على بعد ما يقارب 10000 سنة ضوئية، بكوكبة قنطروس، يوجد سديم كوكبي يسمىNGC 5307. يُعد هذا السديم الكوكبي بقايا لنجم يشبه شمسنا، في الحالة النهائية التي وصل إليها والتي يمكن تسميتها بنهاية حياته. لا تجعلك تلك الصور التي يصدرها تلسكوب الفضاء هابل للسديمNGC 5307 متعجبًا من ماضي النجوم فقط، ولكنها تجعلك تتفكر مليًا بالنهاية التي سيؤول إليها نجمنا.

تُعد عملية تضخم النجم ووصوله إلى نهاية حياته، قصةً طويلة وبطيئة، تتخللها سلاسل من التغيرات الحادة والسريعة. ستنتهي حياة شمسنا تمامًا كما انتهت حياة النجم NGC 5307، إذ ستصبح عملاقًا أحمر، لتحرر طبقاتها الخارجية من الغاز.

في المستقبل وبعد عدة مليارات من السنين، ستصبح الشمس بحد ذاتها قزمًا أبيض، تضيء طبقات الغاز التي حررتها عندما تحولت لسديم كوكبي.

تعتبر شمسنا الآن بمرحلة التسلسل الرئيسي التي يُدمَج بها الهيدروجين لتحويله إلى هيليوم بنواتها الداخلية. ونتيجة لهذا الدمج، تُطلَق كميات ضخمة من الطاقة، للحفاظ على درجة حرارة الأرض، واستمرار الحياة فيها (في الواقع ليس الاندماج نفسه ما يتسبب في إنتاج معظم الحرارة؛ إنه تفاعل البروتون – بروتون المتسلسل).

لكن ما النجم سوى توازن بين الضغط الخارجي الناتج عن طاقة الاندماج والضغط الداخلي الناشئ عن قوى الجاذبية. يسمى هذا التوازن بالتوازن الهيدروستاتيكي، ويستحيل أن يستمر للأبد.

بتوالي الأزمنة، سنة تعقبها سنة وقرن يعقبه قرن وأدهر مديدة، تحافظ الشمس على دمج الهيدروجين وتحوله لهيليوم، وتطلق الحرارة وتفقد كتلتها. على الرغم من أن نجمًا مثل شمسنا قد يبدو مستقرًا ولا يتغير، فلا يوجد شيء في الطبيعة لا يتغير.

تدمج الشمس حوالي 600 مليون طن من الهيدروجين لتحوله إلى هيليوم في كل ثانية. بالإضافة إلى أنها تفقد من كتلتها على هيئة طاقة، وذلك تبعًا لمعادلة آينشتاين الشهيرة E=MC²، لأن كتلة الهيليوم الناتجة في ذلك الاندماج تكون أقل من كتلة الهيدروجين الداخل في التفاعل بنسبة 1%، ويتحول هذا النقص في الكتلة إلى طاقة وفقًا لمعادلة الكتلة والطاقة المذكورة سلفًا.

وتعد هذه الكمية كبيرةً. في الواقع، فقدت الشمس أثناء ال 4.5 مليار سنة الماضية من عمرها، قدرًا كبيرًا الكتلة بما يعادل كتلة كوكب المشتري.

سينتهي هذا التوازن في نهاية المطاف لأن الشمس ستفقد كتلتها، ما يجعلها عاجزةً عن إنشاء قوة جاذبية داخلية تعادل القوة الطاردة الخارجية للاندماج، وفي نهاية المطاف ستتوسع النجمة لتصبح عملاقًا أحمر.

وفقًا لعلماء الفلك، عندما تصبح شمسنا عملاقًا أحمر خلال ما يقارب 5 مليارات عام، ستتوسع بما يكفي لتبتلع عطارد والزهرة وربما الأرض.

لكن قبل هذا، سيزيد سطوع الشمس أكثر بمرتين تقريبًا، ما يعني تلقي الأرض قدرًا من الطاقة مشابهًا للذي يتلقاه كوكب الزهرة، وهذه ليست بشرى جيدة لاستمرار الحياة على الكوكب.

