التسويق الهرميّ نموذجُ أعمالٍ غير مستدام، يعمل عن طريق توظيف عددٍ متزايدٍ من الأشخاص على مستوياتٍ مختلفة.

فبدلًا من تقديم أي سلعٍ أو خدماتٍ ملموسة أو ذات قيمة، يعتمد هذا النموذج على وعودٍ بالأرباح إذا ساهم الشخص في تسجيل أعضاء آخرين في البرنامج، إذ يدفع هؤلاء الأعضاء الجدد تكلفةً مُقدّمة تساوي قيمة الأرباح الموعودة.

يُطلق على التسويق الهرميّ أيضًا اسم الاحتيال الهرميّ؛ إذ لا تمتلك هذه المخططات القدرة على البقاء لمدةٍ زمنيةٍ طويلة، وتُعتبر مخالفةً للقانون في العديد من البلدان حول العالم.

كيف يعمل التسويق الهرميّ؟

فكّر في شكل هيكلٍ هرميّ يبدأ من الأعلى كنقطةٍ واحدة، ثم يتوسّع بشكلٍ أكبر مع انتقالنا إلى مستوياتٍ مختلفة للأسفل.

إليك تمثيلٌ ثنائي الأبعاد لمثل هذا الهيكل الهرميّ:

لنفترض أنَّ الشخص على قمة الهرم (أول الأعضاء) يمثّله الرقم 1 سيبدأ مخطّط التوظيف ويوظّف عشرة أعضاءٍ في المستوى الذي يليه، ويطلب من كل شخصٍ منهم استثمار مبلغٍ معينٍ من المال ليصبح جزءًا من البرنامج ويستفيد منه.

يعود هذا المال إلى أول شخصٍ وظّفهم، أو أول الأعضاء كما أطلقنا عليه، وبصرف النظر عن استثمار الأموال، فإن هؤلاء الأعضاء العشرة في المستوى الثاني مطالبون بتجنيد المزيد من الأعضاء الذين سيشكّلون المستوى الذي يليهم.

وفي مقابل كل عضوٍ جديد، يتلقّى الأعضاء الوعود بالحصول على مبلغٍ معين، والذي سينتج من حصة الأموال التي سيدفعها كل عضوٍ جديدٍ ساهموا بتوظيفه، ويُطلب من هؤلاء الأعضاء الجدد أيضًا في المستوى الثالث إجراء استثمارٍ مماثل، ويُكلَّفون بتوظيف المزيد من الأعضاء بطريقةٍ مماثلة.

وسيُلزَمون أيضًا بدفع استثماراتهم إلى الشخص الذي وظّفهم ليحصل كل عضوٍ مساهمٍ على ربحه من الأموال الواردة مطروحة منها استثماراتهم الأولية التي دفعوها لمن وظّفهم في المقام الأول.

في نهاية المطاف، يظهر هيكلٌ كبيرٌ متعدد المستويات، ويتضاعف عدد الأعضاء مع كل مستوىً جديد.

ورغم ذلك، وبما أن فرص الربح ليست موجودةً من الأساس وعدد الأعضاء يوشك على الانتهاء، فإنَّ العملية تستمر فحسب حتى تصبح قاعدة الهرم غير قوية بما يكفي لتدعم الهيكل العلويّ، وحتى يتوقّف توظيف الأعضاء الجدد.

أنواع التسويق الهرميّ

توجد عدة أنواعٍ من التسويق الهرميّ، والتي يمكن تصنيفها على النحو التالي:

التسويق متعدد المستويات

يُعتبر التسويق متعدد المستويات عملًا تجاريًا قانونيًا، فعلى الرّغم من أنه يشمل التوظيف لبيع منتجٍ أو خدمةٍ تمتلك قيمةً ذاتيةً أو متأصّلة، إلا أنه يمكن للشخص أن يربح عن طريق بيع منتجٍ أو خدمةٍ ما، ولن يكون بالضرورة مُكلفًا بتعيين المزيد من مندوبي المبيعات تاليًا، على الرغم من أنه يستطيع القيام بذلك إن أراد.

الفارق الرئيس بين التسويق متعدد المستويات والتسويق الهرميّ هو أنَّ الأول يوفّر منتجًا أو خدمةً حقيقية، بينما لا يوفر الثاني ذلك، وينقل الأموال فقط للمستويات العليا في الهرم عن طريق عملية التوظيف.

