الإدمان على العمل -على عكس باقي أنواع الإدمان كالإدمان على الكحوليات وغيرها من مسببات الإدمان- يكافَأُ في ثقافتنا بالترقيات و الدخل الإضافي والتقدير والجوائز وهذا في الحقيقة ما يجعله يبدو أمرًا جيدًا. لكن على العكس تمامًا، فإن هذا الأمر يترافق مع العديد من العواقب والآثار السلبية ليس فقط على سعادتنا بل وبشكل ساخر على الإنتاجية وهذا ما لا ندركه!

هل تجد نفسك ممن يجدون صعوبة في أداء عمل معين قبل أن تنشغل أذهانهم بالتفكير في المهمة التالية، ممن ينجزون جميع الأعمال على قائمة أعمالهم ويعبّئونها من جديد فور الانتهاء من الأعمال السابقة؟

من الممكن أن تكون منشغلًا بالعمل على مقالة أو عرض تقديمي ولكنّ عقلك مشغول بالتفكير في المهمة القادمة. تشير الأبحاث إلى أن هناك مشكلة في إنجازك الأعمال على هذا النحو – بغض النظر عن كمية إنتاجيتك- وقد يكون ذلك مضرًا لك!

قلة قليلة منا تعرف الثمن المترتب على الإدمان على العمل ، فقد أشارت الأبحاث إلى أن إدمان العمل:

  • يؤذيك من الناحية الجسدية والنفسية بما فيها سعادتك، إضافة إلى أنه يؤدي إلى ما يقارب 12,000 حالة وفاة، ويجعلك عرضة بشكل أكبر للإصابة بالاكتئاب والتوتر كما يقلل من إنتاجيتك وأدائك.
  • يزيد من مشاكل النوم وبالتالي يقلل الإنتاجية والأداء.
  • يقلل من تركيزك.
  • يؤثر سلبًا على من حولك ويلحق الضرر بعملك وحياتك الشخصية وعلاقتك بعائلتك.

يسبب الإدمان على العمل أيضًا ما هو أكبر من ذلك؛ إذ يؤدي إلى أخطاء وحوادث قد تكون ناجمة عن التوتر والضغط الذي يتعرض له العامل. وأيضًا الغياب المتكرر وتدوير الموظفين وهذا ما يكلف الدولة قرابة الـ 3500 دولارًا لتدوير موظف بأجر 8 دولارات بالساعة، علاوة على ذلك تسبب المصانع 50-70% من معدلات الإرهاق والإعياء.

الإدمان على العمل

الإدمان على العمل

لماذا اتخذنا هذا الطريق الشاق لتحقيق نسب عالية من الإنتاجية ؟

السبب هو أن إحدى أهم النظريات التي نؤمن بها لتحقيق النجاح هي أنك لتكون ناجحًا وسعيدًا عليك أن تركز على المستقبل. والناس عادة ما يعتقدون أن النجاح يحتاج إلى الكثير من التضحيات من وقتهم وراحتهم الشخصية والأفكار السلبية والضغط الهائل الذي يتعرضون له لأن المكافأة النهائية تستحق!

كن منتجًا أكثر عن طريق الابتعاد عن العمل

بفضل الهواتف الذكية والبريد الإلكتروني (مع العلم أن 70% من الأشخاص ينامون وهواتفهم بجانب أسرتهم)، فقد تلاشت الحدود التي تفصل العمل عن الحياة الشخصية إذ إن العديد من الناس أصبحوا يستكملون أعمالهم في المنزل وفي أيام الإجازات نتيجة لذلك فإن مشاعر التوتر وضغط العمل تتداخل بأوقات الراحة للتخلص من ضغط العمل، والذي يعود بشكل خاص للأحداث الجدية ولكننا نختار أن ننشطه طوعًا.

وجدت البروفيسورة سابين سونينغ في جامعة مانهايم في ألمانيا أن الأشخاص الذين لا يأخذون استراحة من عملهم يواجهون صعوبة أكبر في التعامل مع ضغط العمل ويكونون عرضة للإرهاق أكثر من غيرهم. يعتبر أيضًا أخذ الاستراحات من العمل صعبًا من الناحية النفسية عندما تكون أحمال العمل وضغطه عاليين، وتؤكد سابين على أهمية الاستراحة من العمل عند الحاجة إليها فقد وجدت أيضًا أن أخذ إجازات من العمل هي أسرع الطرق للعلاج.

إذ تؤدي بشكل مذهل إلى زيادة الإنتاجية ، وتضيف: «من خلال بحثنا، يمكننا الولوج إلى خلاصة تفيد بأنه من الجيد تنظيم وقت للراحة واستغلاله بالطرق الأمثل».