بعد مرحلة العملاق الأحمر، ستدخل الشمس مرحلة شبه العملاق الأحمر، وسيتضاعف حجمها على مدار نصف مليارعام. ومن ثم سيأتي نصف مليار عام آخر ليتضاعف حجمها مجددًا، وستصبح أكثر سطوعًا بما يقارب 2000 مرة.

وبتلك المرحلة ستكون الشمس ضخمةً وأكثر سطوعًا، تظهر باللون الأحمر، مبتلعةً الكواكب الداخلية في نظامنا الشمسي.

في تلك اللحظة ستعد الشمس من العمالقة الحمر، تملك نواةً خالصة من الهيليوم محاطة بطبقة من الهيدروجين. بعد مليارات السنين من الحياة المليئة بالنشاط والاندماجات النووية لن يتبقى لها من تلك الحياة سوى 100 مليون سنة، ولكن سيكون في تلك المدة المتبقية الكثير من النشاطات المضغوطة.

أولًا مرحلة وميض الهيليوم، إذ ستحرق الشمس 40% من كتلتها، عن طريق تحويل حوالي 6% من الهيليوم داخل نواتها إلى كربون، تعد تلك العملية سريعة جدًا فهي تستغرق بضع دقائق فقط. ولكنها تبعث الطاقة بمعدل يساوي مجرة درب التبانة بأكملها.

حصلنا للتو على لقطة جديدة لموت مذهل لإحدى النجوم التي تشبه شمسنا موت النجوم كيف تتشكل النجوم من السدم الإنفجار العظيم القزم الأبيض

مراحل تطور الشمس. (By Szczureq/ CC BY-SA 4.0)

بعد فقدان كل تلك الكتلة، ستتقلص بحوالي 10 أضعاف حجمها الحالي، ليقل سطوعها بما يقارب 50 ضعفًا. عند تلك اللحظة، ستستمر الشمس في حرق الهيليوم داخلها خلال المئة مليون عام القادم، لتصبح أكبر قليلًا وأكثر سطوعًا.

بعض السدم الكوكبية, (NASA/ESA/C.R. O'Dell/D. Thompson/Hubble Heritage Team/STScI/AURA)

بعض السدم الكوكبية, (NASA/ESA/C.R. O’Dell/D. Thompson/Hubble Heritage Team/STScI/AURA)

لكنها الآن تستهلك وقودها، وتستنزف الهيليوم بداخلها، وتفقد المزيد والمزيد من كتلتها. ليس بإمكان أي شيء إيقاف هذا، ستتوسع الشمس مرة أخرى كما فعلت عندما دخلت مرحلة العملاق الأحمر، لكن هذا التوسع سيكون أسرع بكثير.

أصبحت الأمور الآن متسارعة وغير مستقرة بشكل متزايد. تدخل شمسنا التي لا تُقهر مراحل الموت والنهاية مجددًا. إنها الآن في مرحلة تسمى عملاق مُقارب، والتي ستقضي في أطوارها المبكرة ما يقارب 20 مليون سنة.

تمتلك الآن نواةً معظمها من الكربون والأكسجين، ومقذوفات ناتجة عن اندماج الهيليوم لإنتاج المزيد والمزيد من الكربون ومقذوفات أخرى ناتجة عن تحول الهيدروجين إلى هيليوم، فإن العديد من الأشياء تحدث هناك.

ستحدث سلسلة من التذبذبات في النبضات الحرارية وفقدان الكتلة. تستمر كل نبضة من تلك النبضات لمئة عام فقط، ومع كل نبضة كهذه تتوسع الشمس وتصبح أكثر إشراقًا، وستكون كل نبضة أقوى من تلك التي سبقتها. تستمر هذه الفترة 100,000 سنة.

وفقًا للحسابات فقد تتعرض شمسنا لأربع من تلك النبضات فقط بالقرب من نهاية حياتها. بعد أن تنتهي تلك النبضات، تهدأ الشمس، فلنقول إنها الآن قد أصبحت ميتةً أو على الأقل في غيبوبة.

حررت تلك النبضات طبقاتها الخارجية ملقيةً بها إلى الخارج وأصبحت قزمًا، أبيض تُقدَر كتلتها بنصف كتلة الشمس الأصلية.

ماتت الشمس بسبب استنفاذ وقودها من الاندماج. فهي الآن قزم أبيض، تنبعث منه الطاقة المخزنة فقط، مكون من مادة شديدة الكثافة متحللة محملة بالإلكترونات ولا يمكنه إحداث أي اندماج.

