اكتشاف ورم شائع لدى الثدييّات في مستحاثة عمرها 255 مليون عام!


(دليل متحجر لورمٍ لدى حيوان سابق للثديات عمره 255 مليون عام)

ملخّص:

يبلّغ علماء المتحجرات عن إخفاء حيوانٍ منقرضٍ قريبٍ للثديات ورمًا حميدًا مكونًا من بُنى صغيرة تشبه شكل السّن، ورغم أنّ الورم، وهو ورم سِنّي مركب (compound odontoma)، شائع لدى الثديات اليوم، إلّا أنّ هذا الحيوان عاش منذ 255 مليون سنة مضت، أي قبل أن تتواجد أية ثديات.

هذه صورةٌ لقسم نسيجي (هيستولوجي) رقيق من الفك السلفي الجورجونوبسي*، مأخوذة بالقرب من أعلى الجذر النابيّ، المادة الغامقة على اليمين هي العظم، والبنية الخلفية التي تشبه حرف C على اليسار هي جذر الناب، و يدلّ تجمع الدوائر الصغيرة الذي يشبه السنّ المصغرة على ورم سنّي مركب (compound odontoma).

* الجورجونوبسيا- Gorgonopsia هي رتيبة (suborder) من سينابسيدات الثيرابسيد (therapsid synapsid) من المملكة الحيوانية، وقد كانت الجوجرنوبسيات مثل الثيرابسيدات الأخرى تسمى الزواحف الشبيهة بالثديات.

عندما شق علماء المتحجرات في جامعة واشنطن الفك المتحجر لحيوان غير وثيق القرابة بالثديات، وجدوا أكثر مما راهنوا عليه؛ المزيد من الأسنان، على وجه التحديد.

عُرض البحث في مقالة نُشرت في الثامن من كانون الأول- December في دورية الجمعية الأمريكية الطبية للأورام (Journal of the American Medical Association Oncology).

<<نعتقد أنه أقدم نموذج معروف للورم السنّي المركب حتى الآن>> ،كما قال المؤلف الأعلى مقامًا كريستيان سايدور- Christian Sidor، وهو بروفيسور في البيولوجيا في جامعة واشنطن والقيّم على علم مستحاثات الفقاريات في متحف بورك للتاريخ الطبيعي والثقافة، <<سيشير ذلك إلى أنه نوعٌ قديمٌ من الأورام.>>

وقد كان الدليل الأقدم على الأورام السِنيَة قبل هذا الاكتشاف عائدًا إلى مستحاثات حقبة العصر الجليدي.
<<حتى الآن، كان التواجد المعروف الأكثر قدمًا لهذا الورم عائدً لحوالي مليون سنةً خلت، في مستحاثات الثديات>> ،وذلك كما قالت جودي سكوغ- Judy Skog، وهي مديرة للبرامج في قسم علوم الأرض التابع لمؤسسة العلوم الوطنية، والتي موّلت البحث، <<لقد وجد هؤلاء الباحثون مثالًا في أسلاف الثديات التي عاشت منذ 255 عام مضى، ويرجّح هذا الاكتشاف أنّ ما يشتبه بكونه المسبب لحدوث ورم سنّي ليس مقيّدًا بسمات في الأنواع الحديثة حصرًا، كما كان من المعتقد >>.

يُعرّف الورم السنّي المركب (compound odontoma) لدى البشر والثديات الأخرى، على أنه كتلة من “السّنينات” الصغيرة المدمجة مع نسج سنية أخرى مثل العاج والمينا، وهي تنمو داخل اللثة أو النسج الرخوة الأخرى في الفك، وقد تسبب ألمًا وتورّمًا، بالإضافة إلى الإخلال بتوضع الأسنان والنسج الأخرى، وبما أن الأورام السنية لا تشكل نقائل ولا تنتشر في الجسم، فهي تعتبر أورامًا حميدةً، ولكن الجراحين يختارون إزالتها بسبب الخلل الذي تحدثه.

لم تكن الجراحة خيارًا للمخلوق المدروس من قبل فريق سايدور، فقد كان جورجونوبسيًّا (Gorgonopsian)، أي قريبًا للثديات بشكل غير وثيق، وعلى رأس المفترسين أثناء العصر السابق للدينصورات منذ 255 مليون سنة مضت، وتعتبر الجورجونوبسيات جزءًا من مجموعة أكبر من الحيوانات تسمى السينابسيدات (Synapsids)، والتي تتضمن الثديات الحديثة كالعضو الوحيد الباقي منها على قيد الحياة، وتسمّى السينابسيدات أحيانًا بـ”الزواحف الشبيهة بالثديات”، لأن السينابسيدات المنقرضة امتلكت بعض صفات الثديات، وليس كلها، وقد تطورت الثديات الأولى منذ أكثر من مئة مليون عام.

