أقدم فائز ب جائزة نوبل في العالم يصرح أن جهازه الجديد سيقدم طاقة نظيفة ورخيصة . (آرثر آشكين – Arthur Ashkin)، أقدم فائز ب جائزة نوبل في العالم، يفضّل الراحة على الأناقة. عندما التقيته في منزله في نيو-جيرسي، كان مرتديًا سروالًا ضيّقًا من الصوف المخطط مع سحّاب وحذاء مخططًا من إنتاج “Crocs”. يبدو هذا الزي ملائمًا لشخصٍ يُمضي وقتًا طويلًا شاغلًا نفسه بالاختراعات الجديدة في الدور السفليّ من منزله. آشكين، البالغ من العمر 96 عامًا، حوَّل الدور السفليّ في منزله لمختبرٍ يقوم فيه بتطوير جهازٍ لتسخير الضوء و الطاقة الشمسيّة.

الطاقة جائزة نوبل الضوء آشكين

يقول آشكين: «إنّني أصنع كهرباء رخيصة!»

يستخدم اختراع آشكين الجديد علم الهندسة للقبض على الضوء وتمريره في قمع أو أنبوب. بشكلٍ جوهريّ، يعتمد الاختراع على أنابيب مُكثّفة وعاكسة تُقوّي الانعكاسات الشمسيّة التي ستتمكّن من خلق ألواح شمسيّة أكثر فعاليّة، أو ربّما يُستبدَلون جميعًا بشيء أرخص وأبسط. يقول آشكين: «لا تُسبب الأنابيب التلوّث أو الفضلات، وهي تكلّف بضعة بنسات فقط لصنعها»، ما يجعل آشكين يعتقد بأنّها ستنقذ العالم.

يبدو أنّ آشكين يتطلّع نحو جائزة نوبل ثانية، ويقول: «سأربح من جديد».

أنقذ افتتان آشكين بالضوء مدى حياته أعدادًا لا تحصى من الأرواح. حصل آشكين على نصيبه في جائزة النوبل للفيزياء عام 2018 بسبب دوره في اختراع تكنولوجيا رافعة للأشياء، سُمِّيت بالملاقط البصريّة، وهي عبارة عن شعاع قوي من الليزر، يصفُه آشكين قائلًا: «إنّه يستطيع التقاط الأشياء الصغيرة». تستطيع الملاقط البصريّة إمساك وتمديد الحمض النوويّ، وبذلك فإنّها تساعدنا في استكشاف أو استقصاء واحدٍ من أكبر الألغاز في الوجود.

استُخدِمَت هذه التقنية في علم الأحياء، وتكنولوجيا النانو، ومنظار تحليل الطيف وغيرها الكثير. وساعدت الباحثين في تطوير فحص دم للملاريا، وفهمٍ أفضل لما تفعله الأدوية الخافضة للكوليسترول من إضعافٍ لكريّات الدم الحمراء. إلّا أن آشكين غير مهتم بالكثير من احتفالات جوائز نوبل. فقد ركّز على الضوء الذي سيأتي قريبًا، أيّ المكثّفات أو (المُركِّزات – concentrators).

كيف تتمّ عمليّة رفع الأشياء؟

عندما تلقّى آشكين اتّصاله المصيريّ من أكاديميّة العلوم السويديّة الملكيّة في ستوكهولم بتاريخ الثاني من تشرين الأول، اعتقد أنّ الأمر مجرّد غش أو خدعة. وذلك لأنّ عالِمًا آخر -وهو وزير طاقة أمريكيّ سابق يُدعى (ستيفن شو- Stephen Chu)- كان قد حصل على حصّته من جائزة نوبل لعام 1997 لبعض الأبحاث المتعلّقة بالأمر ذاته في مختبرات بيل، حيث كان آشكين يعمل عند قيامه بتطوير الملاقط البصريّة.

شمل عَمَل شو -المُعتمِد أصلًا على عمل آشكين- جَمْع زبد من مستنقعات، وإسقاط الكائنات الحيّة الدقيقة بشكلٍ متتالٍ تحت المجهر ورفعها في الهواء، كما يقول آشكين، باستخدام شعاع الليزر فقط. سألني آشكين وهو يُشير إلى مصباحٍ قريب: «هذا الضوء الذي يُشعّ عليك؛ هل تعلم أنّه يدفعُك؟! معظم الناس لا يعرفون، ولكنّه يفعل ذلك حقًا، لأنّه يمتلك طاقةً. الأمر برُمّته أنّ الطاقة صغيرة جدًا لدرجة أنّك لا تشعر بها».

