يأخذ فيلم الخيال العلمي الجديد ” Passengers” المشاهدين في رحلة إلى المستقبل، حيث بإمكان المركبات الفضائية الجذَّابة نقل الآلاف من المسافرين النائمين إلى كواكب في مجموعات شمسيَّة قريبة.

بينما تعتبر أجزاءٌ من قصته كفرصة للشكوكيين، يمكن القول أنَّ صناع فيلم الإثارة الفضائي المستقبلي قد تجاوزوا الأعمال السابقة على غرار “Gravity” و “Interstellar” عند الحديث عن الفيزياء.

يحكي فيلم ” Passengers” قصة مُسَافرَين (لعب الدورين كل من كريس برات و جينيفر لاورنس) على مركبة فضائية بينجمية، واللذان يستيقظان من حالة سُبات، قبل 90 سنة من البرنامج.

وبينما يفشل الاثنان في العودة إلى حالة النوم تلك، يُصدمان بحقيقة موتهما حتَّى قبل وصول المركبة إلى وجهتها.

في حين تجري أحداث القصة في عصر بعيد من المستقبل حيث نجد تكنولوجيا لا وجود لها في الحياة الفعلية اليوم والتي تبدو بعيدة عن المنال حتَّى، حرص القائمون على ” Passengers” على أخذ العلم بشكلٍ جدي.

رحلة “بينجمية” :

بدل السفر عبر الثقوب الدودية ــ أنفاق افتراضية تسمح بالمرور عبر اختصارات الزمان و المكان ــ للقفز من كوكبٍ إلى آخر مثل ما فعل روَّاد الفضاء في فيلم ” Interstellar” سنة 2014، يسافر رواد الفضاء النائمون على متن مركبة “آفالون – Avalon” في فيلم ” Passengers” بسرعةٍ تصل إلى نصف سرعة الضوء. وهم في رحلةٍ تدوم 120 سنة إلى كوكبٍ شبيه بالأرض يُسمى بـالمنزل 2، والمتواجد في نظام شمسي قريب.

من المستحيل بناء مركبات فضائية بتلك السرعات باستعمال التكنولوجيا الموجودة اليوم، لكن الفكرة تطبيقية أكثر مقارنةً بالسفر عبر الثقوب الدودية الذي رأيناه في فيلم ” Interstellar” سابقًا.

وبينما يحتاج العلماء إلى دليلٍ يقود إلى تأكيد وجود تلك الأنفاق، يبقى السفر بسرعة جُزئية لسرعة الضوء ممكن فيزيائيًا ــ نظريًا على الأقل.

وتبقى البشرية بعيدة عن الوصول إلى بناء مركبات فضائية قادرة على الوصول إلى نصف سرعة الضوء.
يسافر الضوء بسرعة تفوق المليار كيلومتر في الساعة.

أسرع مركبة صنعها الإنسان هي مركبة جونو الفضائية لوكالة ناسا، وتصل في أقصى سرعة لها إلى 265.000 كيلومتر في الساعة نسبيًا إلى الأرض.

وجاء مصمم إنتاج الفيلم جاي هندريكس دياس (Guy Hendrix Dyas) بفكرة التصميم الأصلي للمركبة الفضائية الخياليًّة آفالون معتمدًا على مفهوم قديم لمركبةٍ تدور لتخلق جاذبيًّة اصطناعية.

حيث يقول دياس : “لقد أخذت مفهوم العجلة الدوَّارة و قمت بتعديلها لشكلٍ ممدود، والذي قاد في النهاية إلى هذه الشفرات الرائعة والملتوية”.

ليضيف لاحقًا : “عندما تنظر نحو المركبة الفضائية من الأمام، تبدو كعجلة دوَّارة كلاسيكية ــ لكن عندما تستدير، ستصبح شيئًا ثلاثيَّ الأبعاد بطولٍ كبير”.

إنَّ المركبات الفضائية التي نجدها في “Gravity” و “Interstellar”هي دون شك شبيهة بتلك الموجودة اليوم في الواقع.
حيث أظهر فيلم “Gravity” مكوك فضاء ناسا، محطة الفضاء الدولية، المركبة الروسية سويوز والمحطة الفضائية الصينية تيانجونج-1.
أمَّا رواد فضاء فيلم “Interstellar” فيركبون صاروخًا يشبه نظام الإطلاق الفضائي لوكالة ناسا.

