وفقًا لدراسةٍ جديدة أجراها باحثون في معهد إنترماونتين الطبي للقلب، يعد الاكتئاب أقوى مؤشرٍ للوفاة في العقد الأول بعد تشخيص أمراض القلب التاجية.

وقد وجدت الدراسة التي كان من المقرر عرضها في الدورة العلمية السنوية السادسة والستين للجمعية الأمريكية لأمراض القلب في العاصمة واشنطن، أن احتمال الموت لدى المصابين بأمراض القلب التاجية الذين يعانون من الاكتئاب، هو تقريبًا ضعف الاحتمال، مقارنةً مع أولئك الذين لم يتم تشخيص الاكتئاب لديهم.

تقول (هيدي ماي – Heidi May)، العالمة في أمراض الجهاز القلبي الوعائي في مركز إنترماونتين الصحي للقلب في مدينة (سالت ليك سيتي – Salt Lake City)، والحاصلة على شهادة الدكتوراه، وماجستير العلوم في الصحة العامة: “تُظهر دراستنا أنه لا يهم ما إذا كان ظهور الاكتئاب على المدى القريب أو بعد بضع سنوات، وهذا لا ينفي أنه عامل ٌ خطيرٌ ولابد من تقييمه باستمرار”، وتضيف: “أعتقد أن الرسالة التي يجب إيصالها، هي أن المرضى المصابين بمرض في الشريان التاجي بحاجة إلى فحصٍ مستمر للاكتئاب، وإذا وُجِد مصابون بهذا، فإنهم بحاجة للحصول على العلاج الكافي والمتابعة المستمرة “.

تُركِز دراسة مركز إنترماونتين الطبي للقلب، على المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بنوبةٍ قلبية، أو ذبحة صدرية مستقلة أو غير مستقلة، وكلها ناجمة عن انخفاض تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى القلب، وينتج هذا عادةً من ترسب الصفائح في شرايين القلب.

تندرج هذه الحالات تحت مظلة اعتلال القلب التاجي، وهو الشكل الأكثر شيوعًا من أمراض القلب، ويقتل حوالي 370,000 شخص في الولايات المتحدة سنويًا، وتم تمويل البحث من قبل مؤسسة إنترماونتين للبحوث الطبية في مايو 2014 لمساعدة الباحثين على اكتشاف المزيد من الارتباط بين الاكتئاب وأمراض القلب الوعائية، يقول مدير التطوير في المؤسسة تايلور سكالي: “كان للدعم الخيري في المجتمع دورٌ كبيرٌ في دعم الدكتورة ماي وجهودها البحثية التي أصبحت اليوم ذات تأثيرٍ وطني”، ويضيف: “هذا هو الغرض المحدد من برنامج منح البذور في إنترماونتين، اختبار فكرة يمكن أن تُظهر دليلًا على المفهوم الذي يؤدي إلى موارد إضافية تؤدي إلى تأثير وطني»، تقول ماي: “إن أغلب الدراسات التي تُقيِّم الاكتئاب المصاحب لحدوث مرضٍ في القلب، كانت في غضون 30 يومًا من حدوث المرض”، وأضافت: “لقد سعينا لتحديد ما إذا كان خطر الوفاة الناجم عن جميع الأسباب المرتبطة بالاكتئاب يختلف مع المدة بين تشخيص أمراض القلب وتشخيص الاكتئاب المرافق لها”.

وقد قام فريق البحث بتحليل السجلات الصحية لحوالي 25,000 مريض من مركز إنترماونتين للرعاية الصحية الذين تم تعقبهم لمدة متوسطها 10 سنوات تقريبًا، بعد تشخيص أمراض القلب التاجية، وتم تشخيص 15٪ من المرضى بالاكتئاب لاحقًا، وهي نسبة أعلى بكثير من المعدل المقدر بـ 7.5 إلى 10٪ من عموم السكان.

وقد تُوفي خلال فترة الدراسة نصف الأشخاص الذين تم تشخيصهم لاحقًا بالاكتئاب، والبالغ عددهم 3646، مقارنة بـ 38٪ من أصل 20,491 شخص لم يتم تشخيصهم بالاكتئاب.

تقول ماي: “إن النتائج كانت مفاجئة”، وتضيف: “أعتقد أن الاكتئاب سيكون مؤشرًا كبيرًا ولكنه ليس الأكبر”، وأظهرت النتائج، أن الاكتئاب هو أقوى مؤشرٍ للوفاة في هذه المجموعة من المرضى، بعد تحديد العمر والجنس، وعوامل الخطر، والأمراض الأخرى، والنوبات القلبية، أو ألم الصدر، والأدوية، ومتابعة المضاعفات، وكانت هذه النتائج ثابتةً بصرف النظر عن العمر، والجنس، وتوقيت بداية الاكتئاب، وتاريخ الإصابات السابقة بالاكتئاب، أو ما إذا كان المريض أصيب بنوبةٍ قلبية من قبل.

وبالنظر إلى التأثير الكبير للاكتئاب على المدى الطويل في البقاء على قيد الحياة، يقول الباحثون: “إن على الأطباء البحث عن طرقٍ لتحديد الاكتئاب بشكلٍ أفضل لدى المرضى الذين يعانون من مرض الشريان التاجي للقلب، وذلك إما عن طريق إجراء الاستبيان الخاص للكشف عن الاكتئاب لدى المريض، أو من خلال المراقبة النشطة لعلامات الاكتئاب، أثناء الفحوصات المتابعة”.

تقول ماي: “قد يكون الاكتئابُ مدمرًا إذا ما تمّ تشخيصه مع اعتلال الشريان التاجي، والأطباء بحاجة للالتفات إلى الأشياء التي يعبر عنها مرضاهم، من خلال الأعراض الجسدية، والعوامل العاطفية وغير اللفظية أيضًا”.

وتشمل علامات الاكتئاب استمرار مشاعر الحزن واليأس وانعدام القيمة، والقلق والتهيج والأرق، وفقدان الاهتمام بالهوايات والأنشطة؛ والتعب أو التحرك ببطء، وصعوبة النوم أو التركيز، أو وجود ألم دون سببٍ مادي واضح، والتغييرات في الشهية أو الوزن، وأفكار الموت أو الانتحار.

ويرتبط الاكتئاب بسلوكياتٍ يمكن أن تضرّ بصحة القلب والأوعية الدموية، مثل انخفاض النشاط البدني، وسوء التغذية، وزيادة التدخين أو تعاطي الكحول وتقليل الامتثال للعلاج الطبي.

تقول ماي: “هناك الكثير من البحوث التي يجب القيام بها عن الاكتئاب وأمراض القلب بالمضي قدمًا، ونحن نرغب بالمزيد من تقييم تأثير العلاج، وشدة الأعراض، وغيرها من الأمراض المصاحبة التي قد تزيد من خطر موت المريض”.


  • ترجمة: بشار بعريني
  • تدقيق: رجاء العطاونة
  • تحرير:عيسى هزيم
  • المصدر