قزم أبيض، ولكنه ما زال مشرقًا، والطاقة التي تنبعث منه تضرب طبقات الغاز الملقاة سلفًا نتيجة لنبضاتها الحرارية، فتؤين الغاز وتضيئه. وتصبح شمسنا سديمًا كوكبيًا، وهذا يعيدنا للسديم الكوكبي NGC 5307.

يمثل السديم NGC 5307 لمحةً عن مستقبل الشمس. ستكون شمسنا يومًا ما تمامًا مثل ذلك السديم، بعد مليارات السنين من الآن، ستتحول الشمس لمجرد بقايا من مجدها السابق (أي كرة البلازما التي وهبت لنا الحياة).

على الرغم من إعطائه اسم السديم الكوكبي، فلن تكون هناك أية كواكب بقربه، إذ إنها ستُدَمر بالكامل خلال فترة التوسعات. لن يكون هناك سوى الغاز، الغاز فقط.

السديم الكوكبي NGC 5307, مع قزمه الاأبيض. (NASA/ESA/Hubble)

السديم الكوكبي NGC 5307, مع قزمه الاأبيض. (NASA/ESA/Hubble)

ولكن حتى الغاز سينتهي في النهاية، سيبتعد عن النجم ويبرد. وبعد حوالي 10000 آلاف سنة من كونها سديمًا كوكبيًا، ستستمر الشمس بمثابة قزم أبيض ضعيف لمدة تريليونات من السنين.

بعد ذلك وفقًا للنظرية، ستصبح الشمس قزمًا أسود، سيبرد بالكامل ولن تنبعث منه أي طاقة. ولكن تظل النظرية نظريةً لأننا لم نرصد أية أقزام سوداء في الواقع، يستغرق النجم وقتًا لكي يصل لتلك الحالة، فالمدة التي يحتاجها النجم ليتطور إليها أكبر من عمر الكون نفسه.

ما زال لدى الغاز المطرود من السديم الكوكبي دور لينفذه. أنتجت الشمس خلال الفوضى الحادثة نتيجةً لمرورها بمراحلها التطورية الأخيرة، عناصر أثقل من الهيدروجين والهيليوم بواسطة عملية التخليق النووي النجمي.

ستُرسَل هذه العناصر إلى الفضاء، لتُستخدم في عمليات تشكيل نجمي أخرى، وستُثري النجم التالي الذي سيُولد، والكواكب التي قد تتشكل حول هذا النجم المستقبلي.

يعد إطلاق اسم سديم الكواكب على تلك الأجرام خطأً فادحًا ناتجًا من ماضي علم الفلك، فإن الكواكب لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بتلك السدم الناشئة.

لكنها سُميت بهذا الاسم لأن علماء الفلك القدامى عندما راقبوا تلك الأجسام من خلال التلسكوبات المتاحة آنذاك لاحظوا أنها أشكال مستديرة مفترضين أنها كواكب.

نحن نعرف الآن أن تلك التسمية خاطئة، نحن نعرف الآن ما هي تلك السدم وكيف تكونت، فكل واحدة منها تمثل لقطةً تلخص مليارات السنين التي استغرقتها للوصول إلى هذه الحالة، وعلى الرغم من أن تلك الأجرام لم تُرصد بالعين المجردة، فإنها تمثل مصير شمسنا النهائي.

ملاحظة للقارئ: هناك قدر هائل من التفاصيل في الحياة والموت النهائي للنجوم. فعند القول إن دمج الهيدروجين مع الهيليوم يطلق حرارةً، يوجد العديد والعديد من الاستخدامات لمثل هذا القول في أكثر من موضع.

إذا كنت تريد أن تعرف المزيد عن حياة وموت النجوم، عليك بقراءة «حياة وموت النجوم» بقلم كنيثير لانج أستاذ علم الفلك بجامعة تافتس، فهو يشرح بشكل ممتاز كل التفاصيل على أكمل وجه.

اقرأ أيضًا:

الأقزام البيضاء ؛ جثث النجوم المنكمشة

أنواع النجوم.. كيف تصنف النجوم ؟

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: آية فحماوي

المصدر