قبل حوالي 2500 سنة من ميلاد المسيح، كان أحد أكثر الأعمال إثارة حين سحبت إحدى شعوب العصر الحجري الحديث صخورًا ضخمة عبر الريف البريطاني لتجمعها في دائرة كبيرة. بغض النظر عن ضخامة هذه المهمة، فبعد 5000 سنة تقريبًا والمئات من الدراسات، ما نزال نجهل لماذا بنى شعب الجزر البريطانية في العصر الحجري الحديث هذا الصرح، وكيف، ونطلق عليه اليوم «معلم ستونهنج».

وُجدت بقايا دهون على شظايا فخار في «دورينغتون وولز»، وهو مكان قريب من الصرح، وقد نسب العلماء سابقًا تلك الآثار إلى نتيجة ولائم ضخمة، يلزم الكثير من أجل إطعام مئات الأشخاص المطلوبين لبناء معلمٍ كهذا.

لكن طرحت ليزا-ماري شيليتو Lisa-Marie Shillito، عالمة الآثار من جامعة نيوكاسل، نظرةً مختلفة عن تلك الآثار، واقترحت أن الدهون قد استخدمت لغرضٍ آخر، التشحيم.

إذ تشرح: «كنت مهتمة بالدرجة الاستثنائية للحفظ وكميات الدهون الكبيرة التي استرجعناها من الفخار».

لتضيف: «أردت أن أعلم أكثر حول سبب رؤيتها لهذه الكميات المرتفعة من دهن الخنزير في الفخار، في حين تظهر عظام الحيوان التي حُصل عليها في الموقع إلى أنها قد «شويت» بدل أن تقطع، وهذا الأمر الأخير هو ما تتوقعه إذا ما كانت قد طبخت في قدور».

دراسة تكشف عن الدور الذي لعبه شحم الخنزير في بناء معلم ستونهنج كيف ساعد استخدام دهن الخنزير في بناء صرح ستونهنج بناء قديم من العصر الحجري

الفرق مذهل في الحقيقة. تشرح الدراسة أن معدل الدهون في فخار دورينغتون وولز يفوق معدل وجود الدهون في الفخار الأثري العادي بسبعِ مرات. لكن هل كان الناس يأكلون كل تلك الدهون؟

تقول شيليتو في ورقة البحث: «بقايا الدهون المتعرّف عليها في «غروفد وار» من دورينغتون وولز فُسرت على أنها دليل لولائم واسعة الحجم مرتبطة ببناء معلم ستونهنج».

لكن تعود لتضيف: «تفسير بديل لم يأخذ اعتباره سابقًا يقترح أن تلك البقايا قد تكون مرتبطة باستخدامات غير غذائية للموارد الحيوانية، مثل ما نجده في صناعة الشحم الحيواني. تفسير كهذا قد يدعم نظرية «المزلجة المشحمة» التي تشرح نقل الصخور المغليثية في بناء معلم ستونهنج».

عندما يكون لديك صخور تزن طنين في المعدل وأنت لا تعيش في العصر الصناعي، سيتطلب الأمر بعض العبقرية من أجل نقل صخور موقعها الأصلي هو بلاد الغال إلى مكان بعيد مثل ويلتشاير.

على الرغم من وجود بعض النظريات المتنافسة حول ما إذا كانت الصخور أقرب إلى الموقع حين مرَّ عليه الشعب البريطاني في حقبة العصر الحجري الحديث، كان عليهم نقلها إلى مكان الصرح على كل حال. ربما ساعدهم بعض الشحم لإتمام ذلك.

نجد عددًا من الفرضيات المتنافسة حول طريقة نقل الصخور، لكن نظرية «المزلجة» التي ذكرتها شيليتو حصلت على بعض المصداقية في سنة 2016، إذ حاول بعض الباحثين تحريك صخور مشابهة في الحجم حول حديقة في لندن.

استخدموا في ذلك مزلجة خشبية وحبالًا من أجل سحب صخرة خرسانة حول «غوردون سكوار بارك» – مظهرين إمكانية استخدام هذه التقنية في نقل صخور معلم ستونهنج إلى موقعهم النهائي في ويلتشاير.

تظن شيليتو أن كميات الدهون المرتفعة المكتشفة في الفخار قد تعني استخدام شحم الخنزير من أجل تشحيم عملية النقل أثناء بناء الصرح، لكن تشير كذلك إلى أن هذا لا يعني أن الناس لم يتناولوا الشحم أيضًا.

إذ تكتب في هذا الشأن: «إنتاج الشحم الحيواني من أجل الحاجة إلى التزييت لا يعني إقصاء فكرة تناول الخنزير، وبالفعل ذلك قد يشكل صورة واحدة، منتج متعدد الوظائف يجمع كلًا من الاستخدامات الغذائية وغير الغذائية».

يبقى هذا النقاش بعيدًا عن الحسم؛ نحن متأكدون من الحصول على الكثير من الدراسات التي تناقش لغز بناء معلم ستونهنج. لكن حتى الآن، يبدو أن الخنزير قد لعب دوره المتواضع في القصة.

اقرأ أيضًا:

العلماء يكتشفون الأسرار القديمة لعلم الفلك التي ساعدت في بناء الأهرامات

سلسلة تاريخ الرياضيات الرياضيات في عصر ما قبل التاريخ

ترجمة: وليد سايس

تدقيق: عون حداد

المصدر