انخفضت أعدادُ الحيوانات في جميع أنحاء الكوكب بنسبةٍ تصل إلى 80٪ منذ عام  1900م، وهذا أقرب للإبادة البيولوجية، مما يجعل هذا العواقبَ شديدةٌ على البشر.

كانت الأسود تجوب معظم أنحاء أفريقيا وجنوب أوروبا والشرق الأوسط، وصولًا إلى شمال غربي الهند، أما اليوم، فنجد أقل من(25,000)  أسدٍ متبقٍّ في البرية، وهذا انخفاضٌ عما يقدر بـ400,000) ) في عام 1950م.

متشبثونَ بالحياةِ في حدود الجزء الجنوبي للصحراء الأفريقية الكبرى، وبراري الغابة الهندية، وقد رحلت الغالبية العظمة من الأسود، ويعد هذا الانخفاض مجرد جزءٍ من حدث الانقراض الجماعي.

بينَ عامي 1900م و2015م، حوالي نصف 177 نوعًا من الثدييات التي تم الاستطلاع عنها، فقدت أكثر من 80٪ من توزعهم، فُقدت المليارات من الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات في جميع أنحاء الكوكب، مما دفع العلماء إلى ملاحظة دخولنا في انقراضٍ جماعيٍّ سادسٍ يكادُ يكون “إبادةً بيولوجية”

يقولُ (جيراردو سيبالوس_Gerardo Ceballos) البروفيسور في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك: “إن الانقراض في أعداد الثدييات، رغم تفاوته من نوع لآخر، ظاهرةٌ عالمية”

وتتابع أعماله التي نُشِرت في مجلة أعمال الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Science)، المعدل الكبير لانقراض الثدييات في جميع أنحاء الأرض، ووصفه بأنه “هجومٌ مخيف على أسس الحضارة البشرية”.

مرت الأرض عبر تاريخها بخمس أحداث انقراضٍ جماعي، كان الحدث الأخير خلال العصر الطباشيري _ البيلوجيني، الذي تسبب بانقراض الديناصورات، حيث أدى مزيجٌ من نشاطٍ بركاني وتأثيرات تصادمٍ كويكبي قبل 65 مليون عام إلى زوال 75٪ من الحياة على كوكب الأرض، في القرن الحادي والعشرين، ومع وجود تغييرات بشرية المنشأ على المناخ وأشكال الطبيعة في العالم، يمكن أن يكون حدث الانقراض السادس يلوح في الأفق.

النسبة المئوية للأعداد المنقرضة في 177 نوع من الثدييات. تم إنشاء الخرائط بالمقارنة بين النطاقات الجغرافية التاريخية والحالية.

فقدت مناطق كبيرة في جميع القارات 50٪ أو أكثر من كثافة الثدييات التي تمت معاينتها من عام 1900م إلى عام 2015م، وهي عينات صغيرة يغطي حجمها 177 نوعًا فقط، وهي منحازةٌ للثدييات الكبيرة، ويمكن استخدام هذا البيان لتصور الاتجاهات المحتملة في الخسائر العامة في إعداد الجماعات، وعلى افتراض أنه في المتوسط كل 10,000 كيلومتر مربع من المساحات المأهولة التي تمت دراستها، تبقي على جماعة واحدة من الأنواع الموجودة داخلها، يقدر سيبالو أن ما يقارب ال 58,000 من جماعات الثدييات ال177 قد انقرضت.

يقول سيبالوس: “الأرض الآن في فترة انقراضٍ عالميٍّ شامل للحيوانات الفقرية، إلا أن المدى الحقيقي لهذا الانقراض الجماعي قد تم التقليل من شأنه”.

وقد تم ربط هذا الاستخفاف في المرحلة التي وصل إليها انقراض الفقريات بالتجاهل الكبير لمجال دراسة انكماش الأعداد في مقابل الاهتمام بانقراض أحد الأنواع، وبالتركيز على هذا المجال، لا ينتظر سيبالو حتى يختفي أحد هذه الأنواع، بل يتتبع التغييرات الحالية في الكثافة في جميع أنحاء العالم، وهي الطريقة التي تحدد الاتجاه العام لانخفاض الأنواع.

ينتاب هذا الأسلوب بعض القصور، أي: أعني بهذا صعوبة التحقق من متوسط المساحات الفعلية التي تشغلها جماعة من الفقريات، بيد أن استخدام تقديرات متحفظة للأنواع الأصغر حجمًا، مثل: الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات، ستؤدي جماعة واحدة في كل 10 كيلومتر مربع إلى انقراض مئات الآلاف من الجماعات على مدى بضعة قرون، إضافةً إلى ذلك، يُعد انقراض الجماعات مقدمةً لأكبر انقراضٍ في الأنواع.

تُظهِر المناطق التي أبدت تركيزًا أعلى من التراجع في الأنواع والجماعات تشابهًا كبيرًا مع الذروة الاستوائية، تحديدًا المناطق الاستوائية بين مداري السرطان والجدي.

تقع المناطق التي تحدث فيها أكبر الخسائر المدمرة في جميع أنحاء القارة الأفريقية، وتتبعها الهند وأستراليا، وهذا لا يمنع انتشارها في جميع أنحاء العالم.

تبين دراسة سيبالوس أن المخلوقات من جميع الأشكال والأحجام، الفقريات واللافقريات، قد وجدت في حالة انخفاض، وأظهرت المراقبة طويلة الأجل لأعداد الحشرات في المملكة المتحدة أن 30٪ الى 60٪ من الأنواع لديها مجال تقلص، ومن ذلك لا يمكن التقليل من شأن هذه الخسارة في الأنواع.