بدأ آشكين بإجراء الأبحاث حول خصائص الضوء هذه، من أجل تحسين تكنولوجيا الاتصالات لصالح مختبرات بيل. قال آشكين: «الضوء عبارة عن موجة، صحيح؟ وفي الفيزياء هو جزيء أيضًا، وهو جزيء غامض نوعًا ما». عندما أدرك أشكين أنّ بإمكان الضغط الذي تولّده الفوتونات -وهي الجزيئات الأساسيّة للضوء- أن يلتقط الأشياء الصغيرة جدًا، ركّز على علم الأحياء وبدأ باستخدام الملاقط البصريّة بهدف محاصرة، ورفع، وشدّ ومدّ الأشياء الصغيرة جدًا كالحمض النوويّ.

منحت مختبرات بيل رخصةً لأشكين لكي يكتشف طرق تطبيق هذه التقنية على الكائنات الحيّة، وتوصّل إلى طريقة الإمساك بالكائنات وحيدة الخلية رهينةً باستخدام الضوء. «تستطيع التقاطهم تمامًا كما تفعل ذلك باستخدام الملاقط»، هذا ما قاله رئيس (مختبرات نوكيا بيل – Nokia Bell Labs) الحاليّ، ماركوس ويلدون، ويضيف: «استطاع آشكين أن يُدير النّوى حول نفسها، وهي تستطيع عندها أن تقوم بأيّ حركة أخرى».

وأضاف ويلدون متذكّرًا: «صُعِق بعض زملاء آشكين في مختبرات بيل عند إمساكه بالمخلوقات باستخدام الضوء لأوّل مرة». تذكّر أيضًا صراخ أحدهم قائلًا: «عليك أن ترى ذلك، يقوم أشكين بالتقاط البق!». يقول أشكين: « فاجأني الأمر وفاجأ أيّ شخصٍ آخر أيضًا، لقد اخترعت التحليق البصريّ». ولكنّ آشكين لم يتباطأ أبدًا في تلك اللحظات، بعد إدراكه أنّ الاتصال المتعلّق بجائزة نوبل في ذلك الصباح كان حقيقيًا، تحمّس أكثر بشأن الفرصة التي سيمنحها سوء السمعة في نشر بحثه الأخير.

التركيز على الضوء

عندما تقاعد أشكين قدّمت مختبرات بيل له المعدّات التي استخدمها في رفع الأجسام ليأخذها إلى منزله. لقد أخذ كلّ شيء ما عدا ضوء الليزر الهام والقويّ جدًا. إذ قال أنّ منزله لم يمتلك الجهد الكهربائيّ الكافي لتشغيله. في الدّور السفليّ من منزله، يعمل آشكين الآن مع الدورة المنحنيّة التي تتحدّب فوق طاولة العمل. العُكّاز المُستخدَم للمشي في الدور العلويّ مُبعد ومنسي. لفّات الشرائط المغناطيسيّة والأوراق الفضّيّة العاكسة تتبعثر على طاولات العمل الخشبيّة والأرضيّة الصلبة.

لقد صنع الكثير من الأدوات غريبة الشكل والتي تضيء وتُقوّس الضوء في مختبره، في الحقيقة فاض بعض هذه الاختراعات ليصل إلى موقف السيارات الخاص بالمنزل، ما يترك بالكاد مكانًا كافيًا ليركن فيه سيارة العائلة. هذّب آشكين في ملف، ورقة عمل ضروريّةً والخاصة ببراءة الاختراع المتعلّقة باختراعه الجديد (وحاز على 47 براءة اختراع حتّى التاريخ الحالي)، لكنّه صرّح بعدم جاهزيّته بعد لمشاركة صورٍ لتلك (المكثّفات – concentrators) مع الناس. يتمنى قريبًا أن يُشارك نتائجه في (صحيفة العلوم – journal Science).

