشة العظام التي تصيب النساء في العادة بعد انقطاع الطمث، مقارنة بالنساء في شرق أفريقيا، على الرغم من افتقار نظامهم الغذائي إلى العناصر الغنية بالكالسيوم، الذي يعرف بالعنصر المسؤول عن دعم العظام وتقويتها.

فمن خلال استخدامهم للمعلومات عن المصابين بهذا النوع من الكسور في أربعين دولة، ومعدل استهلاكهم السنوي للحليب ومشتقاته، ونسبة انتشار المورثات (الجينات) المسؤولة عن انعدام القدرة على هضم اللاكتوز (نوع من السكريات يعرف بسكر الحليب)، وقد شملت هذه الدراسة الكاميرون ونيجيريا في شرق أفريقيا وكينيا في غرب القارة. ووضحت الدكتورة هيلارد أن النساء في غرب أفريقيا كن محصنات لهذا النوع من الكسور بنسبة لا تتجاوز الثلاث مصابين لكل 100 ألف شخص. أما النساء في شرق أفريقيا حيث تزدهر عملية إنتاج الألبان فكانت إصابتهم بنسبة 243، ولكن لا زالت هذه النسبة أقل بكثير مقارنة بالنساء في أمريكا حيث بلغت نسبتها 595 مصابة، وتزداد النسبة كلما ازداد معدل استهلاك الحليب ومشتقاته في البلدان.
وأضافت: «يبدو أن هذا النوع من هشاشة العظام قد وجد طريقه إلى الجينوم البشري قبل ما يقارب 10 ألاف عام، عندما بدأ البشر تدجين الحيوانات المنتجة للحليب، لتوسيع مصادرهم الغذائية من خلال الموارد الجاهزة من البروتين المتوفر في الحليب ومشتقاته، الأمر الذي أخل بنظام أيض الكالسيوم في الجسم، دافعًا إياهم للتأقلم وراثيًا بما يُضعِف قوة العظام».

وبذلك فإن المجتمع الطبي يحتاج إلى الاهتمام بالتاريخ الوراثي للمرضى بشكل أكبر وأن لا توضع كل الأعراق ضمن تصنيفات قليلة وعامة، فهم قد يتشابهون مظهريًا إلا أنهم من الناحية الوراثية مختلفين، كمثال على ذلك، خلال البحث تم فحص الأشخاص من الهند وتصنيفهم كآسيويين (يعرف الآسيويين كشعوب بِقِلة استخدام الحليب ومشتقاته في مطبخهم) إلا أنهم يمتلكون نسبة مرتفعة من المصابين بهشاشة العظام، نتيجة لعيشهم في مجتمع يقدس الأبقار ويحرم ذبحها، مما يسمح لهم بالاعتماد على الحليب ومشتقاته في غذائهم.

وقد ساهمت هذه الدراسة في توضيح أحد أكبر المتناقضات في مجال الصحة العامة: حيث يعتبر الأمريكيين من أصول أفريقية أقل استهلاكًا لكالسيوم الحليب مقارنة بباقي الأعراق في أمريكا، إلا أنهم كذلك الأقل نسبة في الإصابة بهشاشة العظام. حيث أن 85% من الأوربيين يمتلكون العامل الوراثي الذي يساعدهم على تناول الحليب، إلا أن الأمريكيين ذوي الأصول الأوربية يصابون بهشاشة العظام بنسبة أعلى نظرائهم الأوربيين.

لكن لا تجري جميع الأمور على نفس النسق، حيث بينت الدكتورة هيلارد في أبحاثها الحالية التي تجريها حول سرطان البروستات المقاوم للأندروجين، الذي يعتبر كنوع قاتل من الأمراض السرطانية ويصيب عادة الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية بنسبة أعلى بمرتين ونصف من الأمركيين المنحدرين من أُصول أوروبية، إلا أن الأبحاث السابقة قد بينت وجود علاقة قوية بين الإصابة بالسرطان والاستهلاك الكبير لمشتقات الحليب، ولكن يصاب الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية بسرطان البروستات مع كونهم الأقل نسبة في استهلاك هذه المنتجات.


إعداد: مصطفى الشوك
تدقيق: دانه أبو فرحة
المصدر