ظهر اكتشاف ضخم في وقت مبكر من هذا العام يثبت وجود مجرات معمرة، لا تحتوي هذه المجرات -مستحيلة الوجود- على أي من المادة السوداء. وُجد أن المجرة المعنية بالدراسة أقرب بكثير من القياسات الأولية المقترحة وفقًا لحسابات المسافة الجديدة، هذا ما يغير كتلة المجرة ككل ونسبة تلك الكتلة التي يمكن أن تكون مادة طبيعية (مادة غير المادة السوداء).

بالاعتماد على هذه القياسات الجديدة ستُعتبر مجرة عادية جدًا. أُطلق على المجرة اسم (NGC 1052-DF4) أو (DF4). عندما اكتشفها علماء الفلك في جامعة ييل بدت أنها تدعم اكتشافًا سابقًا حول المجرة (NGC 1052-DF2) أو (DF2) التي اقتُرح -بسبب كتلتها- أنها لا تحتوي على المادة سوداء.

فجر فريق جديد من علماء الفلك قنبلةً باكتشافهم الجديد عندما أعادوا قياس بُعد مجرة DF2، ووجدوا أنها لا تبعد 64 مليون سنة ضوئية كما أثبتت القياسات السابقة، بل تبعد 42 مليون سنة ضوئية فقط.

طبق عالما الفيزياء الفلكية إغناسيو تروجيو وماتيو مونيلي من معهد آستروفيزيكا دي كانارياس Astrofísica de Canarias تقنياتهما على DF4، وحصلا على نتيجة مماثلة، وهي متاحة حاليًا على موقع ARXiv الإلكتروني.

يبدو أن DF4 تبعد 14.2 مليون فرسخ فلكي عن الأرض، لا 20 مليون فرسخ فلكي.

يقول تروجيو أن اكتشاف DF2 الأولي أثار اهتمامه. لم يكن افتقار المجرة للمادة المظلمة هو ما أثار اهتمامه، بل التكتلات الكروية؛ وهي مجموعات كبيرة من النجوم التي تدور حول مراكز المجرة، وتُشاهد في جميع أنواع المجرات.

يقول تروجيو لموقع ScienceAlert: «تحتوي جميع المجرات التي نعرفها ونهتم بها -منها مجرة أندروميدا والمجرات القزمية- مجموعة من التجمعات الكروية المتشابهة إلى حد ما».

أضاف تروجيو: «لكن كانت تكتلات DF2 الكروية كبيرة ومشرقة بشكل لا يصدق، بشكل لا يوجد له نظير في جميع المجرات المعروفة».

قام بعملية حسابية سريعة: على أي مسافة يجب أن تكون التكتلات الكروية في DF2 لتكون ذات على لمعان وحجم طبيعيين؟

قاس المسافتين بحسابين منفصلين ومستقلين، وكانت النتيجة 13 مليون فرسخ فلكي.

كانت الخطوة التالية تتمحور حول قياس المسافة، وقام بها مستخدمًا خمس طرق قياس مختلفة، وخلُص إلى نفس النتيجة: 13 مليون فرسخ فلكي.

قال تروجيو: «بعد ذلك أبلغوا عن مجرة أكثر بعدًا، ولفت انتباهي أنها كانت في نفس مجال الرؤية، لذلك ظننت أنهم قد كرروا نفس الخطأ بالضبط».

لذلك أعاد فريق تروجيو العملية مرة أخرى، ومرة أخرى حصلوا على مسافة أقرب.

يعتقد تروجيو أن المشكلة تتمثل في أن المجرتين كلتيهما صغيرتان، لكن استندت معايرة قياس المسافة التي استخدمها فريق ييل إلى مجرات ضخمة للغاية، وهو ما لا يناسب DF2 وDF4.

وجد فريق تروجيو أنه في هذا المجال المعين هناك مجموعتان من المجرات. واحدة منهما تبعد مسافة حوالي 20 مليون فرسخ فلكي.

هذه هي المجموعة التي كان يعتقَد في الأصل أن DF2 وDF4 تنتميان إليها، أما المجموعة الأخرى -الأقرب- تقع على بعد 13.5 مليون فرسخ فلكي؛ لذلك من الممكن أن تكون المجرتان قد رُبطتا بالمجموعة الخطأ.

تعني هذه المسافة الأقرب أن لكلتا المجرتين كتلة أقل، ونسبة المواد الطبيعية داخلها -والتي يمكننا رؤيتها مثل النجوم والغاز- أصغر.

في معظم المجرات تدور مواد مثل التكتلات الكروية بشكل أسرع مما ينبغي عليها أن تتحرك به، بناءً على الكتلة التي يمكننا اكتشافها مباشرة.

تولد بعض الكتلة التي لا يمكن تحديدها ثقلًا أكبر مما يمكننا حسابه في المادة الطبيعية، هذه الكتلة غير القابلة للتحديد هي ما نسميه المادة السوداء.

يعني لمعان المجرات على مسافة أبعد أن هناك ما يكفي من كتلة المادة الطبيعية لتشكيل تلك المدارات.

أشار تروجيو إلى أن DF4 كانت أكثر غرابة؛ إذ ذهبت بعيدًا في الاتجاه الآخر.

وقال: «المجرة غريبة للغاية، فحتى مع النجوم وحدها لا قدرة على تفسير الديناميكيات».

«إنها منخفضة بشكل كبير، والديناميكيات منخفضة للغاية، والسرعات يجب أن تكون أكبر مع النجوم التي يزعمون أنها موجودة، لذلك بطريقة أو بأخرى لشرح ما لديهم، فإنهم بحاجة إلى شيء مضاد للجاذبية، يبدو غريبًا للغاية».

ألغت حقيقة أن المجرة أقرب إلينا هذه الغرابة. يعتقد علماء الكونيات أن المجرات تبدأ حياتها بانفجار من المادة السوداء، لذا تحتاج المجرات طويلة الأمد التي لا تحتوي على أي من هذه المواد إلى طريقة جديدة من طرق تكوين المجرات. تحل هذه القياسات الجديدة هذه المشكلة أيضًا.

لذلك؛ من بين خيارين -أحدهما زوج من المجرات الغريبة للغاية التي تكسر قوانين الفيزياء وعلم الكونيات والآخر خطأ بشري- من المحتمل ألا يكون غريبًا، على الرغم من أنه لم يُحل بالكامل بعد.

سيقدم تلسكوب هابل في غضون بضعة أشهر بيانات أدق بكثير، ما سيسمح للفريقين بمراجعة نتائجهم مرة أخرى.

رغم أن تروجيو يعتقد أن قياسات المسافة التي أجراها فريق ييل غير صحيحة لأن المعايرة كانت خاطئة، إلا أنه يعتقد أيضًا أن هناك احتمالًا لوجود بعض الغرابة.

وقال: «أحب حقًا أن تكون المجرات في النهاية غريبة، لأن هذا يعني أن هناك شيئًا جديدًا يجب تعلمه».

اقرأ أيضًا:

المادة المظلمة – الأحجية الكونية التي حيرت العلماء

متى وأين ظهرت المادة المظلمة والطاقة المظلمة؟

ترجمة: سارة حسين

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: تسنيم الطيبي

المصدر