لغة مفقودة، شيفرة أم خدعة؟ لماذا لا تزال مخطوطة فوينيتش Voynich تُحيِّر الخبراء


(صفحتين من مخطوطة فوينيتش المكونة من 240 صفحة.

المصدر:Beinecke Rare Book & Manuscript Library.

كانت القصّة مصمّمة خصّيصًا لعناوين الصُّحف الرئيسيّة: (مخطوطة فوينيتش غير القابلة لفك تشفيرها).

لقد حيرت هذه المخطوطة يومًا ما، أفضلُ كاسري الشيفرات، وفي الحرب العالمية الثانية تم فك شيفرتها، وكانت دليلًا بسيطًا للصحة، والعافية لنساء القرون الوسطى، أو أنها ليست كذلك؟.

إن مخطوطة فوينيتش، كتابٌ مزوّدٌ برسوم توضيحية كثيرة عن الرَقّ، مكتوبة فيما يبدو بلغة غير معروفة، وقد كانت محل نقاشٍ حادّ منذ حيازتها عام 1912م من قبل الأثَرِيّ ويلفريد فوينيتش Wilfrid Voynich، الذي أعطاها اسمها، ويعود تاريخ الرق إلى أوائل القرن الخامس عشر (1400)، ولم يتمكن أحد من معرفة ما تقوله المخطوطة، أو حتّى إن كانت تقول أيّ شيء على الإطلاق.

وبالنسبة لأحدث نظريّة، نُشِرَت في 5 أيلول في ((The Times Literary Supplement، إذ استخدم باحثٌ الرسوم التوضيحية في الكتاب، لأعشاب، ونساء تستحِم، بالإضافة إلى بعض التكهنات حول اقتباس النص من الاختصارات اللاتينية؛ وذلك لاقتراح أنها دليل نظافة – نوع من مجلة من القرون الوسطى، موجهة نحو النساء من الطبقة العليا-، ولكن خبراء قُدامى في المخطوطة أسقطوا بسرعة هذه النظرية المقترحة.

لغة مفقودة، شيفرة أم خدعة؟

ما هو واضح، أن المخطوطة هي حقًّا من العصور الوسطى، يقول (زاندبرجين – Zandbergen): “إنّ سلسلة المُلكيّة واضحة بشكل مقبول، وهي تعود إلى أوائل القرن السابع عشر في (براغ- Prague)، عندما كانت المخطوطة مملوكة من قبل شخص منتسب لمحكمة امبراطور (هابسبورغ- Habsburg) (رودولف الثاني- 2Rudolf ) ، وربّما من قبل رودولف نفسه – متواجدة اليوم في مكتبة (Beinecke Rare Book & Manuscript )، في جامعة ييل (Yale University) -.

هناك 240 صفحة في المخطوطة، وهي استنادًا إلى الرسوم التوضيحية، تبدو أنها تنقسم إلى أقسام موضوعية: الأعشاب، علم الفلك، علم الأحياء، المستحضرات الدوائيّة، ووصفات”

والسؤال هو، ماذا إذا كان الكاتب من العصور الوسطى، أو أوائل العصر الحديث لمخطوطة فوينيتش يكتب بلغة، أم بشيفرة، أم بكلامٍ غامض؟، يقول (جوردون روج – Gordon Rugg )، الباحث في جامعة كيل (Keele University) في المملكة المتحدة: “إنّ فكرة أنّ المخطوطة تحتوي على لغة مَنسيّة، أو غير معروفة، هي أكثر فكرة بعيدة المنال”.

