ليس من باب المصادفة أن يحمل المشتري نفس اسم ملك كل الآلهة «جوبيتر». فبالإضافة إلى كونه أكبر الكواكب في النظام الشمسي (تفوق كتلته كتلة كل الكواكب الأخرى مجتمعة بمرتين ونصف)، يمتلك المشتري بعض أكبر الأقمار مقارنة بأي كوكب آخر في النظام الشمسي. تُعرف أكبر أقمار المشتري باسم أقمار غاليليو، تكريمًا للعالِم غاليليو غاليلي الذي اكتشفها. تشمل تلك الأقمار كل من آيو وأوروبا وجانيميد وكاليستو، وبالحديث عن الحجم مقارنة بأقمار المجموعة الشمسية، فهي تحتل على الترتيب المراتب، الرابعة والسادسة والأولى والثالثة.

أقمار غاليليو الأقمار المشتري المجموعة الشمسية

تمثل الأقمار الأربعة مجتمعة 99.999% من الكتلة الإجمالية في مدار المشتري، وتبعد ما بين 400.000 إلى 2.000.000 كيلومتر عن الكوكب. وبغض النظر عن الشمس والكواكب الثمانية، تُعتبر أقمار غاليليو من أكبر الأجرام الموجودة في النظام الشمسي مع نصف قطر أكبر من أي كوكب قزم في النظام.

الاكتشاف:

أخذت أقمار غاليليو اسمها من غاليليو غاليلي، عالم الفلك الإيطالي المشهور الذي اكتشفها بين السابع والثالث عشر من يناير لسنة 1610م، مستخدمًا التلسكوب المُحسن الذي صممه بنفسه.إذ راقب ما سماه في ذلك الوقت «النجوم الثلاثة الثابتة»، وهي غير مرئية تمامًا نظرًا لضآلتها. كانت تلك الأجرام اللامعة الثلاثة كلها قريبة من المشتري وعلى خط مستقيم من خلاله.

أظهرت الملاحظات اللاحقة تغير موقع هذه النجوم الثلاثة بالتناسب مع المشتري، وكان ذلك أمرًا غير قابل للتفسير. في العاشر من يناير، لاحظ غاليليو اختفاء أحد النجوم، وقد فسر ذلك باختفاء النجم وراء المشتري. خلال أيامٍ قليلة استنتج أنه في مدارٍ حول المشتري، وأنها في الحقيقة مجرد أقمار.

وبحلول الثالث عشر من يناير، اكتشف القمر الرابع وأطلق على مجموعة الأقمار اسم «نجوم ميديشي»، تكريمًا لقائده المستقبلي كوزيمو الثاني دي ميديشي Cosimo II de’ Medici؛ الدوق الأكبر لتوسكانا وإخوته الثلاثة.

من جهة أخرى، أطلق سيمون ماريوس Simon Marius عالم الفلك الألماني الذي ادعى كذلك اكتشاف الأقمار الأربعة سنة 1614 الأسماء آيو وأوروبا وجانيميد وكاليستو على تلك الأقمار (تيمنًا بعشاق زيوس في الميثولوجيا الإغريقية). وفي حين تم تجاهل هذه الأسماء لعدة قرون، فقد بات استخدامها شائعًا بحلول القرن العشرين. وتُعرف الأقمار اليوم باسم أقمار غاليليو، تكريمًا لمكتشفها.

آيو:

أقرب الأقمار للمشتري، سُمي تيمنًا بإحدى كاهنات هيرا التي أصبحت عشيقة لزيوس. يصل قطره إلى 3642 كيلومترًا، وهو رابع أكبر قمر في النظام الشمسي، ولديه أكثر من 400 بركان نشط. وهو أيضًا أكثر الأجرام نشاطًا جيولوجيًا في النظام الشمسي. يتميز سطحه بوجود أكثر من 100 جبل، بعضها أعلى من قمة إفرست على كوكب الأرض.

وعلى عكس معظم الأقمار في النظام الشمسي الخارجي (المغطاة بمعظمها بالجليد)، يتكون آيو بشكلٍ أساسي من صخور السيليكات التي تحيط بنواة من الحديد الذائب أو كبريتيد الحديد. ويمتلك آيو غلافًا جويًا رقيقًا للغاية مكونًا بمجمله من ثاني أكسيد الكبريت (SO2).

أوروبا:

ثاني أقرب أقمار غاليليو للمشتري هو أوروبا، الذي يستمد اسمه من المرأة النبيلة الفينيقية التي ارتبطت بزيوس وأصبحت ملكة كريت. يصل قطره إلى 3121.6 كيلومتر. يُعد أصغر أقمار غاليليو، وهو أصغر بقليل من قمر كوكب الأرض. يتكون سطح أوروبا من طبقة من الماء تحيط بطبقة الغطاء التي يُعتقد أنها بسمك 100 كيلومتر.

