من أين جاء الكون وكيف بدأ ؟ ربما تُعدّ هذه القضية أكثر القضايا غموضًا ، ومنها تنبثق باقي القضايا التي حيرت البشرية مثل أصل الحياة، والوعي، والمادة المظلمة والطاقة المظلمة، والجاذبية و نظرية التضخم الكوني و الانفجار العظيم . تقول (آن درويان-Ann Druyan) -أرملة الفلكي الراحل (كارل ساغان-Carl Sagan): «يقبع كل الغموض تحت هذا السؤال، وتهمني هذه القضية؛ فأنا إنسان يكره عدم المعرفة». يزداد هذا اللغز غموضًا بالرغم من الكثير من المحاولات والنظريات التي تحاول حله وتفسيره، ما جعل بعض العلماء يشكّون بمدى صحة تفكيرهم وما إذا كانوا يخطئون فهم الأمور.
ألغاز أساسية
وفقًا للنموذج القياسي ل الانفجار العظيم : نشأ الكون خلال فترة التضخم التي بدأت منذ 13.7 مليار سنة، كبالون ينتفخ متمددًا بسرعة فائقة، ابتداءً من حجم أصغر من الإلكترون إلى حجمه الحالي خلال فترة تقدر كجزء بسيط جدًا من الثانية.
في البداية تخلّلت الطاقة الكون فقط، وبمرور الوقت تحول وتجمد بعض من هذه الطاقة إلى جسيمات، والتي كونت الذرات الخفيفة كالهيدروجين والهيليوم. هذه الذرات كونت بعض التجمّعات (المجرات) وبداخلها كونت النجوم، والنجوم أصبحت تعمل كأفران ضخمة تصنع بداخلها مكونات أخرى. يتقبل العلماء هذه الصورة لأصل الكون الآن؛ فهي تقدم نموذجًا قويًا يُفسر العديد من الغموض الذي يواجه العلماء بخصوص الكون، كتجانس وانسجام النسيج الزمكاني على المستويات الكبيرة، وتوزيع المجرات بشكل متساوٍ في الجوانب المتقابلة من الكون.
الكون
ولكن ما زال هناك بعض الغموض يربك العلماء بخصوص هذا النموذج، إذ يعجز العلماء عن تفسير هذا التضخم السريع للغاية والذي حدث في زمن ضئيل جدًا؛ ما يرجح وجود طاقة غريبة وغامضة آنذاك تلاشت منذ زمن بعيد وأصبح من الصعب اختبارها أو حتى إثباتها بشكل مباشر. يقول (إيريك أغول-Eric Agol) -عالم الفيزياء الفلكية بجامعة واشنطون: «التضخم الكوني نظرية قوية جدًا، ولكننا مازلنا غير قادرين على التعرف على ما سبّب هذا التضخم، أو حتى ما إذا كانت نظرية صحيحة أم لا».
يعتبر بعض العلماء نظرية التضخم إضافة معقدة لنظرية الانفجار العظيم، ولكنها تعقيد لابد من إضافته حتى تتوافق النظرية مع ما يرصده العلماء في الكون ، ولم تكن هذه الإضافة أخيرةً. يقول (بول ستينهارد-Paul Steinhardt) -عالم الفيزياء النظرية بجامعة برنستون: «لقد علمنا أيضًا أنه لا بد من وجود مادة مظلمة في الكون وطاقة مظلمة أيضًا؛ لذلك عندما نريد أن نعمل بهذه النظرية سنأخذ بعضًا من نظرية الانفجار العظيم وبعضًا من نظرية التضخم الكوني ونوفق بينهما، ثم نضيف قدرًا مُعينًا من المادة المظلمة والطاقة المظلمة لهذا النموذج، لذلك سنرى أن كل هذه المعطيات غير متصلة في نظرية واحدة مترابطة».
وأضاف ستينهارد: «ما يزعجنا هو أنه عندما نضع نظرية معينة ثم نكتشف شيئًا جديدًا، لابد من إضافته إلى النظرية الأصلية. وحتى لو كانا غير متصلين، ما من سبب بالغ الأهمية للإضافة سوى الاكتشاف الجديد بحد ذاته. والسؤال هنا: إلى أي مدىً سنضع هذا التفسير؟ وإلى أي مدى سنطور هذا النموذج الكوني؟ وحتى الآن لا نعرف الإجابة».
كون سرمدي
مؤخرًا عمل ستينهارد مع زميله (نيل توروك-Neil Turok) بجامعة كامبريدج على إيجاد بديل جذري لنموذج الانفجار العظيم . وفقًا لنظريتهما (نظرية الكون الإكبروتي-Ekpyrotic universe theory): لم يولد الكون مرة واحدة، ولكنه في حالة لا نهائية من الميلاد ثم الموت وهكذا. وتفترض النظرية وجود أغشية ضخمة تكون الفضاء الكوني، وتصطدم مرةً كل تريليون عام لتثير انفجارًا عظيمًا جديدًا لإعادة حقن المادة والطاقة في الكون وخلق حقبة جديدة من التمدد أو التضخم الكوني.
يرى العالمان أن هذه النظرية لن تفسر التضخم الكوني فحسب، وإنما ستجد حلًا للألغاز الكونية الأخرى كالطاقة المظلمة والمادة المظلمة ولماذا يبدو الكون في حلقة مستمرة من التمدد. وتفترض هذه النظرية المثيرة للجدل أن الكون كيان سرمدي بلا عمر، قادر على تجديد نفسه باستمرار. وربما يكون هذا الاحتمال أكثر إلهامًا عن النموذج المعتاد الذي يفترض وجود الكون ببداية محددة لأجل معين يموت وينتهي بعده. وسيعني هذا أنه حتى أقدم النجوم في السماء ستكون ذات عمر صغير كاليراعات المضيئة الصغيرة (وهذا بشكل نسبي بالطبع على المقياس الزمني الكبير لمعدل هذه الانفجارات العظيمة الدورية والمستمرة بشكل أبدي).
يقول عالم الفلك (ريتشار ماسي-Richard Massey) -من معهد (كالتيك-Caltech): «ترى هل يشبه الكون أحد هذه النماذج المادية التي وضعناها حقًا؟ كم أتمنى للجهود المبذولة في المجتمع لصالح البحث العلمي أن تقدم إجابات تقربنا أكثر من الحقائق الأساسية فضلًا عن ابتكار صناعة بعض المعدات الجديدة. ولكني خائف من ضياع الجهود سدىً واكتشاف أن كل ما نعلمه كان خطأً في النهاية، آمل ألا يحدث هذا».
ترجمة: محمد شريف
تدقيق: تسنيم الطيبي
اقرأ أيضًا:
ما الذي يكشفه الإلكترون حول بنية الكون؟
