كاليستو قمر كبير يدور حول المشتري ، سطحه قديم ومملوء بالحفر مبينًا أن العمليات الجيولوجية قد تؤول إلى الفناء، ومع ذلك فمن الممكن لهذا القمر أن يحوي داخله محيطًا من المياه. لسنا متأكدين مما إذا كان هذا المحيط يتضمن أي شكل من أشكال الحياة، وذلك بسبب قدم سطح القمر، يتطلب الأمر مزيدًا من المراقبة لحسم أمر الحياة فيه. كان هذا القمر محط اهتمام عدد من المهمات الفضائية ، بما في ذلك مهمة غاليلو طويلة الأمد لمراقبة المشتري في العقد الأخير من القرن الماضي وبدايات القرن الحالي. ستركز مهمة جديدة تدعى «JUICE» (مكتشف أقمار المشتري المتجمدة-Jupiter Icy Moon Explorer) على أقمار المشتري المتجمدة الثلاثة بما في ذلك كاليستو، للحصول على المزيد من المعلومات عن بيئة هذا القمر. يُعتقد أن تصل هذه المهمة إلى المشتري بحلول عام 2030.

كاليستو القمر المشتري مهمة غاليلو

لدى ناسا مهمة في المشتري في الوقت الحالي تدعى (جونو-Juno) تُعنى بدراسة الغلاف الجوي وبيئة المشتري، إلا أنها التقطت صورًا لكاليستو من مسافة بعيدة. خضعت الأقمار المتجمدة في النظام الشمسي لمحاولات استكشاف دقيقة وذلك للاعتقاد بأنها قد تكون موطنًا صالحًا للحياة.

كشفت (المركبة الفضائية كاسيني-The Cassini spacecraft)، والتي دارت حول زحل من عام 2004 حتى عام 2017، عن دليل هام حول وجود ينابيع مياه حارة على سطح قمر كوكب زحل المسمى (إنسيلادوس-Enceladus). تتضمن الأقمار المتجمدة الأخرى القمر (تريتون-Triton)؛ التقطت المركبة Voyager 2 صورًا له، والقمر أوروبا؛ أحد أقمار المشتري المتجمدة. بشكل عام، تحتوي هذه الأقمار على محيطات سائلة بسبب الشد الجاذبي الذي تمارسه كواكبها العملاقة.

الاكتشاف

سُميت أقمار المشتري الأربعة -أيو، أوروبا، كاليستو، غانيميد- والمعروفة أيضًا باسم أقمار غاليلو، تيمنًا باسم العالم الإيطالي غاليلو غاليلي؛ الذي اكتشف هذه الأقمار عام 1610. كل واحد من الأقمار الأربعة أكبر من بلوتو، وغانيميد هو أكبر قمر في المجموعة الشمسية، حتى إنه أكبر من كوكب عطارد.

عندما أدار غاليلو تلسكوبه باتجاه المشتري في السابع من يناير/كانون الثاني عام 1610، فإن ما رآه أثار دهشة الجميع. لم يكن الكوكب وحيدًا، فهو يمتلك أربعة أقمار تدور حوله. اعتُقد في ذلك الحين أن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي لديه قمر. سُميت أقمار المشتري طوال قرنين من الزمن باسم عائلة ميدتشي؛ عائلة سياسية إيطالية من أصحاب النفوذ، وذلك استنادًا لكلام وكالة ناسا.

سُميت الأقمار كل على حدة بما يلي: المشتري 1، المشتري 2، المشتري 3، المشتري 4. المشتري 4 هو ما ندعوه حاليًا كاليستو. لم يكن لاكتشاف غاليلو آثار فلكية فقط، بل دينية أيضًا. ففي ذلك الوقت، دعمت الكنيسة الكاثوليكية الفكرة القائلة إن كل شيء يدور حول الأرض، وهي فكرة طرحها أفلاطون وبطليموس منذ زمن سحيق. قدمت ملاحظات غاليلو -بالإضافة إلى ملاحظته أن كوكب الزهرة يمر بمراحل مشابهة لقمر كوكب الأرض- أدلةً دامغة حول خطأ فكرة دوران كل شيء حول الأرض.

