باستخدام تجارب بتقنيات وراثية أجريت على الفئران، صرح باحثون في جامعة جونز هوبكنز للطب Johns Hopkins Medicine أنهم تمكنوا من تحديد بروتينين يتحكمان بتشكل الخلايا المستشعرة للصوت في الأذن الداخلية عند الثدييات بدقة، والمعروفة باسم الخلايا المشعرة Hair cell. قد تشكل هذه البروتينات التي وُصفت في تقرير نُشر في 12 يونيو بمجلة eLife، مفتاحًا للعلاجات المستقبلية لاستعادة السمع لدى الأشخاص الذين يعانون من الصمم غير العكوس.

تقول الأستاذة المساعدة في علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز، أنجيليكا دويتلهوفر Angelika Doetzlhofer: «يبحث العلماء في هذا المجال منذ فترة طويلة عن الإشارات الجزيئية المحفزة لتكوين الخلايا المشعرة والتي تتحسس الصوت وتنقله». تضيف دويتلهوفر: «تلعب هذه الخلايا المستشعرة للصوت دورًا رئيسيًا في فقدان السمع، وسيساعدنا معرفة المزيد عن طريقة تطورها على اكتشاف طرق لاستبدال هذه الخلايا التالفة».

عند الثدييات، تنتقل الاهتزازات الصوتية عبر هيكل أجوف يشبه الصدفة ويسمى القوقعة cochlea، يوجد داخل القوقعة نوعان من الخلايا الكاشفة للصوت وهما الخلايا المشعرة الداخلية والخارجية، والتي تنقل بدورها المعلومات الصوتية إلى الدماغ.

ينتج نحو 90% من فقدان السمع الوراثي عن وجود مشاكل في الخلايا المشعرة أو نتيجة لتلف الأعصاب السمعية التي تربط هذه الخلايا المشعرة بالدماغ، ينشأ الصمم الناتج عن التعرض لضوضاء عالية أو بعض الإصابات الفيروسية عن تلف الخلايا المشعرة أيضًا.

على عكس نظرائها في الثدييات والطيور الأخرى، لا يمكن تجديد الخلايا المشعرة عند البشر، لذلك يرجح فقدان السمع بشكل دائم بمجرد تلف هذه الخلايا.

أدرك العلماء أن الخطوة الأولى في ولادة الخلايا المشعرة تبدأ في الجزء الأبعد من القوقعة الحلزونية. من هنا تبدأ الخلايا السليفة (خلايا جذعية) في التحول إلى خلايا مشعرة. ثم، مثل المشجعين الرياضيين الذين يؤدون “الموجة” في الملعب، تتحول هذه الخلايا السليفة على طول المسار الحلزوني للقوقعة إلى خلايا مشعرة من خلال موجة من التحوُّل تتوقف عندما تصل إلى الجزء الداخلي من القوقعة.

ومع معرفة أين تبدأ الخلايا المشعرة تطورها، بحثت دويتلهوفر وفريقها عن الإشارات الجزيئية التي كانت في المكان والوقت المناسبين أثناء التشكل في هذا المسار الحلزوني للقوقعة.

من بين البروتينات التي فحصها الباحثون، برز بروتينان، الأكتيفين A والفوليستاتين Follistatin. على طول هذا المسار الحلزوني، زادت مستويات الأكتيفين A حيث تتحول الخلايا السليفة إلى خلايا مشعرة، بينما يبدو أن للفوليستاتين سلوك معاكس للأكتيفين في الجانب المقابل A؛ فقد كانت مستوياته منخفضةً في الجزء الأبعد من القوقعة عندما بدأت الخلايا السليفة في التحول إلى خلايا مشعرة، وعالية في الجزء الأعمق من مسار القوقعة الحلزوني، ولم تبدأ الخلايا السليفة تحولها بعد. وبدا أن الأكتيفين A يتحرك بشكل موجة إلى الداخل، بينما تحرك الفوليستاتين بشكل موجة إلى الخارج.

الخلايا المشعرة الداخلية والخارجية في الأذن الداخلية

الخلايا المشعرة الداخلية والخارجية في الأذن الداخلية

تقول دويتلهوفر: «علمنا أن الأكتيفين A والفوليستاتين يعملان في الطبيعة بشكل متعاكس لتنظيم الخلايا»، وأضافت: «وهكذا، استنادًا إلى النتائج التي توصلنا إليها، مثل تلك المتعلقة بالأذن، فإن البروتينين يؤديان عملية موازنة على الخلايا السليفة للتحكم في التكوين المنظم للخلايا المشعرة على طول المسار الحلزوني القوقعة».

لمعرفة مدى تنسيق الأكتيفين A والفوليستاتين في تطور الخلايا المشعرة، درس الباحثون تأثيرات كل من البروتينين على حدة.

أولًا، زادوا مستويات الأكتيفين A في قوقعة الفئران العادية؛ تحولت الخلايا السليفة عند هذه الحيوانات إلى خلايا مشعرة بشكل مبكر جدًا ما تسبب في ظهور خلايا مشعرة قبل الأوان على طول المسار الحلزوني للقوقعة. أما في الفئران المعدَّلة لإنتاج كميات مفرطة الفوليستاتين أو عدم إنتاج الأكتيفين A على الإطلاق فقد تأخر تشكل الخلايا المشعرة، كما ظهرت هذه الخلايا غير منظمة ومتناثرة عبر صفوف متعددة داخل القوقعة.

تقول دويتلهوفر: «إن تواقت نشاط الأكتيفين A والفوليستاتين دقيق للغاية أثناء التطور؛ إذ يمكن لأي اضطراب أن يؤثر سلبًا على تنظيم القوقعة». ثم تكمل: «تشبه هذه العملية بناء منزل، فإذا لم يُوضع الأساس بشكل صحيح، فإن أي شيء مبني عليه سيتأثر».

بالبحث عن كثب عن سبب تشكل خلايا مشعرة غير منتظمة عند إفراط إنتاج الفوليستاتين، وجد الباحثون أن المستويات العالية من هذا البروتين تسببت في انقسام الخلايا السليفة بشكل متكرر جدًا ما أدى بدوره إلى تحويل المزيد منها إلى خلايا مشعرة داخلية بطريقة عشوائية.

نوهت دويتلهوفر أنه إضافةً لأهمية بحثها حول تطور الخلايا المستشعرة للصوت ، فإن له أيضًا تطبيقات ممكنة لعلاج الصمم الناجم عن الخلايا المشعرة التالفة: «نحن مهتمون بطريقة تطور هذه الخلايا لأنها لغز بيولوجي مهم»، وتقول: «نريد أيضًا استخدام تلك المعرفة لتحسين أو تطوير استراتيجيات علاجيةً جديدة لفقدان السمع».

دُعم البحث من قبل المعهد الوطني للصمم واضطرابات التواصل الأخرى وصندوق ديفيد روبينشتاين David M. Rubenstein للبحوث السمعية.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف ثلاث أنواع من الخلايا السمعيّة الجديدة

هل هناك علاقة بين فقر الدم و وجود نقص في السمع ؟

هل تعاني من صعوبة في السمع ؟ قد تكون المشكلة في دماغك و ليست في اذنيك

إكتشاف الجينات المسؤولة عن نمو الأذن الداخلية يمهد الطريق لاستعادة السمع والتوازن

ترجمة: بشر معلولي

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: آية فحماوي

المصدر