باتت الأمراض المناعية الذاتية حاضرةً في أذهان العديد من الناس بسبب كثرة أنواعها وأشكالها ومدى انتشارها، ومما يزيد الأمر اهتمامًا هو الجهل بحقيقة مسبباتها وارتفاع نسبة الإصابة بها لدى النساء مقارنة بالرجال.

ويمكن تعريف الأمراض المناعية الذاتية باختصار شديد بتلك التي يُهاجمُ فيها الجهاز المناعي للكائن الحي الأعضاء والأجزاء الداخلية الخاصة به نتيجة فشله في التعرف عليها.

ومن أمثلتها الشهيرة «الصدفية» وداء السكري من النوع الأول والتهاب القولون التقرحي والتصلب اللويحي وغيرها الكثير من الأمراض.

أما في مقالنا هذا، فسوف نتحدث عن مرض نادر منها يصيب ما يقارب 14-20 فردًا من بين كل 100,000 شخص، كان من بينهم الكاتب المسرحي الشهير الهندي «فيجاي تيندولكار – Vijay Tendulkar» و الممثل الشهير «روجر سميث – Roger Smith».

ويعرف هذا المرض باسم «الوهن العضلي الوبيل – Myasthenia Gravis» !

ما هو الوهن العضلي الوبيل؟

هو اضطراب عضلي عصبي يسبب ضعفًا في العضلات الهيكلية التي تساعد الجسم على الحركة، إذ يحدث المرض عند تعطل الاتصال بين الخلايا العصبية والعضلات، مما يمنع الانقباض الضروري للعضلات من الحدوث، وبالتالي مسببا ضعف هذه الأخيرة.

وهو يعد أحد أكثر اضطرابات انتقال الإشارات العصبية للعضلات شيوعًا وذلك حسب تقرير «المؤسسة الأمريكية للوهن العضلي الوبيل – Myasthenia Gravis Foundation of America».

ما هي أعراضه ؟

إنَ أكثر وأهم الأعراض التي تُلاحظ عند الإصابة بمرض «الوهن العضلي الوبيل» هو الإصابة بضعفٍ في العضلات الهيكلية الإرادية، أي العضلات التي يتحكم فيها الإنسان، وهذا ببساطة ناتج عن عدم استجابة العضلات للإشارات العصبية القادمة من الأعصاب وبالتالي عدم قدرتها على الإنقباض.

وعادة ما يزداد ضعف العضلات سوءًا عند القيام بنشاطات في حين يتحسن عند الراحة.

كما يمكن أن يعاني المريض من الأعراض التالية:

  • صعوبة ومشاكل في التكلم؛
  • مواجهة صعوبات أثناء صعود الدرج أو رفع الأشياء؛
  • شلل في عضلات الوجه؛
  • صعوبة في التنفس كنتيجة لضعف العضلات التي تساعد في التنفس؛
  • صعوبة البلع و المضغ؛
  • التعب والإرهاق؛
  • بحة في الصوت؛
  • تدلي الجفون؛
  • ازدواج الرؤية.

لا يشترط أن يصاب المريض بجميع الأعراض السابقة، إذ قد يختلف حدوث الأعراض من شخص إلى آخر، كما قد تختلف درجة ضعف العضلات من يوم إلى آخر، أما إذا لم تعالج فسوف تزداد شدتها وخطورتها مع مرور الوقت.

ماذا عن أسبابه ؟

كما ذُكِر سابقًا، فإنَ مرض «الوهن العضلي الوبيل» هو نوع من أنواع الأمراض المناعية الذاتية، أي أنَ مسببه مناعي الأصل، ففي هذه الحالة تهاجم «الأجسام المضادة – Antibodies»- وهي بروتينات طبيعية مخصصة لمهاجمة الأجسام الغريبة والضارة في الجسم – مستقبلات الناقل العصبي الرئيسي المعروف بـ«الأستيل كولين – Acetylcholine» وهو مادة أساسية للتواصل بين الخلايا العصبية والعضلات، ليسبب هذا الهجوم تدميرًا لهذه المستقبلات و ضعفًا في العضلات كنتيجة لعدم استجابتها للأستيل كولين.

لا يزال السبب الرئيسي والدقيق الكامن وراء مهاجمة الجهاز المناعي لتلك المستقبلات غير واضحٍ بالنسبة إلى العلماء، لكن تفترض بعض النظريات وجود بروتيناتٍ بكتيرية أو فيروسية معينة تدفع جهاز المناعة وتحثه على القيام بتدمير تلك المستقبلات.

أما من حيث الفئات المعرضة للإصابة به، فإن هذا المرض يصيب عادةً من هم فوق سن الأربعين، كما يتم تشخيصه عند النساء في عمر أصغر مقارنة بالرجال الذين يتم تشخيصه بهم بعمر الستين أو أكثر.