المشاة التابعين لخدمات الحياة البرية في كينيا (KES) يقفون حراسًا حول المخزونات غير القانونية لأنياب الفيلة والتماثيل العاجية وأبواق الكركدن التي يتم حرقها في حديقة نيروبي الوطنية في 30 أبريل عام 2016.

وجدت سجلات تم جمعها بين عامي 1970م و2009م من قبل مركز الإيكولوجيا والهيدرولوجيا، التي تغطي 4224 نوع من الخسائر في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بعض الأنواع، مثل: النحل والعث والذباب، انخفضت هذه الأنواع بنسبة 28٪، وشهدت أنواع مكافحة الآفات مثل النمل خسارةً بنسبة 16٪.

وأخبر (توم أوليفر- Oliver Tom)، عالم البيئة في جامعة ريدنغ (Univirsity of Reading)، الذي قاد هذه الدراسة، صحيفة الغارديان البريطانية أن عواقب فقدان الحياة البرية سيكون لها تداعيات صارمةً على إنتاج الغذاء والنظام البيئي.

يقول: “نحن بحاجة إلى الحشرات لتلقيح محاصيلنا؛ لأننا لا نستطيع القيام بهذا العمل بأيدينا، وإذا فقدنا مكافحات الآفات الطبيعية، ستنخفض كمية الغذاء المتاحة، وإذا خسرنا تلك الوظائف، لن تكون المحاصيل التي نأكلها قادرةً على التلقيح، ومن ثم ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وسيكون هناك بعض الأطعمة التي لن نتمكن من تناولها، مثل: الفواكه بما في ذلك الفراولة والتوت والتفاح”.

علاوةً على ذلك، يمكن أن تؤثر التغيرات الطفيفة في النظام البيئي تأثيرًا شديدًا على قدرتنا في الحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة، مع تناقص أنواع الأشجار والنباتات أيضاً.

التهديد الرئيسي (لغيبون) و(سارودونغ) بسبب التشرد الذي دفع الأنواع إلى حافة الانقراض، وأزالت زراعة نخيل الزيت مساحة الغابات الشاسعة، مما أدى إلى إزالة مواطن الحيوانات المحمية في شرق آسيا، التي كانت تستمتع بها الحيوانات.

ولا تعد أبحاث سيبالوس الوحيدة التي تشير إلى خطر درجة الانقراض على التنوع البيولوجي، و60٪ من الأنواع الرئيسية -أكثر أقربائنا البيولوجيين قرباً- مهددةٌ بالانقراض الآن، ويوجد على الصعيد العالمي 75٪ من الجماعات قد تضرروا، وتقدم القرود رؤىً دقيقة في التطور البشري، وعلم الأحياء، والسلوك، إلا أن النشاط البشري هو الذي يهدد بقاءهم على قيد الحياة.

أدت الخسائر في الغابات الناجمة عن الضغوط الاقتصادية الإقليمية والعالمية، وتأثيرات الصيد والتجارة غير المشروعة، وغيرها من التهديدات البشرية المنشأ على جميع الحيوانات في العالم، إلى فقدان المواطن الدائمة وإحداث تغييرات في العديد من النظم البيئية من الشعب المرجانية في أستراليا إلى الغابات المطيرة في الأمازون.

يقول سيبالوس: “إن احتمال حدوث الانقراض الأرضي يكمن في أسباب انقراض الجماعات، – يدل الفقدان السريع للحيوانات في جميع أنحاء العالم والخسائر المماثلة في تنوع النباتات، أن النباتات تدخل في الانقراض أيضًا-، وتعد النباتات هي المصدر الحيوي للغذاء والدواء، والممتص الرئيس لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ومفتاح الإنسان للحياة، ومن دونها، يزيد احتمال حدوث انقراضٍ على مستوى البشر”.

أصبح من المعروف أن الأورانغوتانز (إنسان الغابة أو السعلاة – نوع من القرود) أصبح على وشك الانقراض نتيجة إزالة الغابات والصيد غير المشروع.

يقول سيبالوس: “تحول الموطن، واضطراب المناخ، والإفراط في الاستثمار، وغزو الأنواع، والأمراض، والحروب النووية (المحتملة) واسعة النطاق، جميعها مرتبطة ببعضها البعض في أنماط معقدة، وعادةً ما تعزّزُ بعضها بعضًا، وقليلٌ جدًا الإشارة إلى هذا، ومع ذلك، فإن السبب الرئيسي الذي يدفع بالتدمير الحيوي هو الاكتظاظ السكاني البشري واستمراره في النمو، والإفراط في الاستهلاك، ولاسيما من جانب الأغنياء”.

يقدم سيبالوس في بحثه نظرةً داكنةً متحفظةً، عن التنوع البيولوجي العالمي، حيث يشير إلى أن ما يصل إلى 50٪ من عدد الحيوانات التي شاركتنا الأرض يومًا ما، رحلت بالفعل، وبالنظر إلى المسارات المتزايدة لدوافع الانقراض، يلاحظ أن نافذة العمل للتحرك نحو مستقبلٍ دائم، تغلق ببطء.

يقول سيبالوس: “إن حدث الانقراض الجماعي السادس قد بدأ بالفعل، ونافذةُ العمل الفعال محدودةٌ جدًا، خلال عقدين أو ثلاثة على أكثر تقدير، وتشير جميع الدلائل إلى اعتداءاتٍ أكثر قوة على التنوع البيولوجي في العقدين القادمين، راسمةً صورةً كئيبةً لمستقبلِ الحياة، بما في ذلك حياة البشر”.


  • ترجمه: بشار بعريني
  • تدقيق: رجاء العطاونة
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر