قام الباحثون بتعديل النظام المناعي لأحد أنواع البكتيريا بحيث يصبح بمثابة شريط تسجيل جُزيئي!

إن هذه التقنية، والتي تعتمد على الاستجابة للتغييرات الكيميائية في الوسط المحيط، تُمثّل منطلقًا لأجهزة المراقبة الحية والتي يمكن أن تُستخدَم في الفحص الطبي أو لتحليل المواد الملوِّثة ضمن الأنظمة البيئية.

قام العلماء من المركز الطبي في جامعة كولومبيا بتطبيق نظام التعديل الجيني المعروف باسم كريسبر كاس (CRISPR-Cas) ضمن بكتيريا Escherichia coli، وذلك من خلال الاستفادة من قدرتها الطبيعية على تذكُّر المعلومات الوراثية الخاصة بالفيروسات.

يقول عالم الفيزياء الحيوية هاريس وانغ (Harris Wang) وهو الباحث الرئيسي في هذه الدراسة: «يُعتبر نظام CRISPR-Cas بمثابة جهاز ذاكرة حيوي طبيعي»، ويتابع قائلًا: «في الواقع يُعتبر ذلك رائعًا من وجهة النظر الهندسية لأنه أثبت بالفعل أنه نظام جيد في تخزين البيانات.»

يُعتبر نظام CRISPR بمثابة الهِبة التي لا نزال نستفيد منها.

إن القليل من التقنيات تستحق أن توصف بأنها ثورية، ولكن بفضل بساطة هذه التقنية وموثوقيتها العالية، فإن هذا النظام الجُزيئي قد ترك بصمته بالفعل من خلال النقلة النوعية التي أحدثها في مجال الهندسة الوراثية.

وتعمل هذه الأداة الجينية بالاعتماد على مبدأ تمت ملاحظته في البكتيريا.

فكما تبين فإن بكتيريا E. coli تحتوي على “مكتبات” من التسلسلات الوراثية التي تساعدها في التعرف على الفيروسات الغازية.

وتقوم البكتيريا بنسخ هذه المكتبات على أجزاء من RNA والتي تساعد الإنزيمات التي تُسمى Cas من أن تتعرف بسرعة على الجينومات الفيروسية وتخريبها قبل أن تُسبب الضرر.

هذا ما يجعل هذا النظام ذو فائدة كبيرة كمقص جُزيئي.

ولكن في هذه الحالة، حوّل الباحثون تركيزهم نحو المكتبة بحد ذاتها.

يقول رافي شيث (Ravi Sheth) وهو أحد طلاب الدراسات العليا الذين يعملون في فريق وانغ: «عندما تفكر بتسجيل إشارات متغيرة ومؤقتة باستخدام أجهزة الكترونية أو باستخدام مسجل صوتي فهي تعتبر تقنية قوية، ولكننا كنا نفكر في كيفية قيامنا بذلك على مستوى الخلايا الحية.»

استخدم فريق البحث قطع DNA حلقية تُدعى البلازميدات (plasmids) والتي ستمثل الرسائل ضمن مكتبة البيانات.
فمن خلال إثارة إنتاج رسائل محددة ردًا على إشارة معينة -مثل وجود مواد مُستقلَبة مثل النحاس أو سكر الفواكه- تمكن العلماء من تسجيل تغيير بيئي معين.

ولكي يقوموا بتحويله إلى جهاز تسجيل، سيحتاجون إلى تخزين هذه التغيرات ضمن تسلسل يمكن تفسيره على أنه مقياس للزمن، وهنا يأتي دور تقنية كريسبر.

لقد تم تعديل آلية اكتساب الفاصل في تقنية كريسبر كاس بحيث تستجيب للكمية الكبيرة لهذه البلازميدات من خلال إدخالها ضمن تسلسل بشكل مشابه لشريط التسجيل.

وعند غياب البلازميدات، استمرت هذه الآلية في بناء التسلسل باستخدام نوع آخر من البلازميدات كمرجع للفاصل.

إن مزيج البلازميدات هذا يُوفر الطابع الزمني time stamp لحدوث التغييرات في البيئة.

وقد كتب الباحثون ضمن تقريرهم: «تسمح هذه الطريقة بالتسجيل الثابت على مدى عدة أيام بالإضافة إلى إعادة بناء دقيقة للمعلومات المؤقتة ومعلومات الرابطة من خلال تسلسل مصفوفات الكريسبر.»

وقد أطلق الفريق البحثي على تقنيتهم هذه اسم “التسجيل المؤقت ضمن المصفوفات من خلال توسُّع الكريسبر” أو اختصارًا TRACE.

إن الخطوة التالية بشأن تقنية TRACE تكمن في استجابتها للمؤشرات الحيوية الخاصة بأمراض الجهاز الهضمي والتي يمكن أن تتكرر في عدة أيام.

ومع تنامي الأدلة التي تربط بين الميكروبات الموجودة في الأمعاء والحالات المرضية المتعددة كداء باركنسون والإرهاق المزمن والتصلب المتعدد، فإن امتلاك أدوات أكثر دقة من أجل تحليل البيئات المعقدة والموجودة بداخلنا يعتر أمرًا بالغ الأهمية.

يقول وانغ: «إن مثل هذه البكتيريا، التي يبتلعها المريض، يمكن أن تُسجل التغيرات التي يواجهها عبر مسار الجهاز الهضمي بالكامل، مما يؤدي إلى امتلاكنا لنظرة غير مسبوقة حول الظواهر المذكورة سابقًا والتي يتعذر الوصول إليها.»

مواضيع ذات صلة:


  • ترجمة: زينب النيّال.
  • تدقيق: مينا أبانوب.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر