تطوّر الذكاء الاصطناعي
من الخيال العلمي إلى أرض الواقع


بعد أن كان الذكاء الاصطناعي مجرد خيال جامح لبعض مشاهير كتّاب الخيال العلمي، أصبح يَحتل حَيّزًا أكبر يومًا بعد يوم في حياتنا اليومية، صحيح أنه ما زالت تفصلنا عدة سنوات عن امتلاك روبوتات تحت طوعنا، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية.

كان للذكاء الاصطناعي أثرٌ بالغ على حياتنا في شتى المجالات؛ في التنبؤ بالطقس، وتمييز رسائل البريد الإلكتروني المُزعجة، وتوقعات البحث الخاصة بجوجل، والتعرُّف على الأصوات المختلفة كخاصية «Siri» في منتجات شركة آبل وغيرها.

العامل المشترك بين هذه التقنيات كلها هو «خوارزميات التعلُّم الآلي-Machine-Learning Algorithms»، التي تمُكنها من تحليل المدخلات والتعامل معها «بشكل آني-Real Time Response».

ستنكشف العديد من الجوانب السيئة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أثناء تطويرها، إلا أن أثرها الإيجابي على حياتنا ومجتمعاتنا سيكون عظيمًا بلا شك.

 

درس في التاريخ

لا يُعتبر الذكاء الاصطناعي مفهومًا جديدًا، فقد ذُكر في قصص تضرب بجذورها قديمًا في التاريخ ممتدة إلى العصور اليونانية.

مع ذلك، لم ينتقل من حيز الخيال العلمي إلى أرض الواقع -كحقيقة قابلة للتصديق- إلا منذ أقل من قرن مع انطلاق الثورة التكنولوجية.

يَرجع الفضل في هذا إلى عالم الرياضيات البريطاني الشهير «آلان تيورنج-Alan Turing» أول من أتى بفكرة الآلات ذات القدرة على التفكير، حتى أنه أجرى اختبارًا لتحديد قابلية الآلة على «التفكير» كإنسان.

على الرغم من أن أفكاره كانت مَثار سخرية في زمانه، إلا إنها كانت الخطوة الأولى على الطريق.

دخل مصطلح «الذكاء الاصطناعي» إلى الوعي الجمعي في منتصف خمسينيات القرن الماضي بعد وفاة تيورنج.

حَمل «مارفن منيسكي-Marvin Minsky» -العالم المُختص بالعلوم المعرفية- شعلة الذكاء الاصطناعي.

شارك في تأسيس معمل خاص بالذكاء الاصطناعي في معهد «ماساتشوستيس للعلوم والتكنولوجيا-MIT» عام 1959، وكان من رواد هذا المجال في الستينيات والسبعينيات، حتى أنه اعطى النصائح للمخرج «ستانلي كيبرك-Stanley Kubrick» في فيلمه «2001: A Space Odyssey» الذي عرَّف عالمنا على أحد أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

أثار انتشار الحواسيب الشخصية في الثمانينيات اهتمامًا أكبر بالآلات التي تفكر.

استغرق الأمر عقدين من الزمن كي يدرك البشر القدرات الخارقة للذكاء الاصطناعي.

 

تدور اليوم نقاشات بين رواد أعمال وفيزيائيين مثل إيلون ماسك وستيفين هوكنج حول مستقبل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن بعض هذه النقاشات تنتهي إلى سيناريوهات سوداوية، إلا أن هناك إجماعًا على أن استخدام هذه التكنولوجيا لصالح الإنسان قد يؤدي لتغيير مَسار التاريخ البشري جذريًا.

تصبح هذة الحقيقة أكثر وضوحًا عند الحديث عن تكنولوجيا »البيانات هائلة الحجم-Big Data».

تأثير مجال الأعمال

لم يتأثر مجال بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي -منذ بدايات القرن الحادي والعشرين- كما تأثرت ريادة الأعمال.

أفضت تطبيقات تلك التكنولوجيا في مجال الأعمال إلى حدوث طفرة في الإنتاجية لم يسبق لها مثيل؛ في أدوات الإدارة، أو التنبؤ باتجاهات السوق، وحتى شراء العلامات التجارية. في الحقيقة يُغيّر الذكاء الاصطناعي شكل إدارة الأعمال كما نعرفها.

أصبحت إحدى الشركات اليابانية الاستثمارية أول من استخدم «آلة» -ذات قدرة على التنبؤ بالسوق أسرع من البشر- كعضو في مجلس إدارتها.

تُعد المعلومات والبيانات هائلة الحجم منجم ذهب للشركات التي ما زالت غير قادرة على التعامل معها بكفاءة.

من هذا المنطلق، ساهمت بشكل رئيسي في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لتتعامل تقنياته مع الكميات الهائلة من البيانات والمعلومات فتخلُص إلى تنبؤات ورُؤى يصعب على الإنسان الوصول إليها؛ فهذه التكنولوجيا لا تعمل بكفاءة تنظيمية عالية للبيانات فحسب، إنما تقلل بشكل كبير احتمالية حدوث أخطاء كارثية.

للذكاء الاصطناعي القدرة على تحديد الأنماط غير المنتظمة، كرسائل البريد الإلكتروني المزعجة وعمليات الاحتيال الإلكتروني، والتحذير في الوقت المناسب من الأخطار المحتملة.

يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتعامل مع مكالمات خدمة العملاء لتخفيض النفقات، ويمكن استخدامه أيضًا في المبيعات لتحديد الشريحة المستهدفة بدقة عن طريق معرفة وتمييز أنماط الشراء بالاعتماد على قواعد البيانات.

 

بانتظار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مستقبلًا هائلًا يصعب تخيل المستقبل دونه.

أصبحنا نرى بالفعل طفرة في الإنتاجية بفضل الذكاء الاصطناعي. بنهاية هذا العِقد، سيُصبح الذكاء الاصطناعي شيئًا مألوفًا في حياتنا اليومية، في السيارات ذاتية القيادة، والتنبؤ بالطقس، واستكشاف الفضاء.

سيستخدم أيضًا لمنع الإرهاب والاحتيال الإلكتروني، وإن كان ذلك يثير مزيدًا من الجدل حول قضايا الخصوصية.

سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على تطوير الرعاية الصحية لقدرته على تحليل كميات هائلة من المعلومات الجينية.

ليس من المتوقع أن يَحل الذكاء الاصطناعي محل الطرق التقليدية قريبًا؛ من السهل على هذة التكنولوجيا تطوير نفسها، إلا أنها ما زالت تفتقد الحدس، فالغريزة الإنسانية لا يمكن الاستعاضة عنها بالخوارزميات، واعتبار الدور البشري كقطعة مهمة في الأحجية.

الطريقة المُثلى للمُضي قُدمًا هي تناغم الإنسان والآلة في عملهما معًا، معتمدًا كلًا منهما على نقاط قوة الآخر.

 

على الرغم من أن توقعات كُتاب الخيال العلمي كانت أعلى بكثير مما أُنجز فعليًا حتى وقتنا الحالي، إلا أن العالم راضٍ تمامًا عن التقدم الذي تحقق حتى الآن.

على أي حال، لسنا مؤهلين بعد لروبوتات مؤنسنة أو سفن فضاء ذاتية التعلُّم.


ترجمة: أحمد صلاح
تدقيق: الاء أبو شحوت

المصدر