تكمن ثقته في انتشار هذه التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم حالما يُنشَر تصميمه، من منزله في نيو-جيرسي إلى الهند وأبعد من ذلك، مُزوّدةً المنازل وأماكن العمل بطاقةٍ رخيصةٍ، ونظيفةٍ ومتجددة. «الفكر المميّز لا يرتاح أبدًا»، هذا ما قاله ويلدسون، ويضيف: «من الواضح أنّ آشكين ما يزال يتساءل ويستطلِع من أجل التّوصّل إلى حلٍّ لمشاكل كبيرة، على الرغم من نجاحه في الفوز بجائزة نوبل، وهذا الأمر يعجبني للغاية».

يقول أشكين إنّه سيستخدم المال الذي سيجنيه من جائزة نوبل في شراء وجبةٍ مميّزة لزوجته. كَبُرَ آشكين في بروكلين خلال فترة الكساد الاقتصاديّ، طفل هزيل يَصعُب إرضاؤه في مجال الطعام ويقتات معظم الوقت على الحليب. والده طبيب أسنان هاجر من أوكرانيا. الكتاب الوحيد الذي يتذكّره من ممتلكات العائلة هو “كتاب المعرفة: موسوعة الأطفال” الذي قاده لحُب التعلّم.

قرأ أشكين المجلّد الكبير بشراهةٍ، خاصةً الأجزاء التي عرضت شخصيّةً سُمّيت (تساءل لماذا – Wonder Why). يقول آشكين متذكّرًا: «قد تطرح شخصيّة “تساءل لماذا” السؤال عن سبب كون السماء زرقاء، وبعدها ستُخبرك بالإجابة. لقد كنت مسحورًا لأنّني أردت دومًا أن أعرف كيف تعمل الأشياء، وكان ذلك بمثابة مقدّمةٍ لدخولي إلى العلوم».

لحسن الحظ، قاد ذلك الفضول آشكين إلى الحصول على الدكتوراه من جامعة كورنيل. وهنا التقى بسيّدة اسمها ألين، أصبحت زوجته لمدة 64 عامًا. قال أشكين: «لقد كنت خجولًا لكنّني عرفت أنّ تلك السيّدة كانت مميّزة، لذلك امتلكت الجرأة الكافية لأطلب رقم هاتفها». يؤكّد آشكين أنّه لم يحضر يومًا أيّ درسٍ في الكيمياء، لأنّه تعلّم كلّ ما يحتاج إليه من ألين، البارعة في الكيمياء والتي تصغره بعشر سنوات.

ويقول: «تزوجتها لأنّها ذكية».

الشعور متبادل، قالت ألين: «أنا متفاجئة حقًا بكونه في سن السادسة والتسعين ومع ذلك فإنّه عصريّ ورائع للغاية، إنّه غريب الأطوار أحيانًا!». وافق الزوج الحائز على نوبل قائلًا: «بإمكاني أن أكون غريب أطوار!». عندما سُئل عمّا سيفعله بجائزته التي بلغت 500 ألف دولارٍ أمريكيّ قال إنّ لديه خطةً واحدةً بباله.
قال آشكين: «أريد أن أصطحب ألين إلى مطعمٍ جيّدٍ ونتناول وجبةٍ مميّزة». وقالت ألين: «هناك خمسة أحفاد يستعدّون للذهاب إلى الجامعة قريبًا، وبإمكانهم استخدام جزءٍ كبيرٍ من هذا المبلغ أيضًا».

بينما كان آشكين يتطلّع لطرح اختراعه القادم للعالم، لا ترى زوجته أيّ سببٍ لانتظار جائزة نوبل ثانيةً للاحتفال. إذ قالت: «أعتقد أنّ جائزةً واحدةً تكفي».

اقرأ أيضًا:

كيف تستثمر أموالك في الطاقات المتجددة

بطارية تتنفس الهواء وتنتج الطاقة المتجددة

هل سنتمكن من توفير كامل احتياجاتنا من الطاقة عبر المصادر المتجددة بحلول 2050؟

جهازٌ جديدٌ يستطيع توليد الطاقة الكهربائية في أي مكانٍ باستخدام التَغيُرات في درجات الحرارة الطبيعية

ما مستقبل الطاقة النووية وكيف ستتم إدارتها؟

المصدر

ترجمة: كارينا معوض
تدقيق: آية فحماوي