يُعتبَر البكاء جزءاً كبيرًا من حياة الطفل.

مع تقدّمك في السنّ، قد تجد أنّك تبكي بشكلٍ أقلّ من فترة الطفولة والمراهقة.

وتُظهر الدراسات أنّ النساء البالغات ​​يَمِلن للبكاء مرتين إلى ثلاث مراتٍ في الشهر، مقابل مرةٍ واحدةٍ فقط عند الرجال.

على الرغم من أنّ البحث محدود، فإنّه يشير إلى أنّ تكرار البكاء يتأثر بشكلٍ كبيرٍ بالعوامل الاجتماعيّة والثقافيّة، ومعتقداتنا حول قيمة البكاء وكيفيّة تقييمه.

ويُبالَغ في الأمر بشكلٍ خاص في العديد من البلدان الغربيّة، حيث تُفيد النساء بأنّهن يبكين أكثر من أولئك المنتميات إلى دولٍ ليست غربية.

كما أنّ الفرق في تكرار البكاء بين الرجال والنساء في البلدان غير الغربيّة يكون أقلّ.

في بعض الحالات، لا تتواجد هذه الفروقات.

لطالما تساءل العلماء لماذا نبكي وماذا يحدث في أجسادنا عندما نقوم بالبكاء.

واقترح البعض أنّ البكاء قد يؤدي إلى طرد مواد كيميائيّة تراكمت خلال مشاعر الكرب، أو أنّ البكاء يسبب تغيّرًا كيميائيًا في الجسم، يقللّ من الإجهاد أو يزيد من المشاعر الإيجابيّة.

لكنّنا في الواقع لا نعلم الكثير عن البكاء، ومعظم الدراسات تعتمد على الإبلاغ الذاتيّ.

هذا ما نعرفه.

 أجيد هو أم سيء؟ يُعدّ تأثير البكاء نسبيًا ذاتيًا

إنّ الفكرة الأكثر انتشارًا حول البكاء هي أنّنا نقوم به لأنّه مفيد بطريقة ما، ربّما يوفّر الإغاثة أو التنفيس.

لكنّ الأبحاث في هذا الأمر مختلطة، إذ يُظهر البكاء أحيانًا تحسنًا في المزاج، بينما يزيد الأمر سوءاً في أحيانٍ أخرى.

فكلّما طالت المدّة منذ آخر مرةٍ بكيت فيها، أو كلّما فكرت عمومًا في تجارب بكائك ككلّ، زاد تفكيرك أو اقتناعك بفائدة البكاء.

ولكن في حال كان البكاء حديثًا إلى حدٍّ ما، فإنّ الأفراد يصرّحون باحتماليّة أقلّ عن مشاعر إيجابيّة بعد البكاء؛ هم غالبًا يبلّغون عن شعورهم بشكلٍ أسوأ من مرحلة ما قبل البكاء.

من ناحيةٍ أخرى، يبدو أنّ الأفراد يبكون ليُشعروا أنفسهم بتحسّن، وهذا هو السبب على الأرجح لامتلاكنا نوع أفلامٍ كاملٍ -tearjerkers- مخصّص ليسبِّب البكاء لنا.

وقد اقترح البعض أنّ البكاء سلوك ذاتيّ مريح.

لهذا نبكي، لأنّ البكاء نفسه يُعتبَرُ أمرًا مهدئًا.

كما يشير محرّروا الدراسة إلى أنّ البكاء قد يكون شكلًا من أشكال الإشارة الذاتيّة، أيّ أنّه بمثابة إنذار يمكّنُنا من معرفة أنّ هناك أمرٌ خاطئ، ما يُجبِرُنا على الانخراط في سلوكياتٍ أخرى تساعد على تقليل الشعور بالضيق، بواسطة الإلهاء أو التأمل.

قد نبحث عن آخرين لمساعدتنا على الشعور بالتحسّن بواسطة حدثٍ اجتماعيّ مريح.

رغم أنّ البكاء العاطفيّ الشديد مفيد على المستوى الشخصيّ، فإنّ معظم الأبحاث تشير إلى أنّ البكاء يُعتَبَر أكثر من ظاهرةٍ اجتماعيّة.

يُعتَبَر البكاء إشارةً فعّالةً للغاية للآخرين، يشير إلى وجود خطأ ما وأنّك قد تكون بحاجةٍ للمساعدة والراحة.

تُظهر التجارب والاستطلاعات أنّ مشاهدة صور وجوه باكية -مقارنةً بوجوه دون دموع-، لا تجعل الوجه يبدو أكثر حزنًا فحسب، بل تستدعي أيضًا المزيد من مشاعر الحزن لدى المُشاهد، بالإضافة إلى دعمٍ عاطفيّ أكثر، وتجنّبٍ أقلّ، وسلوكياتٍ مساعدةٍ أكثر شمولًا.

