نحن نؤمن بالتسبيب وعلاقة السبب بالنتيجة لاننا نريد ان نحافظ على سيطرتنا على حياتنا، لكن بعض الاشياء لانملك اجابة واضحة عليها.

نحن نسعى الى النمط ونؤمن بعالم متماسك ومترابط منطقيا والاحداث المطردة والمتكررة التى تظهر فى حياتنا لاتحدث عن طريق الصدفة بل هى نتيجة سببية مياكانيكية او نتيجة ارادة شخص ما.

كلمات دانيال كانيمان تبدو حقيقة بالنسبة لنا جميعاً ؛ نحن كائنات سببية بطبيعتها نحب ان يكون للنتائج أسباب ونكره العشوائية الغير متماسكة.

والا لماذا هذة المسألة الجوهرية المتعلقة بالوجود أرقت الكثيرين، وجذبت المليارات الى الدين؟

هذة النزعة للتسبيب تبدو غريزية، فى الأربيعينات قال عالم النفس ألبرت ميشوت ”نحن نرى علاقة السببية مباشرة كما نرى اللون” كما لو انها موجودة فى كل مكان.

وليثبت حجته ابتكر عروض فى هيئة أشكال ورقية تتحرك من مكان لمكان وتتلامس مع بعضها البعض.

فجعل المُختَبَرين يشاهدون الأشكال الورقية تتحرك بالمقابلة مع الاجسام الملونة وسألهم عن صف ما شاهدوه، فاخترعوا قصص سببية خيالية تماماً.

على سبيل المثال قام ميشوت بتحريك كرة ورقية زرقاء لتصل لأخرى حمراء وفورا تحركت الكرة الحمراء فى نفس الاتجاه للكرة الزرقاء التى كانت تسير فيه فإن معظم المُراقبين (المُختًبًرين) قالوا بأن الكرة الزرقاء ضربت الكرة الحمراء وتسببت فى تحريكها.

شاهد التجربة على الرابط

معقول. لكن، فى سيناريو أخر اظهر ميشوت للمُراقبين (المُختًبَرين) كرة ورقية حمراء كبيرة وكرة زرقاء صغيرة والاخيرة منفصلة بمسافة قصيرة عن الكرة الزرقاء، ثم بدأ فى تحريكهما فى انسجام.

بدلاً من القول ان الكرات كانت تتحرك باستقلالية كل منهما عن الاخرى فإن اغلب المُراقبين (المُختَبَرين) قالوا بأن الكرة الحمراء تطارد الكرة الزرقاء كأن الكرة الحمراء وحش كبير مفترس والكرة الزرقاء فريسته.

ميشوت حاول اجراء العديد من السيناريوهات الأخرى وبغض النظر عن ماكانت تفعله الكرات فإن تفاعلاتهما كانت تُوصف بنمط وأسلوب (السبب – النتيجة) – يرجى مشاهدة اللينك السابق للاطلاع على تجربة ميشوت –.

الآخرون الذين كرروا تجربة ميشوت حصلوا على نتائج مماثلة.

“أظهرت التجارب ان الاطفال الرُضّع ذوى ال6 أشهر يشاهدون تعاقب الاحداث وتسلسلها بسيناريو (السبب – النتيجة)” ويندهشون عندما يتم تبديل تسلسل الاحداث.

يكتب كانيمان ”أنه لدينا استعداد واضح منذ الولادة لتكوين انطباعات سببية”.

تَعُودنا على السببية يمكن ان نشاهده فى كل مكان.

واحد من أفضل الاماكن للعثور على هذا التعود نجده فى المجال الرياضى، الرياضييون عادة مايكون أدائهم اعلى أو أقل من المستويات المتوقعة لأدائهم، وعندما يفعلون ذلك، المعلقون الرياضيون يسارعون فى تقديم تفسيرات سببية بغض النظر عن ما إذا كان هناك أدلة تدعم مثل هذة التفسيرات.

وفقا لكانيمان: (هناك مثل مشهور يقول “Sports Illustrated jinx” – اى الظهور على مجلة Illustarted الرياضية سوف يجلب النحس – الادعاء بأن الرياضى الذى تظهر صورته على مجلة محكوم على ادائه بالضعف الموسم التالى.

الثقة المفرطة والضغط ومحاولة تلبية التوقعات العالية غالباً مايتم تقديمها كتفسيرات.

لكن يوجد سبب أبسط من النحس؛ وهو ان الرياضى الذى يظهر على المجلة لابد وأن يكون ادائه استثنائى فى الموسم السابق وربما يكون هذا الاداء بمساعدة الحظ والحظ متقلب).

