كوكب الزُهرة هو كوكب جحيمي بشكل استثنائي،

تتكون سحبه من حامض الكبريتيك، ويتميّز سطحه بالسخونة الشديدة لدرجة أنّه قادر على تذويب الرصاص، كما تضرب رياحه الأعاصير بالقوّة والسرعة نفسها.

ولهذا السبب لم تترك أيّ من الروبوتات الفضائية بصمتها على سطحه ولم تستمر لأكثر من ساعتين، ورغم كل هذا يصبو العلماء لفهم ما يحدث على سطح كوكب الزهرة؛ لذلك ناقشوا علميًا ما الذي يمكن لروبوت فضائيٍ مُعمرٍ – يُطلق عليه (فينيرا-د – Venera-D) – فعله على سطح ذلك الكوكب.

صرّحت تريسي جريج عالمة جيولوجيا الكواكب بجامعة بفالو، والرئيس المشارك في اللجنة الثنائية للتعريف العلمي للروبوت فينيرا-د: «لا نقوم ببناء شيءٍ في الوقت الراهن؛ لأنّنا لم نصل لمرحلة التفاصيل الأساسية بعد».
وأضافت: «ما زلنا في مرحلة التخطيط الأولية، حيث سنأخذ في عين الاعتبار الأسئلة العلمية التي نود أن تجيب عليها هذه المهمة، والمكونات التي سنحتاجها لنجاحها، ونأمل أن يكون أقرب موعدٍ للإطلاق بحلول العام 2026، ومن يعرف ما إذا كنّا قادرين على تنفيذ هذا بالفعل».

اللّجنة التي تشارك تريسي جريج في رئاستها هي تعاون مشترك ما بين وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ووكالة الفضاء الروسية، وعلى الرغم من كون ناسا قد عانت الأمرّين تاريخيًا بسبب مهمات كوكب الزُهرة، وصبّت تركيزها على مهمات استكشاف كوكب المريخ بدلًا عنه، كان لوكالة الفضاء الروسية موقف مغاير، وقالت جريج: «نجحنا حقًا عن طريق إرسال بعض الروبوتات لسطح كوكب الزُهرة».
والآن، تتعاون الوكالتان في جهودٍ مشتركةٍ ليجمعوا معًا بعض العلماء لمناقشة نوعٍ جديدٍ من المهام لكوكب الزُهرة، وهو روبوت فضائي يمكنه البقاء على سطح الكوكب المُهلك، وذلك ليس فقط لعدةٍ أيامٍ ولكن لعدة شهورٍ، ليرسل لنا معرفةً علميةً مهمةً عن هذا العالم الجهنمي للكوكب.

وتركز هذه المهمة على وضع قائمةٍ بالأولوليات العلمية المختلفة، وبالأدوات الهامة التي ستحتاجها.

وأضافت جريج: «ما الذي يريده الفريق؟ حسنًا نحن نريد كل شيء ولكنّ هذا ليس مفيدًا جدًا».

لذا بدلًا من ذلك، فهم يناقشون أهدافًا محددةً لهذه المهمة، مثل هبوط الروبوت خلال نهار كوكب الزُهرة، وبقائه في العمل حتى غروب الشمس.

وأضافت جريج: «سيكون من الرائع أن نتمكن من ملاحظة التغيّر الذي يحدث بين النهار والليل على سطح ذلك الكوكب»؛ بما أنّ الكوكب يدور بطريقةٍ عكسيةٍ للخلف، ويستمر النهار فيه لفترةٍ أطول من عامٍ كاملٍ.

والسؤال الرئيسي الآخر الذي يمكن أن يجيب عليه الروبوت المعمّر هو النشاط البركاني لكوكب الزُهرة، وتحديدًا مما تتكون الحمم البركانية.

رأي العلماء فقد الكثير من الأدلة على هذا النشاط البركاني، مثل قناة يبلغ طولها 5550 ميل (7700 كيلو متر)، وهي أطول من نهر النيل هنا على الأرض.

وبحسب جريج: «لا يمكن لهذه القناة على سطح كوكب الزُهرة أن تكون قد تشكلت بفعل المياه، يجب أن تكون من فعل الحمم البركانية».

لأنّ بعض الحمم البركانية الأرضية يمكنها أن تنحت الأرض مثل هذا، ولكنّه أمر نادر الحدوث.

وأضافت: «حتى إذا لم تكن تعرف أيّ شيءٍ عن علم الجيولوجيا، سيكون ردك: يا إلهي، كم هذا عجيب».

لذلك سيكون هناك الكثير من الأسرار والألغاز العلمية ليكتشفها الروبوت المعمّر على سطح كوكب الزُهرة.

وأضافت جريج: «كوكب الزهرة غريب بالفعل؛ فهناك أشياء تحدث على سطحه لا يمكن لأحدٍ أن يفسرها، وكنت أناقش هذا الأمر الليلة الماضية مع عائلتي، على مائدة العشاء».

ولكنّ الخبر السار هو أنّه برغم ميل ناسا للذهاب لكوكب المريخ بدلًا من الزُهرة، لكنّ الوصول للزُهرة أسهل بكثير من الوصول للمريخ، ولهذا يعتبر محطة توقّفٍ مفضلةٍ للمهمات التي تسعى للمناورة بمساعدة الجاذبية من أجل إرسالها لوجهتها الأخيرة.

في الواقع، هناك مركبة فضائية تابعة لناسا تقوم بهذه المناورة هذا الأسبوع، عندما سيتجّه مسبار باركر الشمسي في طريقه للشمس.

ومع ذلك، ما يزال هناك الكثير من الأسئلة التي يجب على أعضاء اللجنة أن يجدوا لها إجاباتٍ، بينما سيعملون على إعداد تقريرٍ – في نهاية شهر يناير القادم – يلخص ما الذي عرفوه حول قابلية تنفيذ مهمة إرسال روبوتٍ معمّرٍ إلى سطح كوكب الزُهرة.

كما أضافت جريج: «أنا مندهشة جدًا بسبب أهمية مستوى التفاصيل اللازمة لمساعدتنا في اتخاذ مثل هذه القرارات»، مضيفةً أنّ الفريق ناقش أسئلةً مثل متى يمكن فتح المظلة الخاصة بالروبوت، وكم عدد المرات التي يجب أن تؤخذ فيها العينات خلال الهبوط.

«نحن نبحث باهتمامٍ بالغٍ عن كافة التفاصيل الدقيقة فيما يخص التوقيت، وهذا ما أدهشني حقًا، فلم أكن أتصور أن ذلك سيحدث في هذه المرحلة».

وبالرغم من ذلك، قالت تريسي جريج أنّه مما يُثلج صدرها حقًا هو ترى هذا النهج من الاهتمام بالتفاصيل أثناء عمليتها التعريفية العلمية الأولى؛ لأن ذلك يؤكد على إيمانها بعمليات الاستثمار في مثل هذه المهمات التي تقوم بها ناسا.

وأضافت تريسي جريج: «لا تضيع أموالي التي أدفعها في الضرائب، فهم لا يستثمرون هذه الأموال في الأشياء التي لا يعلمون ما إذا كانت ستنجح أم إذا كانت ستعطي مردودًا علميًا ممتازًا أم لا، ولن تكون هناك أيّ قراراتٍ خاطئةٍ مهما كانت النتائج».

 


  • ترجمة: محمد يوسف
  • تدقيق: رند عصام
  • المحرر: ماتيو كيرلس
    المصدر