ما هي حقيقة الحجر الأسود في مكة؟  علميًا، جواب سؤال “ما هو الحجر الأسود” هو حجر من نوع Tektites – التيكتيت الذي يتميز بلونه الأسود المائل للخضرة أو في بعض الأحيان يميل للون البني أو الرمادي وقد يُعرف هذا الحجز باسمه الثاني وهو الزجاج الطبيعي.

ينتج هذا النوع من الزجاج عندما يضرب نيزك الصحراء، فالصحراء مغطاة بالرمال التي هي في الغالب مكونة من رمال السيليكا أو (رمال الكوارتز). يسبب ارتطام نيزك صغير في الصحراء انفجارًا هائلًا بقوة انفجار هيروشيما النووي أو أكبر ويخلق حفرة كبيرة. لحظة الارتطام تسبب الحرارة الهائلة الناتجة عن قوة الانفجار صهر الرمال وخلق حجز التيكتيت أو الزجاج الطبيعي، في بعض الأحيان يطلق عليها اسم الرمال المحترقة.

التيكتيت

التيكتيت

تكون الحجر الاسود

تكون الحجر الاسود

هل أصل الحجر الأسود هو نيزك؟

أجريت العديد من النقاشات حول طبيعة الحجر الأسود في الماضي، فقد وُصِف على أنه مجموعة أحجار مختلفة مكونة من البازلت وقطعة من الزجاج الطبيعي ونيزك حجري. نشر بول باتريتش الذي كان مسؤولًا عن الأحجار الكريمة في الإمبراطورية النمساوية المجرية أول تقرير شامل عن الحجر الأسود في عام 1857 والذي قال بأن أصل هذه الأحجار نيزكي. وجد روبرت ديتز وجون ماكهون في عام 1974 أن الحجر الأسود كان في الواقع من السيليكا.

بعد معرفة طبيعة الحجر الأسود بقي علينا اكتشاف موقع ارتطام النيزك في صحراء العرب، وهذا بالفعل ما قام به المستكشف البريطاني هاري سانت جون – Harry St. John عام 1932 في رحلته في صحراء الربع الخالي بحثًا عن مدينة أوبار-Wabar الأسطورية. لم يجد جون المدينة لكن ما وجده كان أهم! فقد وجد موقع اصطدام النيزك في الأرض والمدهش أن تلك المساحة الشاسعة كانت مغطاة بقطع من “الأحجار السوداء” تتراوح أحجامها من حصى صغيرة إلى قطع بحجم سيارة! أشارت الدراسات اللاحقة إلى أن سرعة النيزك كانت تقريبًا من 40 إلى 60 ألف كلم / ساعة. وكان بوزنِ أكبر من 3500 طن، ما تسبب في انتشار وبعثرة الأحجار السوداء المتكونة إلى أماكن متفرقة.

انتشار وبعثرة الأحجار السوداء المتكونة إلى أماكن متفرقة

انتشار وبعثرة الأحجار السوداء المتكونة إلى أماكن متفرقة

جاء التأكيد في عام 1980 إذ قدمت إليزابيث تومسن من جامعة كوبنهاغن ورقة بحثية بهذا الخصوص. فقد أشارت الورقة إلى أن الحجر الأسود هو جزء من الزجاج أو حجر متحول من آثار نيزك سقط قبل حوالي 6,000 سنة في منطقة الوبار في صحراء الربع الخالي والذي يبعد 1,100 كم شرقًا عن مدينة مكة.

التماثل بين تركيب الحجر الأسود في مكة وبين الأحجار السوداء المبعثرة في موقع الاصطدام كبير جدًا، فكل منهما مكون من زجاج السيليكا الممزوج ببقايا عناصر النيزك من الحديد والنيكل.