ويقول روج: “على سبيل المثال، من المقبول عالميًّا أنّ الكلمات الأكثر شيوعًا في اللغة، هي القصيرة، منها: ( فكر “a”، “an”و “the” )، وهذه ليست الحالة في مخطوطة فوينيتش، كما أنّ أنماط الكلمات لا معنى لها، وفي كتاب نموذجي، الكلمات ذات المعاني المتعلقة بالرسوم التوضيحية تظهر بشكل متكرر بالقرب من الرسوم لهذه الكلمات، وفي مخطوطة فوينيتش، الكلمات المتعلقة بالنبات، مثل (الجذر)، و (الجذعيّة) ، يجب أن تظهر في كثير من الأحيان على صفحات حول النباتات لا على صفحات أخرى، ويجب أن يتم ذلك في أنماط معينة، بحيث تظهر الكلمات المتعلقة بالألوان مثل: (الأحمر)، و (الأزرق)، جنبًا إلى جنب مع كلمة (زهرة)، وهكذا الخ…”.

ويقول روج أيضًا: “هناك غرائب أخرى حول نص فوينيتش التي تبدو غير لغويّة الشكل، فعلى سبيل المثال، الكلمات في بداية السطور أطول بشكل متوسط، من الكلمات في نهايات السطور في الكتاب، وهذا لا يشكل معنى بالنسبة للغةٍ، فتوزيع المقاطع اللفظية، التي هي عادة نفسها في جميع أنحاء النص، هو منحرفٌ بشكل غريب في المخطوطة، بالإضافة إلى ذلك، فإن المخطوطة لا تحتوي على كلمة واحدة محذوفة أو مشطوبة، حتى إن أفضل كُتّاب الزمن قاموا بأخطاء”.

كاسرو الشّيفرات.

الخيار الثاني، هو أنّ المخطوطة شيفرة مستندة إلى لغة معروفة، هذا والذي جذب كاسرو الشيفرات في عصر الحرب العالمية الثانية لمخطوطة فوينيتش، يقول روج: “كانوا يأملون أن يتمكنوا من كسر شيفرة المخطوطة، واستخدام أسرارها؛ لتطوير أنواع جديدة من الشيفرات التي من شأنها أن تتحدى فك الشيفرات، وهذا لمْ ينجح”.

ومع ذلك، يعتقد بعض الباحثون أن المخطوطة تحتوي على رسالةٍ، وقد جادل (مارسيلو مونتيمورو Marcelo Montemurro)، الفيزيائيّ في جامعة مانشستر ((Manchester University في المملكة المتحدة، في بحثٍ نُشِرَ عام 2013م في مجلة (( PLOSE ONE أنّ تكرار الكلمة في المخطوطة هو شبيه باللغة، وعلى وجه الخصوص، تلتزم المخطوطة بقانون زيب (Zipf’s law)، وهي معادلة تصف العلاقة بين العدد المطلق للمرات التي تستخدم فيها كلمة ما في نص، ومرتبتها في قائمة عدد مرات استخدام الكلمات.

وفي عام 2016م، نشر روج بحثًا في مجلة (كريبتولوجيا- Cryptologia) التي استخدمت نظام الشبكة من (اللواحق suffixes)، و(البادئات prefixes)، والجذور؛ من أجل توليد نص بشكل شبه عشوائي، يشارك الكثير من الميزات مع مخطوطة فوينيتش، بما في ذلك الالتزام بقانون زيب، وهكذا، جادل روج، الميزات الشبيهة باللغة، وهي لا تُثْبِتُ أنّ المخطوطة لغة.

خدعة ذات مستوى تكنولوجي متدنٍ.

إذا كان قد تم إنشاء نص فوينيتش باستخدام طريقة روج، لكانت تضمنت ملء شبكة بمقاطع لفظية بتكرر مختلف يحاكي جزءًا من اللغة الحقيقية، وقد يضع المؤلف مقطع فوينيتش اللفظي الذي يشبه خياليًّا (89) في كل مربعٍ ثالث – على سبيل المثال-، ثم ملء مقاطع أخرى نادرة كل مربعٍ خامس، أو كل مربعٍ ثاني عشر، وتاليًا، سيأخذ المؤلف ورقة أُخرى مع ثلاثة ثقوب خلالها، ووضعها فوق الشبكة، مشكّلة كلماتٍ من المقاطع اللفظية، التي تظهر من خلال الثقوب في الوقت الذي يُحرِّك، أو تتحرك الورقة العلوية بشكل عشوائي.

يقول روج: “لا يمكنك كسر الشيفرة، أو عكس هندسة إنشاء النص؛ لأنه هناك الكثير من تكرار المقاطع اللفظية، الذي يجعل من الصّعب التأكُّد أين تم وضع الشبكة لإنتاج أيّ كلمة في النص، ولكن تنتج الطريقة أيضًا أنماطًا، بما في ذلك مجموعات غريبة من طول الكلمة، و أنماط التكرار التي تبدو شبيهة باللغة”.

ما سبب إنشاء المخطوطة؟

فَقَدَ بعض خبراء فوينيتش الاهتمام بالترجمة نفسها، وأصبحوا أكثر اهتمامًا بالوثيقة بصفتها ظاهرة.

يقول (زاندبرجين- (Zandbergen : “لن تكون هناك أسرار كبيرة فيه”، وما يثير اهتمامه، هو كيف تمّ إنشاء المخطوطة، وليس ما تعنيه.

في هذا المعنى، النّاس المتحيّرون حول مخطوطة فوينيتش، هم متحيّرون حول غرابة الإنسان، ومن الممكن أنّه قد تمّ إنشاء المخطوطة، لأيّ عدد من الأسباب، وربما مؤلفها كان عبقريًّا عظيمًا، إذ اخترع لغةً، أو شيفرةً جديدة، تكسر أيّ قاعدة معروفة عن كل منهما، يقول زاندبرجين: “ربما كانت لغة خاصّة، أو ربّما تم إنشاء الكتاب؛ لإثبات ذكاء المؤلف كجزءٍ من طلبٍ لأحد الجمعيات السريّة العديدة التي ازدهرت في العصور الوسطى “.

ويقول روج: “أو ربّما كانت خدعة، وإذا كان الأمر كذلك، فإن المُخادِع قد كان بحاجة إلى النقود”، أو ربما كان الدافع شخصيّا، يقول روج: “يستمتع المخادعون أحيانا بالتشويق في سحب الألغاز أمام عيون الجميع، أو من الممكن أن يستهدفوا خدعتهم تجاه شخص معين”.

ويقول روج: “في بعض الأحيان، المخادعون هم فقط هواة الذين يريدون خلق شيء جميل، وفي أحيان أخرى، يصدّقون قِصصهم، فعلى سبيل المثال، ادّعت الوسيطة الروحانية الفرنسية (هيلين سميث- Hélène Smith) في القرن التاسع عشر أنها قادرة على نقل لغة سُكان كوكب المريخ، وفي عام 1952م قامت أخصائية علم النفس الدكتورة (راوكليف- D. H. Rawcliffe) في ” الظواهر الغامضة، والخارقة للطبيعة- Occult And Supernatural Phenomena ” (Dover Publications) بفحص حالتها، واستنتجت أنّ سميث، واجهت هلوسة، وربما اعتقدت حقّا أن كتاباتها الغريبة، قد جاءت عبر اتصال روحاني مع المريخ”.

وعند هذه النقطة، ليس هناك طريقة واضحة واحدة نحو حل ألغاز مخطوطة فوينيتش، ويقوم روج بتطوير شيفراته الكاسرة للقواعد الخاصة به، ويَشُكُّ (مونتيمورو (Montemurro-أنه على (اللغويين- (linguists و(المشفرين cryptographers) أن يعملوا معًا، وألا يكونوا في عُزلة؛ لتحقيق أيّ تقدم في فوينيتش.

ويقول زاندبرجين: “ما هو مؤكّد تمامًا، أنّ شخصًا ما أعدّ هذا، شخصًا ما جلس وكان يكتبها مع الحبر، عن الرقّ، وإنّها حقيقيّة؛ لذلك يجب أن يكون هناك طريقةً”.


  • ترجمة: لميا عنتر.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • تحرير: زيد أبو الرب.

المصدر