يتكوّن القسم العلوي من السطح من الجليد الصلب، بينما يُعتقد أن الجزء السفلي مكون من المياه السائلة الدافئة بسبب الطاقة الحرارية والمد والجزر. إذا كان ذلك صحيحًا، فالحياة الفضائية يمكن أن تكون مزدهرة تحت سطح أرض المحيط، ربما بالقرب من سلسلة من المنافذ الحرارية المائية في المحيط العميق.

يُعتبر سطح أوروبا من أكثر الأسطح المُمهّدة في النظام الشمسي؛ ما يدعم فكرة وجود مياهٍ سائلة تحت السطح. يعود افتقار السطح لفوهات البراهين لكونه حديثًا نسبيًا ونشطًا تكتونيًا. يتكون أوروبا بشكلٍ أساسي من صخور السيليكات ويمتلك على أغلب الظن نواة حديدية، مع غلاف جوي هش يتشكل أساسًا من الأكسجين.

جانيميد:

التالي على القائمة هو جانيميد. يصل قطره إلى 5262.4 كيلومتر، وهو أكبر أقمار النظام الشمسي. ورغم كونه أكبر من كوكب عطارد، فإن حقيقة كونه عالمًا جليديًا في مجمله يعني أن كتلته لا تتجاوز نصف كتلة عطارد. وهو أيضًا القمر الوحيد في النظام الشمسي الذي يمتلك غلافًا مغناطيسيًا نتج على الأرجح عن الحمل الحراري في النواة الحديدية السائلة.

يتكون جانيميد أساسًا من صخور السيليكات وجليد الماء، ويُعتقد وجود محيط ذي مياه مالحة تحت سطحه بعمق 200 كيلومتر. وهو أكبر المرشحين لوجود محيط كهذا تحت سطحه. يمتلك جانيميد عددًا كبيرًا من فوهات البراكين معظمها مغطى بالجليد الآن، وله غلاف جوي هش يحتوي على عنصر الأكسجين (O) وغاز الأكسجين (O2) وربما الأوزون (O3) وبعض الهيدروجين الذري.

كاليستو:

هو القمر الرابع والأبعد عن المشتري من بين أقمار غاليليو. يصل قطره إلى 4820.6 كيلومتر. وهو ثاني أكبر أقمار غاليليو وثالث أكبر قمر في النظام الشمسي. سُمي بذلك الاسم تيمنًا ببنت الملك الأركادي (ليكاون)، ورفيقة صيد الإلهة آرتميس. يتكون تقريبًا من الصخور والجليد بشكلٍ متساوٍ، وهو أقل أقمار غاليليو كثافة، وكشفت البحوث كذلك عن إمكانية وجود محيط تحت سطحه على عمق 100 كيلومتر تقريبًا.

يعتبر كاليستو من بين أكثر الأقمار احتواء على الفوهات البركانية في النظام الشمسي، أكبرها الحوض الذي يمتد على مسافة 3000 كيلومتر والمعروف بـ فالهالا. يُحاط كاليستو بغلاف جوي رقيق يحتوي على ثاني أكسيد الكربون وربما الأكسجين الجزيئي. لطالما اعتبر كاليستو أبرز وجهة لإنشاء قاعدة بشرية في المستقبل لغاية استكشاف نظام المشتري، باعتبار أنه أبعد الأقمار عن الإشعاعات الكثيفة للمشتري.

دون شك، تسبب اكتشاف أقمار غاليليو بإثارة جدلٍ واسع بين علماء الفلك. في ذلك الزمن، كان العلماء يظنون أن كل تلك الأجرام السماوية تدور حول الأرض، وهو الفكر الثابت في علم الفلك الأرسطوي (نسبة إلى أرسطو) والتعاليم الإنجيلية. كانت معرفة أن الكواكب الأخرى قد تمتلك أجرامًا تدور حولها بمثابة الثورة، وساعد ذلك غاليليو في مناقشة نموذج كوبرنيكوس للكون (أو ما يُعرف بمركزية الشمس، إذ توجد الأرض وكل الكواكب الأخرى في مداراتٍ حول الشمس).

اقرأ أيضًا:

استصلاح أقمار المشتري وكيفية القيام بذلك

نتائج مؤتمر ناسا الصحفي أمل جديد نحو الحياة في العوالم المتجمدة من نظامنا الشمسي

هل من الممكن حقًّا أن توجد حياة تحت سطح الأقمار الجليدية؟

هل يمكن أن تمتلك الأقمار أقمارا خاصة بها؟

ترجمة: وليد سايس
تدقيق: فارس سلطة

المصدر