رغمَ ذلك تبدو المركبة الفضائية لفيلم “Passengers” من خارج هذا العالم مقارنةً بالأمثلة السابقة، تصميمها يبقى قائمًا على أساس علمي حقيقي، ولو كان مستقبليًا بشكلٍ بعيد.

معضلة الحبل:

يبدو أنَّ صناع فيلم “Passengers” قد أخذوا بعين الاعتبار إحدى أكثر النقاط العلمية التي تعرض بسببها “Gravity” للانتقاد وتعلموا من تلك الهفوات من أجل جعل عملهم أكثر دقة من الجانب العلمي.

لست بحاجة لأن تكون ناقد أفلام علمي الذهن لتتأسف حول اللقطة المشهورة من “Gravity” حيث يلقى جورج كلوني (دون داعٍ لذلك) حتفه وهو يضرب بقوانين الفيزياء عرض الحائط في المدار الأرضي المنخفض.

نرى جورج كلوني في تلك اللقطة وهو يتدلَّى من حبلٍ مقطوع خارج محطة الفضاء الدولية حيث تمسك ساندرا بولوك بالجهة الأخرى.
شخصية كلوني تصرُّ على ترك شخصية بولوك للحبل من أجل إنقاذ نفسها في مقابل حياة شخصية كلوني.

في الحقيقة، كان بإمكانها سحبه نحو منطقة آمنة في ذلك المحيط الخالي من الجاذبية دون بذل أي جهد يذكر.
بدل ذلك، تترك شخصية كلوني الحبل لتسقط نحو الفضاء بسبب قوةٍ غريبة لا أساس علميٍّ لها.

لكن “Passengers” لم يقع في نفس الأخطاء الفيزيائية تلك.
عندما خرجت الشخصيات من المركبة التي أدَّى دورها كل من الممثلين كريس برات و جينيفر لاورنس، نجدهم يطفون مع أربطتهم في منطقة خالية من الجاذبية، دون أن يظهروا خرقًا لقوانين نيوتن للحركة.

في لقطةٍ معينة، يطفو الاثنان في الفضاء وهما متصلان بحبلٍ رابطٍ طويل. عندما يندفعان بعيدًا، يستقيم الحبل بشكلٍ كامل قبل أن يجمعهم مجددًا. لا وجود لجهدٍ مطبق على الحبل، بسبب غياب أي قوةٍ خارجية تبعدهم عن بعضهم.

لقد أخذ فيلم “Gravity” هذه الفكرة الفيزيائية القاعدة بشكلٍ خاطئ تمامًا، لذلك يقد يشعر المتابعون المهتمون بالعلم بالرضى وهم يشاهدون “Passengers” تعرِضُ العلم الصحيح.

الدموع العائمة:

إذا كنت تظن أن البكاء في منطقةٍ ينعدم فيها الوزن قد يجعل الدموع تطفو داخل خوذة رائد الفضاء، فذلك لن يحصل أبدًا.
قام البعض بتوجيه انتقادات لـ “Gravity” بسبب لقطة الدموع العائمة لشخصية بولوك، لكن “Passengers” لم تكرر تلك الغلطة.

المشكل في دموع بولوك في “Gravity” له علاقة بقوة الجذب.
حيث لم يأخذ المنتجون في الحسبان التصاق جزئيات الماء ببعضها بسبب التوتر السطحي.
إذا ما بكى رائد فضاءٍ ما في الفضاء، سيبقي التوتر السطحي تلك الدموع ملتصقةً بخديّ رائد الفضاء.

عندما ذرف كريس برات دموعًا خلال لقطةٍ تنعدم فيها الجاذبية من فيلم “Passengers”، بقيت دموعه ملتصقةً بوجهه ــ كما يجب عليها أن تفعل.

وهذا عددٌ قليل من الأشياء التي تفوَّق فيها “Passengers” علميًا بعد فشل هوليوود المتكرر في الأعمال السابقة.
قد يجد المنتقدون طريقًا نحو الفيلم ربما، لكن على الأقل، يبدو أن صناع “Passengers” قد تعلموا حقًا من أخطاء صانعي أفلام هوليوود الكبار الآخرين.


  • إعداد : وليد سايس
  • تدقيق: بدر الفراك
  • المصدر