غير الرياضة، يمكن للمرء ان ينظر ببساطة الى سوق الاوراق المالية (البورصة) للحصول على أمثلة إضافية لانتشار تَعُودنا على السببية بدون ضوابط.

كل يوم مؤشرات مالية عديدة – ناسداك، داو جونز، نيكّى، الخ – تتحرك صعوداً ونزولاً، وفى كل انكماش وفى كل تحسن يتم ارجاعهما إلى شىء ما، سواء كان ذلك الشىء هو بيانات الوظائف أو ضعف ثقة المستهلك أو مبيعات المنازل أو مشاكل فى أوروبا أو خبر جذاب.

نسيم طالب فى كتابه ”البجعة السوداء” أوضح كم هذا سخيف ؟!.

فى الساعات التالية على القبض على الرئيس السابق فى 13 ديسمبر 2003، صرحت وكالة بلومبرج للأخبار بالعنوان التالى (سندات الخزانة الامريكية ترتفع؛ القبض عل صدام حسين من المحتمل ألا يكبح جماح الارهاب) وبعد ثلاثين دقيقة تراجعت أسعار السندات وشبكة بلومبرج غيرت عنوانها الصحفى الى (سندات الخزانة الامريكية تنهار: القبض على صدام حسين يعزز جذب الأصول الخطرة) فى حين كان العنوان الأكثر صحة كان يجب أن يكون (سندات الخزانة الامريكية تتقلب كعادتها: القبض على صدام حسين ليس له أى علاقة بالسندات على الاطلاق) ولكن ليس هذا مايريده المحرر، وليس هذا مايريد الناس قرائته.

يقول كانيمان: ”فى الواقع ان كل ماتفعله العناوين الصحفية هو تلبية حاجتنا الى الترابط المنطقى لكى نسيطر على حياتنا: فالحدث الكبير من المفترض ان له عواقب والعواقب تحتاج إلى أسباب لتفسرها“.

هذا الاتجاه لايعبر عن نفسه فقط بالنسبة للأسهم والاحداث الكبيرة.

خذ الدراسات العلمية على سبيل المثال، العديد من اغلب الدراسات الكبيرة، غالباً ما يتم ذكرها فى منافذ الاعلام الضخمة نتيجة الدراسات الترابطية والتى هى مجرد ربط بين متغيرين، مثل دراسة (العلاقة بين مشاهدة التلفاز والأمراض والموت المبكر).

حتى الآن تتمثل وظيفة العناوين الصحفية جزئياً فى التلخيص وفى المقام الأول جذب الانتباه – وغالباً ماتُـكتب بصيغة ”س يسبب ص” أو ”هل س تسبب ص؟” (مما لاشك فيه اننى مُدان لكتابتى العناوين الصحفية بالأسلوب الاخير).

وفى المقابل، فإن الجمهور يتعامل عادة مع هذة النتائج بطريقة (السبب – النتيجة) على الرغم من حقيقة واضحة وهى احتمالية عدم اثبات علاقة السببية بين المتغيرات.

المقال نفسه احتمال ان يشير الى ان الدراسة بينها ترابط او تلازم فقط وليس سببية ولكن هذا لن يغير من كيفية الطريقة التى يعمل بها الوعى.

فإن زملاء العمل عبر العالم سوف يظلون يتجمعون حول ماكينة القهوة ويتبادلون الحديث حول كيفية مشاهدة (Kardashians) – تليفزيون الواقع تقدمه كيم كاردشيان واختيها – وهو يقتلك ولو ببطىء.

حاجة الانسانية للسببية على الأرجح تنبع من رغبتنا المتواصلة فى الحفاظ على بعض من السيطرة على حياتنا.

كوننا مجرد ضحايا للحظ والعشوائية شىء مبهج لقلة جامحة، لكنه مزعج تماماً للأغلبية.

عن طريق السعى إلى تفسيرات واضحة عند كل منعطف، نحن نحافظ على فكرة اننا قادرون على التأثير فى حالتنا.

للأسف، هذة الفكرة مجرد واجهة غير حقيقية.

بعض الأشياء لانملك إجابات واضحة بشأنها.

بعض الأشياء هى مجرد عشوائية.

بعض الأشياء ببساطة لايمكن السيطرة عليها.


  • الكاتب: Ross Pomeroy
  • ترجمة: محمود مجدى
  • تحرير: طارق الشعر

المصدر الأول / المصدر الثاني