ذكرت سونينغ أيضًا في بحثها بعض الطرق التي تُعد جيدة لأخذ استراحة من العمل كالتمارين الرياضية والمشي في الهواء النقي وممارسة هوايات بعيدة كليًا عن جو العمل، وقد يعيد الثناء عليك بعد ساعات من العمل إليك طاقتك!

الإنتاجية

الإنتاجية

جرب تمارين التنفس بدلًا من القهوة لاستعادة نشاطك

عدم الموازنة بين عملك وحياتك الشخصية ليس وحده السبب في الإرهاق المصاحب للعمل إذ إننا نلعب دورًا كبيرًا في إرهاق أنفسنا وذلك بالإبقاء على مستويات الأدرينالين لدينا عالية. فقد تعلمنا باسم الإنتاجية كيف نقضي على القلق بشكل يومي بتزويد أنفسنا بكميات هائلة من الكافيين لمحاربة الإجهاد.

في الحقيقة، كثير من الناس يعتمدون على رفع مستوى الأدرينالين للتمكن من إتمام مهام يومهم. من الممكن أنك تلاحظ رفعك للأدرينالين عن طريق الإفراط بالتحقق من جدولك (جدول أعمالك) والالتزام المفرط والانتظار لآخر دقيقة لإنهاء عملك. لأنك بهذا تعتمد على التوتر لتحفيز نفسك على إنهاء مهامك.

وعندما تكون منهكًا وتشعر بأنك بحاجة لأخذ استراحة فأنت تدفع نفسك إلى متابعة العمل وتبقي نفسك متيقظًا بشرب القهوة أو السكر أو مشروبات الطاقة لتعطيك الطاقة التي تحتاجها للاستمرار.

في الواقع، هناك اتجاه جديد يشير إلى أن الطلاب والأساتذة يدخلون أنفسهم بعادة خطيرة. ناهيك عن أنها تسبب الإدمان أيضًا بتعاطي العقاقير المنشطة المصنعة لتعالج قلة التركيز وتبقيك يقظًا ونشطًا وبقمة تركيزك لساعات أطول.

الدخل الإضافي

الدخل الإضافي

ما لا ندركه هو أننا بهذه الطريقة نُنهك أجسامنا وعقولنا

هل من المفاجئ أننا وبعد الانتهاء من العمل والعودة لمنازلنا ليلًا لنكون مشوشين من العمل، لا نستطيع الاستراحة أو النوم حتى؟

بالإفراط بشرب المنبهات وعدم القدرة على الاسترخاء فإننا نلجأ لمثبطات التوتر كالكحول والمنومات أو الأدوية مضادة التوتر لاستعادة توازننا. التردد بين المنشطات المسببة للتوتر ومخففات التوتر كالمنومات يؤدي إلى إلحاق ضرر أكبر مما يفعل الإرهاق بجهازنا العصبي.

توصلنا من خلال البحث الذي أجريناه إلى أن إجراء تمارين التنفس يمكنه وبشكل ملحوظ التخفيف من مستويات القلق والتوتر لدينا. وأحيانًا قد يكون مفعوله بدقائق معدودة.

يُعد التنفس شيئًا في غاية السهولة، لكنه وبشكل مدهش أهم شيء في حياتنا، وهو أيضًا العمل الذي يستخف به الناس أكثر من غيره؛ لأنه عادةً يحصل دون تدخل منا ولا ندركه في الغالب. إذ إن ما يجعل عملية التنفس فريدة هي أنه يحصل تلقائيًا (كعملية الهضم ونبض القلب) وأيضًا يمكن التحكم به فهو يعتبر العمل اللا إرادي الذي يمكنك التحكم به.

يُعد التنفس أيضًا أداة متوفرة بين أيدينا طوال الوقت لتساعدنا على تخفيف التوتر في المواقف الصعبة، كأن تكون عالقًا في أزمة سير في طريقك للعمل. وتشير الأبحاث أيضًا إلى أن ممارسة تمارين التنفس وجعل فترة الزفير أطول من فترة الشهيق يساعد جهازك العصبي على الاسترخاء. وإن أخذ دروس في تمارين التنفس قد يساعدك بشكل كبير!

هناك دليل صغير على أن رفع معدل الأدرينالين لديك يجعلك أكثر إنتاجية. على الرغم من ذلك، فإن هناك الأطنان من الأدلة على أن نظام حياة مليء بالتوتر يضر بجسدك وصحتك وأن ممارسة تمارين التنفس برويّة يساعد على تخفيف التوتر وينظم معدل ضربات القلب وضغط الدم.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: سارة دعباس
تدقيق: مرح منصور

المصدر