<<لقد انقرضت معظم السينابسيدات، ونحن، الثديات، سلائلهم الوحيدة الباقية على قيد الحياة،>> قالت ميغان ويتني- Megan Whitney، المؤلف الرئيس وخرّيجة قسم البيولوجيا في جامعة واشنطن، كما قالت <<حتى نفهم متى وكيف تطورت ملامحنا الثديّة، علينا أن ندرس مستحاثات السينابسيدات، مثل الجورجونوبسيات.>>

وقد صنف علماء المتحجرات العديد من الملامح الشبيهة بالثدية للجورجونوبسيات، فمثلًا، تمتلك أسنانًا متمايزة لأسباب تخصصية، مثلنا، ومع ذلك بدأت ويتني دراسة أسنان الجورجونوبسيات لتتأكد من وجود ملامح ثديّة أخرى.

<<معظم الزواحف الحية الآن تندمج أسنانها مباشرة في عظم الفك،>> تقول ويتني، <<أما الثديات فلا؛ إذ نستخدم أنسجةً متينةً ومرنةً بنفس الوقت وتشبه الوتر، لكي تثبت الأسنان في أسناخها، وأردتُّ أن أعرف إذا كان الأمر سيانًا بالنسبة للجورجونوبسيات.>>

إن الفحص الخارجي لمستحاثة جورجونوبسيةٍ لوحده لن يجيب على هذا السؤال، فكان على ويتني أن تتبع المقاربة الخطرة والمثيرة للجدل، فتشق فكًا جورجونوبسيًا متحجرًا، وتنظر إلى مقاطع رقيقة من الفك تحت المجهر لترى كيف يتوضع السن داخل سنخه، وبما أن هذه التقنية قد تتلف المستحاثة، عملت ويتني مع لاري موس- Larry Mose، وهو طالب في المرحلة الجامعية الأولى أيضًا في جامعة واشنطن، على فكٍ سفليٍّ جورجونوبسي وحيد التقطه سايدور في جنوب تانزانيا.

وحضّر موس شرائح رقيقة متعددة من الفك الجورجونوبسي، كل واحدة منها بثخانة ورقة دفتر تقريبًا فقط، ووضعهم فوق شرائح للفحص بالمجهر، وقد لاحظ مع ويتني شيئًا غير متوقع داخل الفك مباشرةّ؛ فوجدا تجمعات غير منتظمة من أجسام مدورة وصغيرة، يصل عددها إلى ثمانية أجسام، منطمرةً إلى جانب جذر الناب.

بتكبير أعلى تحت المجهر، اكتشفت ويتني أن الأجسام داخل كل تجمع شابهت الأسنان الصغيرة وفقيرة التمايز، أو السنينات، كما أخفت السنينات طبقات بارزة من العاج والمينا، <<بدايةً لم نعرف ماذا نصنع بها،>> قالت ويتني، <<ولكن أدركنا بعد عدة تحريات أن هذا الجورجونوبسي امتلك ما يبدو كالورم السنّي في الكتب المرجعية.>>

بعمر 255 مليون عامًا، تُعد هذه أقدم الأدلة المكتشَفة لوجود ورم سِنّي، ويحتمل أن تكون الحالة الأولى لحيوان غير ثديّ، فوفقًا لسايدور، قد أُبلغ عن الأورام السِنيّة في العينات الأثرية، بالإضافة إلى الماموث والغزال المتحجرين، ولكن تعود كل تلك الحالات للمليون سنة الماضية أو ما إلى ذلك، وبما أن هذا السينابسيد كان مصابًا بورم سنّي، فيشير ذلك إلى تواجد هذه الحالة الثديّة قبل أن تتطور الثديات الأولى بكثير.

<<يوضّح هذا الاكتشاف كيف لسجِلّ المستحاثة أن يخبرنا الكثير عن حياتنا الحالية، حتى الأمراض والمرَضيّات التي تشكل جزءًا من موروثنا الثديّ،>> قال سايدور، <<ولم تكن لتستطيع معرفة أن هذا الكائن امتلكها في داخله فقط من الخارج.>>


ترجمة: سارة وقاف.
تدقيق: يحيى أحمد

المصدر