ولكن قبل أن تبكي أمام الآخرين للحصول على الدعم، تذكّر فقط أنّ الدراسات الأخرى تُشير إلى أنّ البكاء قد يؤدي إلى الشعور بالخجل والإحراج.

ماذا يحدث في جسمنا عندما نبكي؟

يبدو أنّ البكاء -في أحسن الأحوال- لا يفعل الكثير على الإطلاق، وفي أسوأ الأحوال، يزيد الإثارة الفيزيولوجيّة.

في أبحاثنا المخبريّة حاولنا اختبار ما إذا كان البكاء يقللّ أو يتداخل مع مستويات هرمون الشدّة -الكورتيزول-، وما إذا كان بإمكانه أن يمدّنا ببعض الفوائد الجسديّة الأخرى، كفقد الإحساس، والتي تفسّر السبب وراء بكاءنا عندما نكون في حالة ألمٍ عاطفيّ أو جسديّ.

وجدنا أنّ البكاء لا يمتلك أيّ تأثيرٍ على مستويات التوتّر، كما أنّه لم يكن بمقدور الأفراد تحمّل الألم بسهولةٍ أكبر من أولئك الذين لم يبكوا.

لكنّ الذين بَكَوا كانوا أكثر سيطرةً على معدّل تنفّسهم.

يُشير هذا إلى أنّ الأفراد قد يقومون بحبس أنفاسهم أثناء البكاء في محاولةٍ لتهدئة أنفسهم، وربّما يستخدمون سلوك البكاء لبدء استراتيجيّة تهدئة.

تبكي النساء أكثر من الرجال

هناك استثناءات، لكن عمومًا تبكي النساء أكثر من الرجال.

هذا الاختلاف يظهر بعمر 11 عامًا.

على الرغم من المضاربة، تحدث هذه الاختلافات بسبب تطوّر الإناث في سنّ البلوغ، ولم يُعثَر على رابطٍ موثوق بين تكرار البكاء والحيض.

من المُرجح أن تكون الاختلافات مدفوعة بانخفاض نسبة البكاء لدى الأولاد الذكور خلال فترة المراهقة، بعكس الزيادة عند الفتيات.

ربّما يكون السبب الذي يؤدي لبكاء الرجال أقلّ عند وصولهم إلى سنّ المراهقة هو التوقّعات الثقافيّة للذكورة.

الرجال “أقوياء” ويعتَبَر أنّ لديهم تَحَفُّظًا عاطفيًا، في حين أنّ التعبير العاطفيّ يُعتَبَر دليل أنوثةٍ.

قد يعود هذا السبب لكون تقييم الخزي أو العار في البكاء أعلى بكثير بين الرجال مقارنةً بالنساء.

بالرغم من ذلك، وبشكلٍ مثيرٍ للاهتمام، أشارت الدراسات إلى أنّ الرجال الذين يبكون في سياقاتٍ عاطفيّةٍ مناسبة يصنّفون على أنّهم محبوبون أكثر من أولئك الذين لا يبكون في تلك المناسبات، كما أنّه لا يُنظر إليهم على أنّهم أكثر أنوثة.

تُظهر بعض الدراسات أنّ الرجال صرّحوا بحالات بكاءٍ في كثيرٍ من الأحيان بسبب الموت، والانفصال، وموت حيوانٍ أليف، وفي الوداع.

ومع ذلك، لا تزال النساء عبر الثقافات يُصرِّحْن عن البكاء بشكلٍ متكررٍ وغالبًا ما يدّعين أنّهن يشعرن بتحسنٍ بعد البكاء مقارنةً بالرجال.

ليس هناك كميّة مناسبة من البكاء

يُعدُّ البكاء عمليّةً شخصيّة.

سواء كنت تبكي أم لا، وكم عدد مرّات البكاء، يمكن أن يرتبط بثقافتك وجنسك، والتعبير العاطفيّ لديك.

باستثناء عدم قدرتك من الناحية الجسديّة على البكاء، ليس هناك شيء على هذا النحو في الأدب الطبيّ، كالبكاء أكثر من اللازم أو أقلّ من الحدّ اللازم.

من المهم أن نتذكر أنّ البكاء هو جزء من التعبير عن المشاعر، وليس بالضرورة جزء من تجربة عاطفيّة.

تُعتبَر مساعدة البكاء لنا في الواقع أيضًا جزءًا من حكمنا الشخصيّ.

يقول البعض إنّ البكاء يسبب لهم شعورًا أسوأ من عدم البكاء.

قد يبكي آخرون لأنّهم يعتقدون أنّ البكاء مفيد ومطهّر للعواطف.

ومع ذلك، إذا كنت تشعر بأنّك تبكي أكثر ممّا تفعل عادةً، فقد يكون من المفيد التفكير في سبب ذلك، وإن كنت بحاجةٍ إلى دعمٍ خارجيّ.


  • ترجمة: كنان مرعي
  • تدقيق: آية فحماوي
  • المحرر: ماتيو كيرلس
  • المصدر