المضاعفات:

إنَ أكثر المضاعفاتِ المحتملةِ خطورةً، هي الإصابة بــ«نوبة الوهن العضلي – Myastheniccrisis»، وهي حالة مهددةٌ للحياة بسبب تأثر عضلات التنفس فيها، فعند الإصابة بها يجب وصل المريض بجهاز تنفس اصطناعي لنجاته والمحافظة على حياته، وهنا يجب إرشاد المريض وإخباره بضرورة الاتصال على رقم الطوارئ المعروف في بلده بشكل فوري عند مواجهة أي مشاكل في التنفس أو البلع.

ترتفع فرصة المصابين بمرض الوهن العضلي الوبيل بالإصابة بأنواع أخرى من الأمراض المناعية الذاتية كالتهاب المفاصل الروماتيدي و «الذئبة – Lupus».

كيف يتم تشخيصه؟

يقوم الطبيب بأخذ تاريخ طبي مفصَلٍ عن الأعراض ثم يجري فحصًا جسديًا كاملًا للمريض بما فيه فحص الجهاز العصبي، ومن هذه الفحوصات:

  • فحص قوة العضلات وملاحظة وجود أي ضعفٍ مَرَضيٍ فيها؛
  • فحص ردات الفعل والاستجابات؛
  • اختبار الوظائف الحركية كالقيام بلمس الأنف بواسطة الإصبع وتكرار ذلك؛
  • اختبار الوظائف الحسية في بعض مناطق الجسم؛
  • اختبار حركة العينين.

كما يمكن للطبيب أن يجري فحوصات أخرى كفحص الدم (للكشف عن الأجسام المضادة المرتبطة بالمرض) وتصوير منطقة الصدر بواسطة التصوير المقطعي أو الرنين المغناطيسي لاستبعاد وجود الأورام، أو إجراء فحصٍ خاصٍ عن طريق حقن الوريد بدواء يُعرف بــ«إندروفونيوم – Edrophonium» (يعرف أيضا بالتينسيلون، وهو مثبط لأنزيم «أستيلكولين إستراز–Acetylcholinesterase»)، إذ يتحسن أداء العضلات عند حقنه، ويستخدم هذا الدواء لتشخيص وتمييز إصابة المريض بالوهن العضلي الوبيل واستبعاد أنواع أخرى من الأمراض.

العلاج:

من المؤسف القول بعدم وجود علاجٍ لهذا المرض. لكن الهدف من العلاج هنا، هو تحسين الأعراض والسيطرة عليها وعلى نشاط الجهاز المناعي.

لذلك تتعدد الخيارات العلاجية له،ومنها:

• الأدوية:

تشمل الأدوية المثبطة لجهاز المناعة و «الكورتيكوستيرويد – Corticosteroids»، إذ تعمل هذه الأدوية على تثبيط الجهاز المناعي، مما يقلل من الضرر الناتج عن ردة الفعل غير الطبيعية من قبل هذا الأخير.

كما تستخدم أدوية مثبطات الإنزيم المسؤول عن تحطيم الأستيل الكولين (cholinesterase inhibitors) مثل دواء«pyridostigmine»، والتي تعمل على زيادة الأستيل كولين وبالتالي زيادة التواصل بين الأعصاب والعضلات.

مع التنويه إلى ضرورة إخبار المريض للطبيب واستشارته في حالة تناوله لأدوية أخرى، إذ تعمل بعض الأدوية على مفاقمة الأعراض و ازديادها سوءًا.

• إزالة «الغدة الزعترية – Thymus Gland»:

ذلك بسبب كونها جزءًا من الجهاز المناعي، فقد أظهر المرضى الذين أجريت لهم عملية استئصال الغدة الزعترية ضعفًا أقل في عضلاتهم مقارنة بنظرائهم الذين لم يستئصلوها.

• استخراج البلازما (Plasmapheresis):

حيث يتم خلالها إزالة الأجسام المضادة الضارة من الدم،وهي من الوسائل العلاجية قصيرة الأمد، بسبب استمرار الجسم بتكوين الأجسام المضادة الضارة بالتالي استمرار الضعف الحاصل.

وأكثر ما يكون استخدامها مفيدًا قبل الجراحة و خلال أوقات الضعف الشديد للعضلات.

• المعالجة بالغلوبيولين المناعي عن طريق الحقن «Intravenous Immune Globulin».

• تغيير نمط الحياة المتبع:

وذلك بالحرص على الحصول على قدرٍ كافٍ من الراحة للتقليل من ضعف العضلات، وتجنب التعرض للحرارة والتوتر فهما يعملان على مفاقمة الأعراض.

يمكن للمريض أن يمر بفترة من «الهدأة – Remission»- وهي حالة تُعرفُ بغياب فعالية المرض عند مريض مصابٍ بمرض مزمن لا يمكن الشفاء منه، إذ يستطيع المريض أثنائها أن يتوقف عن العلاج لكونه غير ضروريٍ خلالها.


  • ترجمة: سيرين خضر
  • تدقيق: المهدي الماكي
  • تحرير: طارق الشعر
  • المصدر