الاحجار السوداء في موقع الاصطدام

الاحجار السوداء في موقع الاصطدام

الجدير بالذكر أن الحجر الأسود في مكة ليس قطعة متماسكة واحدة بل مجموعة من أحجار صغيرة مُلصقة ببعضها حوالي 12 أو 13 قطعة صغيرة بحجم التمرات، وهو يعني أن الحجر عبارة عن حصوات صغيرة وليس حجرًا واحدًا.

الحصوات المكونة للحجر الاسود

الحصوات المكونة للحجر الاسود

إذاً، كيف وصل هذا الحجر إلى مكة؟

قبل الإسلام، كان لكل قبيلة كعبتها الخاصة، والتي تحتضن حجرًا أسود، وكان الطواف حول كعبة القبيلة سبع مرات وتقبيل الحجر الأسود جزء مهم من تقاليد القبائل كما كانت تلك الكعبات مؤشرًا لأهمية القبيلة. فالقبيلة التي تملك كعبة تؤمها أعداد كبيرة هي أرفع مكانه من مثيلتها التي تملك كعبة شبه مهجورة. وكانت الكعبة التي ترجع لقبيلة قريش من أهم كعبات جزيرة العرب انعكاسًا لمكانة القبيلة وأهمية مكة التجارية.

أشهر كعبات الجزيرة قبل الإسلام بعد كعبة مكة كانت كعبة بيت ثقيف، وكعبة بيت اللاّت، وكعبة نجران، وكعبة شداد الأيادي، وكعبة ذي الشرى، وبيت الأقيصر، وبيت رضا، وكعبة رحيم، وبيت العزى وبيت ذي الخلصة.

المهم أنها تشترك جميعها في صفتين أساسيتين، فجميعها أبنية مكعبة وجميعها أُطر لأحجار سوداء. وهذه الأحجار السوداء هي أحجار نيزكية ومما لا شك فيه أن هذه الأحجار هي بقايا النيزك الذي اصطدم بالأرض قرب منطقة “أوبار”.

هذا النيزك هو سبب وجود الكعبات المختلفة قبل الإسلام. فكما يخبرنا التاريخ أن البشر في جميع أنحاء العالم بما لديهم من معتقدات مختلفة قدّسوا الشهب والنيازك. فعلى سبيل المثال: تم العثور على النيازك عند القبور الهنديّة في الولايات المتحدة ما يوحي بأنهم كانوا يقدسونها.

نجد أيضًا أن الإغريق قّدسوا النيازك وهناك حجرٌ في معبد أبولو في “دلفي: واحدة من أهم المواقع الدينية اليونانية”، وكما تقول الأسطورة أن هذا الحجر جاء بسبب أن الإله كرونوس قد التهم أربعة أبناء، وعندما ولدت ريا زيوس خدعته وأعطت له الحجر بدلًا من زيوس، الذي شرع بابتلاعه، ثم اكتشف كرونوس أنه حجر فرماه من السماء إلى الأرض وهذا المكان يعد مركز الأرض، الذي أصبح موقع معبد أبولو.

تلك القصة مشابهة تمامًا لقصة الحجر الأسود (الكعبة) في الإسلام، وخاصة مركز الأرض هذا، فالحكاية تقول أن جبريل أعطى الحجر إلى إبراهيم ليقوم ببناء بيتٍ لربه.

اقرأ ايضًا:

النسبة الذهبية و موقع مدينة مكة ما هي الحقيقة ؟

مخاطر شرب بول البعير – هل هناك فائدة مرجوة من شربه ؟

ما حقيقة وجود حواجز مائية تحول دون امتزاج مياه البحرين ؟


المصادر: 1، 2، 3، 4، 5

مصدر 6:  Burke، John G. (1991). Cosmic Debris: Meteorites in History. University of California Press. صفحات 221–223. ISBN 978-0-520-07396-8

مصدر 7: Alex Bevan, John De Laeter, Meteorites: A Journey Through Space and Time, pp. 14-15. UNSW Press, 2002. ISBN 0-86840-490-X