بتقدم الرصد التلسكوبي ظهرت رؤية جديدة للكون. لم تكن الأقمار والكواكب ثابتة وغير متغيرة ولم تكن مثالية. على سبيل المثال، ترينا الجبال التي ظهرت على القمر أن العمليات الجيولوجية تحدث في أماكن أخرى من الكون. وأيضًا، تدور كل الكواكب حول الشمس. بمرور الزمن، اكتُشفت الأقمار حول الكواكب، واكتُشفت أقمار إضافية حول المشتري. أُعيدت تسمية أقمار ميدتشي لتصبح أيو، غانيميد، أوروبا وكاليستو تجنبًا للالتباس في منتصف القرن التاسع عشر.

حقائق أساسية

  • العمر: يبلغ عمر كاليستو حوالي 4.5 مليار سنة، تقريبًا بنفس عمر المشتري. يُعد كاليستو أثقل جسم مملوء بالحفر في المجموعة الشمسية، وذلك بحسب وكالة ناسا. لا يكاد يوجد أي نشاط جيولوجي على سطحه، إذ لم يتغير سطحه كثيرًا منذ التأثيرات الأولية التي أنشأت هذا السطح منذ 4 مليار سنة.
  • المسافة عن المشتري: كاليستو أبعد قمر من أقمار غاليلو عن المشتري، يدور كاليستو حول المشتري على بعد 1.88 مليون كيلومتر، تستغرق الدورة حول المشتري حوالي سبعة أيام أرضية. يتأثر كاليستو بأقل نسبة لتأثير المد والجزر من أقمار غاليلو الأخرى، وذلك لدورانه خارج الحزام الشعاعي الرئيسي للمشتري، وبما أن التأثير المدّي ضعيف على كاليستو فهو يواجه نفس الجانب للمشتري في كل دورة.
  • الحجم: يبلغ قطر كاليستو 4800 كيلومتر، لذا فهو بحجم كوكب عطارد. يُعد كاليستو ثالث أكبر قمر في المجموعة الشمسية بعد غانيميد وتيتان. (يقبع قمر كوكب الأرض في المركز الخامس إذ يسبقه القمر آيو).
  • درجة الحرارة: تقدر حرارة سطح قمر كاليستو بـ -139.2 درجة مئوية.

ملاحظات عصر الفضاء

تطورت التلسكوبات بشكل ملحوظ منذ بداية عصر الفضاء عام 1960، ولكن ما تزال معرفتنا محدودةً بخصوص القمر كاليستو وذلك بحسب الكتاب الصادر عن جامعة كامبريدج عام 2007 بعنوان (المشتري: الكوكب والأقمار الدائرة حوله والغلاف المغناطيسي). مما استطاع علماء الفلك معرفته حول كاليستو أنه قمر رتيب نسبيًا مقارنةً بالأقمار آيو وأوروبا. من خصائص كاليستو أيضًا امتلاكه قدرةً قليلة على عكس الضوء، ويُعرف كذلك بكثافته المنخفضة، لكن لم ير العلماء أي انبعاثات للماء من سطحه ما قادهم للاستنتاج أن سطح كاليستو سطح صخري.

حلقت المركبتان «Pioneer 10» و«Pioneer 11» بالقرب من المشتري وأقماره في بداية سبعينات القرن الماضي، ولكنهما لم توفرا معلومات أبعد من تلك التي وفرتها التلسكوبات الموجودة على سطح كوكب الأرض. وفّرت لنا المهمة «Voyager» في أواخر سبعينات القرن الماضي صورًا مختلفة عن القمر كاليستو، حُدّدت درجة حرارة القمر وكثافته، وأظهرت صور السطح دقة واحد كيلومتر في كل بيكسل؛ بمعنى آخر دقة صغيرة بما يكفي لتحديد الأثر الحفري.

في الحقيقة، كاليستو قمر مثقل بالحفر مقارنةً مع الأقمار الأخرى، كما يرد في الكتاب الآنف الذكر، ويضيف المؤلفون: «يغض بعض العلماء النظر عن كاليستو باعتباره أكثر جسم ممل من هذا الحجم في المجموعة الشمسية». لملاحظات دقيقة أكثر كان علينا الانتظار حتى عام 1996، حين أقلعت المركبة الفضائية (غاليلو-Galileo spacecraft) باتجاه القمر كاليستو في واحدة من 12 محاولة اقتراب من المشتري وأقماره.

فقد كشفت وبدقة عالية عن معلومات إضافية عن القمر كاليستو. صُوّر أغلب سطح هذا القمر واكتُشف غلاف جوي رقيق من ثاني أوكسيد الكربون ومحيط تحت سطح القمر أيضًا. وفقًا لوكالة ناسا، فإن النقاش حول وجود المحيط تحت سطح القمر نبع من دليلين. الأول، رؤية العلماء لتقلبات اعتيادية للحقل المغناطيسي للقمر أثناء دورانه حول المشتري، وهذا يظهر وجود تيارات كهربائية تُحث عن طريق الحقل المغناطيسي للكوكب. يجب توجيه هذا التيار نحو مكان ما، وهذا بدوره يقودنا للدليل الثاني؛ بسبب السطح الصخري والغلاف الجوي الرقيق، فإن التفسير الأرجح هو وجود محيط مالح تحت سطح هذا القمر.

أظهرت فحوصات في عام 2018 للصور المؤرشفة لتلسكوب هابل الفضائي المأخوذة عام 2007 وجود تأثير للقمر كاليستو على ظاهرة الشفق في الغلاف الجوي لكوكب المشتري. ينتج كوكب المشتري ظاهرة الشفق بنفسه، لكن أجزاء من هذه الظاهرة تأتي نتيجة التفاعل مع أقماره الأربعة آيو وأوروبا وغانيميد وكاليستو. إن آثار الأقمار الثلاثة كانت مرصودة بشكل واضح على الغلاف الجوي للمشتري، لكن البحث الجديد يقدم دليل واضحًا على تأثير كاليستو أيضًا.

ربما تشكلت أقمار المشتري الأربعة بمساعدة كوكب زحل. تقترح معالجة حاسوبية أُطلقت عام 2018 أن نواة كوكب زحل قد تضخمت وقادت الكواكب الصغيرة إلى داخل المجموعة الشمسية، فربما منحت هذه العملية الظروف الكافية لتشكيل الأقمار الأربعة.

أسئلة معلقة

من بين الأسئلة التي ستنطلق مهمة استكشاف أقمار المشتري المتجمدة-JUICE للإجابة عنها، هي قابلية كاليستو لاستضافة الحياة على سطحه وكيفية تشكله. يُخطَّط أن تنطلق المهمة باتجاه المشتري عام 2022 إذ ستعمل على دراسة الكوكب لمدة ثلاث سنوات ما بين 2030 و2033. ستركز المهمة على القمر غانيميد، ولكنها ستدرس القمر كاليستو بنفس الأدوات العلمية، وستبحث عن وجود طبقات محيط تحت السطح أو احتياطي مائي، وتغطية السطح ودراسة الغلاف الجوي ومعرفة البنية الداخلية للقمر.

تضمنت الأوراق العلمية المنشورة مؤخرًا نموذجًا حاسوبيًا حول التفاعل الحاصل بين الحقل المغناطيسي للمشتري وكاليستو؛ توفر الدراسة دلائل جديدة حول وجود محيط تحت سطح هذا القمر، وأيضًا اكتشافات لذرات الأكسجين في الغلاف الجوي للقمر كاليستو باستخدام تلسكوب هابل الفضائي. ركزت بعض الأوراق العلمية الأخرى على جوانب مختلفة مثل وجود مياه تحت سطح كاليستو وتحديد أعداد الحفر على سطحه ودراسة غلافه الجوي.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: مازن سفّان
تدقيق: نغم رابي

المصدر