أهو تشققُ في نسيج الزمكان؟

لطالما كان الزمن شيئًا غريبًا، وكما قال أينشتاين فإنه مفهوم نسبي، وعلى الرغم من أن أينشتاين لم يتنبأ أبدًا بوجود معضلة غريبة ستزعج أنحاء القارة العجوز في 2018، ولكننا بالفعل نواجه هذا الآن.

واجه الأوروبيون على مدار الأشهر الماضية تغيرًا فريدًا من نوعه في الوقت: لقد أصبحت الساعات تشير إلى تواقيت مختلفة، وفي الوقت الذي تحتفظ بعض الساعات بدقة مواعيدها كما هو الحال دائمًا، ظهرت بعض التأخيرات في العديد من الساعات الأخرى، فأصبحت تتأخر ثانية من بعد ثانية منذ منتصف يناير الماضي.

ظهرت نتائج هذه الظاهرة الغريبة بداية من الأسبوع الماضي، حيث شهدت الساعات تأخرًا يصل إلى ست دقائق كاملة. قد يرى البعض أن تأخيرًا بهذا الحجم لن يؤثر على بنية ونظام الكون، ولكنه كافٍ جدًا لتعطيل يومك من خلال عدم اللحاق بحافلتك الصباحية.

وعلى الرغم من غرابة تلك المعضلة، فإن سببها لا علاقة له بتشوهٍ في الزمكان أو ما إلى ذلك، ولكن السبب يتعلق بنا –نحن البشر– أو بمعنى آخر فإن الأمر يتعلق بالسياسة، وفي هذه الحالة فإنها السياسة الأوروبية.

ولكن قبل أن نتطرق إلى ذلك، دعنا نأخذ نظرة مقربة عن كيفية تعقب الساعات للوقت بشكل دائم. في العصور القديمة –وحتى في بعض العصور الحديثة أيضًا– كانت مهمة ميكانيكيةً بالكامل، وعلى النقيض، تعمل الساعات الرقمية بعدة طرق مختلفة.

تتزامن الساعات الحديثة المتصلة بالإنترنت – كتلك الموجودة في هاتفك المحمول أو حاسوبك الشخصي – مع عدة ساعات أخرى عبر الإنترنت، بينما تستخدم الساعات المستقلة – مثل ساعات اليد الرقمية أو الساعات ذات المنبه – «متذبذبًا بلوريًا – Crystal Oscillator».

ولكن هنالك أيضًا العديد من الأجهزة الأخرى التي تتعقب الوقت لأغراض أخرى، مثل الفرن، المنبه، الموقد، و«فرن الميكرويف – Microwave Oven».

تعتمد تلك الأجهزة في تعقب الوقت على حساب عدد الاهتزازات في التيار المتردد والذي يمدها بالطاقة، أو بمعنى آخر: عدد المرات التي يتغير فيها تدفق التيار الكهربائي كل ثانية.

يساوي هذا الرقم 60 هزة – 60 هيرتز – في الولايات المتحدة، بينما ينخفض إلى 50 هيرتز في أوروبا… أو كما يفترض أن يكون. هنا تحديدًا يأتي دور السياسة.

كشفت «الشبكة الأوروبية لمشغلي نظام إرسال الكهرباء – The European Network of Transmission System Operators for Electricity (ENTSO-E)» والتي تدير شبكة الكهرباء لخمسة وعشرين دولة أوروبية مختلفة – أنه تم اختبار انحرافات التردد في إمداد الطاقة عبر الشبكة منذ منتصف يناير.

ورغم أن ذلك الانحراف ليس شديدًا، إلا أنه ملحوظ بوضوح.

فبدلاً من توفير 50 هيرتز – وهو ما تتوقعه الساعات الأوروبية التي تعمل بالطاقة الكهربائية في حال احتفاظها بوقت دقيق – بلغ متوسط ​​سرعة الشبكة الأوروبية 49.996 هرتز، وهو ما يكفي من الاضطراب، على مدى شهرين، لجعل جميع هذه الساعات تفقد ما يقارب الست دقائق.

في هذه الحالة، كان النقص ناتجًا عن خلاف بين صربيا وكوسوفو، حول الجهة المسؤولة في نهاية المطاف عن صيانة محطة كهرباء كوسوفية (يبدو على الورق أنها صربية، لكنها حالة معقدة).

ولكن هنالك بعض الأخبار الجيدة أيضًا، فطبقًا لما أشارت له «ENTSO-E»، فإن الانحرافات التي تؤثر على متوسط ​​التردد في المنطقة المتزامنة في أوروبا القارية قد توقفت، هذا على الرغم من أن الشبكة لا تزال تفكر في كيفية استعادة الطاقة المفقودة (حوالي 113 جيجا وات في كل ساعة) منذ يناير الماضي.

وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح كيف سيتم القيام بذلك بالضبط تحديدًا، فإننا نعلم على الأقل أنه بمجرد أن يعيد الأوروبيون ضبط ساعاتهم المتأخرة، ستكون تلك التذبذبات قد انتظمت بشكل لا يؤثر على الساعات مرة أخرى.


  • ترجمة: علي كريمة
  • تدقيق: المهدي الماكي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر