ثقوب ضخمة ناتجة عن المادة المظلمة تخترق سيلًا من النجوم


اكتشاف إثنين من الثقوب السوداء الضخمة اخترقت سيلًا من النجوم، ومن الممكن أن يُساعد هذا الاكتشاف في الاجابة عن أسئلة فيما يتعلق بطبيعة المادة المُظلمة، تلك المادة الغامضة التي تعمل على تماسك المجرَّات.

واكتشف الباحثون هذين الثقبين الأسودين الضخمين خارج درب اللبَّانة مباشرة، وقد وجدوا أنَّها على ما يبدو ناتجة عن كتل من المادة المُظلمة، المادة الخفيَّة التي تعمل على تماسك المجرَّات وتُشكِّل ربع المادة والطاقة الكُلِّية في الكون.

وقد وجد علماء من جامعة كامبردج ثقوبًا من خلال دراسة توزيع النجوم في درب اللبَّانة.

في حين أنَّ لكُتل المادة المُظلمة التي على ما يبدو شكَّلت الثقوب السوداء علاقة مقارنة لنظامنا الشمسي –مع كتلة ما بين مليون ومئة مليون مرة من كتلة الشمس- وهي في الواقع الكتل الأصغر من المادة المُظلمة التي تم اكتشافها حتى الآن.

ومن الممكن أن تُساعد الملاحظات التي قُدِّمت إلى المجتمع الفلكي الملكي، الباحثين لفهم خصائص المادة المُظلمة، من خلال استنتاج نوع الجسيمات التي قد تُكوِّن هذه المادة الغامضة والتي تشكَّلت عنها. ووفقًا للحسابات والتوقعات، يبدو أنَّ المادة المُظلمة تشكَّلت من جسيمات أضخم وأكثر بطئًا مما كان يُعتقد، بالرغم من أنَّ هذه الجسيمات لم يتم اكتشافها بعد.

ويقول الدكتور (دينيز إيريكال- Denis Erkal) من معهد كامبردج الفلكي، والمؤلف الرئيسي للصحيفة: «في حين أنَّنا لم نفهم ماهية ما تتشكَّل منه المادة المُظلمة بعد، لكننا نعلم أنَّها موجودة في كل مكان»، وأضاف: «إنه يتخلَّل الكون ويعمل كالسقالات التي يتم تجميع الأجسام الفيزيائيَّة الفلكيَّة المصنوعة من مادة عادية –كالمجرات مثلًا- حولها».

وتفترض النظريَّة الحاليَّة حول كيفية تشكُّل الكون أنَّ العديد من لبنات بناء المادة المُظلمة تُرِكت بدون استخدام، ومن المحتمل أن يكون هناك عشرات الآلاف من الكتل الصغيرة من المادة المُظلمة تحتشد داخل وحول درب اللبَّانة، وهذه الكتل الصغيرة المعروفة بالثقوب الفرعيَّة للمادة المُظلمة، هي مُعتِمة تمامًا، ولا تحتوي على أية نجوم أو غازات أو غبار.

ولا يمكن قياس المادة المُظلمة بشكل مباشر، لذلك يُستدل عادةً على وجودها عن طريق قوة الجاذبيَّة التي تفرضها على الأجسام الأخرى، مثل مراقبة حركة النجوم في مجرة، لكن ولأنَّ الثقوب الفرعيَّة لا تحتوي على مادة عادية، فقد احتاج الباحثون لتطوير تقنيات بديلة من أجل مراقبتها.

وكانت التقنية التي طوَّرها باحثو كامبردج أساسًا للبحث عن ثقوب عملاقة تخترق سيلًا من النجوم. وهذه السيلانات هي بقايا أقمار صناعيَّة صغيرة، لربما مجرَّات قزمة أو كُتل كرويَّة، والتي كانت ذات مرَّة في مدار حول مجرتنا، إلَّا أنَّ قوى المد والجزر القوية الناتجة عن درب اللبَّانة قامت بتمزيقها.

وغالبًا ما امتدت بقايا هذه الأقمار الصناعيَّة خارجًا على شكل ذيول طويلة وضيقة من النجوم، عُرِفت باسم تيارات النجوم.

فالتيارات النجميَّة هي في الواقع هياكل بسيطة وهشة، وقد قال (سيرجي كوبوسوف- Sergey Koposov) المؤلف المشارك: «تتبع النجوم في التيارات بعضها البعض، حيث أنَّ مداراتها جميعًا بدأت من نفس المكان، ولكنها حقيقة لا تتأثَّر بوجود بعضها البعض، وبالتالي فإنَّ تماسك التيار يتأثر إذا مرَّ جسم هائل بالقرب منه. وإذا مرَّ ثقب فرعي لمادة مُظلمة خلال تيار نجمي، ستكون النتيجة ظهور فجوة في التيار الذي يتناسب مع كتلة الجسم الذي أنشأه.

واستخدم الباحثون بيانات عن التيارات النجميَّة في الحشد الكروي بالوماره للبحث عن دلائل على هالات فرعيَّة مُحيطة.

وقد كانوا قادرين باستخدام تقنية جديدة على مراقبة التيار بدقة أكبر من أي وقت مضى، وما وجدوه كان زوجًا من ذيول المد والجزر المُموَّجة بفجوتين وقُطرين مختلفين.

وقرَّر الباحثون عن طريق الآلاف من عمليات المُحاكاة الحاسوبيَّة، أنَّ الفجوات تتَّسق مع الهالة المُحيطة بالمادة المُظلمة.

وإذا تم تأكيد ذلك، فسوف تكون هذه أصغر كتل من المادة المُظلمة تم اكتشافها حتى الآن.

وأوضح المؤلف المُساعد الدكتور (فاسيلي بيلوكروف- Vasily Belokurov): «إذا كان بالإمكان تواجد المادة المُظلمة في كتل أصغر من أصغر مجرَّة قزمة، عندها سوف تُعطينا معلومات عن طبيعة الجزيئات التي تتكوَّن منها تلك المادة، أي يجب أن تكون مُكوَّنة من جزيئات هائلة الضخامة».

وأضاف: «سوف تكون هذه سابقة في فهمنا للمادة المُظلمة».

ويرجع السبب في أنَّ الباحثين قادرين على صنع هذا الرابط هو أنَّ كتلةَ أصغر كتلة في المادة المُظلمة غير المعروفة حتى الآن، وبصورة أدق: كُلَّما قلَّ حجم الكتل في المادة المُظلمة زادت كتلة الجزيئات فيها.

وبما أنَّنا لا نعلم حتى الآن ماهية مُكوِّن المادة المُظلمة، فإنَّ أبسط طريقة لتشخيص الجزيئات هو تحديدها ككتلة أو طاقة معينة.

فإذا كانت هذه الجزيئات خفيفة الوزن، عندها ستمتلك القدرة على الحركة والاختفاء في كتل كبيرة جدًا.

أمَّا إذا كانت ضخمة جدًا، عندها لن تكون قادرةً على الحركة بسرعة كبيرة، مما يُسبِّب تكاثفها –في المقام الأول- إلى كتل صغيرة جدًا.

وقال بيلوكوروف: «ترتبط الكتلة بالسرعة التي تستطيع هذه الجزيئات أن تتحرَّك بها، وهذه السرعة تُعلِمك بحجمها»، وأضاف: «لذلك من المثير للاهتمام اكتشاف كتل صغيرة جدًا من المادة المُظلمة، لأنَّها ستُخبرك أنَّ جزيئات المادة المُظلمة نفسها يجب أن تكون هائلة الضخامة».

وأوضح إيركال: «لو أنَّ التقنية لدينا تعمل على النحو المُتوقَّع، فسوف نكون قادرين في المستقبل القريب على استخدامها لاكتشاف حتى أصغر الكتل في المادة المُظلمة»، وأضاف: «إنَّها مثل وضع نظارات من المادة المُظلمة ومشاهدة الآلاف من الكتل المُظلمة كُلٌّ منها أكثر ضخامة من مليون شمس مجتمعة تحوم في الأرجاء».


إعداد: مي عوض الله
تدقيق: هبة فارس
المصدر