تأمل ناسا ووكالات الفضاء الأخرى في العقود المقبلة القيام ببعض المهام الطموحة إلى كواكب جديدة في نظامنا الشمسي. فبالإضافة إلى دراسة المريخ والنظام الشمسي الخارجي بمزيد من التفصيل، تعتزم ناسا إرسال مهمة إلى كوكب الزهرة لمعرفة المزيد عن ماضي الكوكب. سيشمل ذلك دراسة الغلاف الجوي العلوي للكوكب لتحديد ما إذا كان قد امتلك في يوم من الأيام ماءً سائلًا -وربما حياة- على سطحه.

ومن أجل هذا التحدي الكبير، دخلت ناسا مؤخرًا في شراكة مع شركة «بلاك سويفت» Black Swift Technologies -وهي شركة مقرها في «بولدر» متخصصة في الأنظمة الجوية بدون طيار- لبناء طائرة يمكنها النجاة من الغلاف الجوي العلوي للزهرة. لا شك أنه تكليفٌ صعبٌ، ولكن إذا أثبت التصميم مقدرته على التعامل مع صعوبة المهمة، فإن ناسا ستكافئ الشركة بعقد مربح لتصنيع طائرات بدون طيار للزهرة.

في السنوات الأخيرة، تجدد اهتمام ناسا بكوكب الزهرة وذلك بفضل النماذج المناخية التي أشارت إلى أنه ربما كان يحتوي على ماء سائل يومًا ما على سطحه (مثل المريخ).

فمن المحتمل أن الماء كان يشكل محيطًا عملاقًا يغطي مساحة كبيرة من سطح الكوكب من قبل حوالي ملياري سنة، وذلك قبل أن يتعرض لتأثير حراري شديد، ليُكَوّن المناخ الجهنمي الذي هو عليه اليوم.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت دراسة حديثة -شملت علماء من مركز أبحاث أميس التابع لوكالة ناسا ومعهد الدفع النّفاث- إلى أنه يمكن أن تكون هناك حياة ميكروبية في قمم سحابة الزهرة.

على هذا النحو، هناك حافز كبير لإرسال المنصات الطائرة إلى كوكب الزهرة التي بدورها تكون قادرة على دراسة قمم سحاب الزهرة وتحديد ما إذا كانت هناك أي آثار للحياة العضوية أو مؤشرات للمياه السطحية السابقة للكوكب هناك.

وكما أوضح «جاك إلستون» Jack Elston المشارك في تأسيس شركة بلاك سويفت: «إنهم يبحثون عن مركبات لاستكشاف ما فوق طبقة السحاب مباشرة. حيث الضغط ودرجات الحرارة متشابهان مع الأرض، لذا يمكن أن تكون بيئة جيدة للبحث عن دليل على الحياة. لكن الرياح في الغلاف الجوي العلوي لكوكب الزهرة قوية للغاية، ما يخلق تحديًا في التصميم».

في نهاية فترة تمتد لستة أشهر، ستقدم بلاك سويفت تصورها إلى وكالة ناسا للموافقة عليه. يقول إلستون: «إذا ما أُعجِبوا بما توصلنا إليه، فإنهم سيموّلون مشروعًا آخر مدته سنتان لبناء نماذج أولية، ومن المتوقع أن يصل عقد المرحلة الثانية إلى 750 ألف دولار».

بالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي تتشارك فيها بلاك سويفت مع ناسا لإنشاء مركبات جوية بدون طيار لدراسة البيئات القاسية. ففي العام الماضي، حصلت الشركة على عقد مرحلة ثانية بقيمة 875 ألف دولار لبناء طائرة دون طيار يمكنها مراقبة درجة الحرارة ومستويات الغاز والرياح ومستويات الضغط داخل البراكين في كوستاريكا.

بعد سلسلة من الرحلات التجريبية، من المتوقع أن تحلّق الطائرة بدون طيار في هاواي، وستقوم بدراسة نشاط الطاقة الحرارية الأرضية الذي يحدث هناك.

وإذا ما حققت طائرة بلاك سويفت فلسفتها تجاه كوكب الزهرة، فربما تنضم طائرتهم إلى المهام الأخرى المخطط لها مثل المركبة الفضائية «دافنشي»، ومنصة قياس الانبعاثات الراديوية من كوكب الزهرة المعروفة باسم «إنسار» InSAR، ومركبة الفضاء «فيريتاس» VERITAS لقياس الطيف والطوبوغرافيا، ومنصة الزهرة الجوية ذات القدرة على المناورة المعروفة باسم «فامب» VAMP، وكذلك المهمة الروسية «فينيرا-د» Venera-D والمقرر لها أن تقوم بمهمة استكشاف الزهرة في أواخر عام 2020.

كما أنه يُجرى التحقيق في عدد من المركبات الأخرى لاستكشاف سطح كوكب الزهرة لمعرفة المزيد عن تاريخه الجيولوجي. وتشمل هذه المركبات مركبة «ستيم بانك» Steampunk*، وهي مركبة تناظرية analog -أي تتعلق باستخدام إشارات أو معلومات ممثلة بكمية فيزيائية متغيرة باستمرار- والتي لا تعتمد على أية أجزاء إلكترونية. كما تشمل أيضًا «محرك ستيرلنغ» -وهو يستخدم نظام الطاقة الكيميائية المخزّنة وأنظمة القوى (SCEPS)- لإجراء الاستكشاف في الموقع.

وتهدف كل هذه البعثات إلى الوصول إلى كوكب الزهرة ومواجهة ظروفه القاسية من أجل تحديد ما إذا كان «كوكبنا الشقيق» قد حوى أشكالًا للحياة ذات يوم أم لا، وكيف تطورت ظروفه بمرور الوقت ليصبح هذا الجحيم الذي هو عليه اليوم.

*ستيم بانك: فرع من أفرع الخيال العلمي للآلة تستخدم قوة البخار تعتمد على التكنولوجيا والتصميمات المستوحاة من الآلات الصناعية التي كانت تعمل بالبخار في القرن التاسع عشر.


  • ترجمة: مصطفى العدوي
  • تدقيق: منّة حمدي
  • تحرير : إيناس الحاج علي
  • المصدر