ومع ذلك، هناك شكلٌ مختلفٌ من التسويق متعدد المستويات يشبه التسويق الهرميّ، إذ يُجبر الشخص على بيع منتجٍ لا يمتلك قيمة حقيقية، والذي قد يشمل بيع المطبوعات مثل التقارير أو الدورات التدريبية حول الاستثمار أو الرعاية الصحية.

تستمر هذه المخططات وتظل على قيد الحياة عن طريق إجبار الأعضاء على شراء مثل هذه المنتجات عديمة القيمة بتكلفةٍ مرتفعة، ويتعيّن عليهم بيعها للمستوى الذي يليهم ليستردوا أموالهم وأي أرباح فائضة.

سلسلة البريد الإلكترونيّ

تعمل سلسلة الرسائل الإلكترونية من خلال مطالبة المُتلقّي بالتبرع بمبلغ معين من المال لقائمةٍ من الأشخاص.

يُسمح للمتبرع بعد التبرع بحذف اسم الشخص الأول في القائمة التي تلقّاها، وإضافة اسمه الخاص، وإعادة إرسال السلسلة إلى جهات الاتصال الخاصة به.

ثم يأمل أن يُتبرّع له وللآخرين في القائمة (شخص أو أكثر ممن تلقوا بريده الإلكترونيّ)، بالإضافة إلى أن إعادة إرسال هذه السلسلة من الرسائل يضمن استمراره في القائمة لفترةٍ طويلةٍ ليتلقى مثل هذه التبرعات، حتى يُحذف اسمه من القائمة.

الهدايا الترويجية

تتستّر العديد من أنواع التسويق الهرمي خلف ستار الهدايا والقروض التي تُقدّم في نوادي الاستثمار.

وهي تعمل باتّباع آلية التبرع بهدية إلى العضو، ثمّ توظيف المزيد من الأشخاص في النادي من أجل الحصول على هدية منهم (العائد على الاستثمار).

تُعتبر مثل هذه الأنواع التي تعمل على التستّر خلف قناع الهدايا وبرامج النوادي الاستثمارية أيضًا مخالفةً للقانون.

مخططات بونزي

مخططات بونزي خططٌ استثمارية احتيالية تعمل بمبدأ «اسرق من بيتر لتدفع لبول».

قد لا تتّبع بالضرورة بنيةً هرميةً مثل التسويق الهرميّ، ما يجعلها منطقةً رمادية لتُدرج ضمن التسويق الهرميّ على الرغم من أنها تَعِدُ المستثمرين القدامى بعوائد مرتفعة على استثماراتهم عن طريق أخذ أموال الاستثمار من المستثمرين الجدد، وهذا يُنتج هرمًا تسلسليًا في النهاية.

وتُدرَج ضمن التسويق الهرميّ من حيث امتلاك الأعضاء القدامى فرصةً للاستفادة من أموال الأعضاء الجدد.

غالبًا ما يُغرى الأشخاص للدخول في مثل هذا النوع بوعودٍ بعوائد مرتفعة جدًا تكون أروع من أن تُصدق، وينتهي بهم المطاف بخسارة أموالهم.

مثالٌ على التسويق الهرميّ

خلال فترة الركود الاقتصادي في عام 2008، بدأ مخططٌ من كندا قدّم وعودًا للمواطنين بفرصة كسب ما يصل إلى مئة ألف دولارٍ عن طريق بيع عضوية نادي السفر الرخيصة.

ومع ذلك، ومن أجل التأهّل لهذه الوظيفة، يجب على المتقدّم (البائع) أن يشتري لنفسه عضوية نادي السفر بتكلفة 3200 دولار.

يتلقّى المتقدّمون الوعود بالحصول على مبلغ 5000 دولارٍ مقابل كل عضوية يتمكّنون من بيعها بعد ذلك.

ويمكن أن يحصل المتقدّم على أمواله فقط في حال وصوله لمئة ألف دولار؛ والتي يمكن الوصول لها في حال بيع 20 عضوية على الأقل.

وبينما اشترك حوالي 2000 مواطن في هذا المخطط ودفعوا مصاريف العضوية بالفعل، لم يستطيعوا الحصول أبدًا على عوائدهم المتوقّعة؛ لأن تنفيذ مثل هذه الصفقات الكبيرة كان مستحيلًا بالنسبة للجمهور العاديّ.

تسبّبت فترة الركود الاقتصاديّ الطويلة التي تَلَت عام 2008 في تجنّب الناس الإنفاق على السفر والرفاهيات.

وعلى الرغم من أنَّ المخطط كان متخفّيًا لبيع منتجٍ ما، إلا أنه صُمّم بشكلٍ أساسيّ لكسب المال عن طريق السلسلة من خلال مستوياتٍ مختلفة.

ساعدت دعوى قضائية جماعية رفعها المستثمرون المتضررون على إعادة أموالهم مرة أخرى، وأجبرت على إنهاء هذا التسويق الهرميّ.

كيف يسقط التسويق الهرميّ؟

يبقى الهرم مستقرًا طالما ظلت المستويات الدنيا أكبر وأوسع من المستويات العليا، وبمجرّد أن تتقلّص المستويات الدنيا، ينهار الهيكل بأكمله.

يُخدَع الأشخاص ليؤمنوا أنهم سيجنون -من خلال استثمار المال في مثل هذه المخططات الهرمية- المزيد من المال.

ولكن، يعتمد المخطّط ببساطةٍ على تحصيل مساهماتٍ أكثر وأكثر من عددٍ متزايدٍ من الأشخاص في المستويات الدنيا، ولكن على أرض الواقع، لا تُخلق ثروةٌ من فراغ، ولا يُباع أي منتج، ولا تُقدّم أي خدمة، ولا تُستثمر أي أموالٍ يمكنها أن تأتي بأي عائدٍ أو ناتجٍ ملموس.

ورغم أنَّ مثل هذه المخططات تبدو مربحةً من الخارج، إلا أنها لا يمكن أن تستمرّ للأبد.

المشكلة الأكبر التي تواجه مثل هذه النماذج أنَّ المال يتحرك من أسفل إلى أعلى، ويؤمّل الأقلية من الأعضاء في المستويات العليا بالاستفادة من مساهمات العدد الأكبر من الأعضاء في المستويات الأقل، وحتى إذا انضم كل سكان البلد لهذا المخطط، فسوف يتشبّع بالمساهمات في النهاية بمجرد أن تصبح المستويات الدنيا أقل من المستويات العليا.

وبما أنه من المستحيل على هذه الدورة أن تحافظ على بقائها، فسيخسر المساهمون أموالهم في مرحلةٍ ما.

قد تكون لدى أوائل المستثمرين -مثل من هم في المستوى الثاني أو الثالث- فرصةٌ لاسترداد أموالهم المستثمرة فقط إذا تم سدادها، ولكن قد يفقدوا أموالهم الأولية؛ إذ إنَّ التحايل في هذا النظام قد يطرح شروطًا تؤخر من تحصيلهم الأموال؛ مثل تلقّي الأموال في حال الوصول إلى عددٍ محدّدٍ من المستويات، أو الانتظار لفترة زمنية محددة بعد الوصول لحد دفعٍ معيّن.

أما أولئك الذين يقبعون أسفل الهرم هم أضعف فئة، إذ تتزايد صعوبة الأمر أكثر وأكثر لتوظيف العدد اللازم من الأشخاص لتسديد أموال المستويات الأعلى من الموظفين، وتؤدي الشعبية المتزايدة للمخطط الهرميّ إلى انهياره عندما يتلقّى العديد من الأشخاص الوعود ولا يحصلون على أموالهم في النهاية.

خُلاصة الأمر

ظهر التسويق الهرمي في أشكالٍ مختلفة على مدى فترةٍ زمنيةٍ طويلة، وغالبًا ما يُعتبر مخالفًا للقانون في العديد من الدول.

وفي حين يمكن للمرء تمييز مخطط التسويق الهرمي الذي يعتمد على الوعد بالمكسب، فإنَّ المشاركة فيه تتضمّن الغش والخداع لعدم حصول جميع الأشخاص على هذه المكاسب الموعودة في نهاية الأمر.

فهو يعتمد في الأساس على استخدام تأثير الشبكة، وينتهي المطاف بالأفراد العالقين بتوظيف معارفهم وأصدقائهم حيث يتوافر عنصر الثقة بين الأطراف المشاركة.

يجب على المرء توخّي الحذر قبل الدخول في مثل هذه البرامج، وإلقاء نظرةٍ عن كثب على نموذج العمل وعلى الغرض من استخدام الأموال المستثمرة، وتوقّع كيفية تحقيق العوائد منها.


  • ترجمة: محمد يوسف.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر