الأنواع الفرعية لعوز المناعة البشري – أحد عوائق علاج فيروس عوز المناعة البشري هو تنوعه الجيني. ينقسم فيروس HIV إلى نوعين أساسيين، عوز المناعة من النوع 1 (HIV-1) و عوز المناعة من النوع 2 (HIV-2). يتعلق النوع اﻷول بالفيروسات الموجودة عند قرود الشمبانزي والغوريلات التي تعيش في غرب أفريقيا، بينما يرتبط النوع الثاني بالفيروسات الموجودة عند قرود سوتي مانغابي Sooty Mangabey.

يمكن تقسيم فيروسات HIV-1 إلى عدة مجموعات. تُعد المجموعة M من النوع 1 المجموعة السائدة والمسؤولة عن وباء فقدان المناعة المكتسبة AIDS، يمكن تقسيم المجموعة M إلى أنواع فرعية بناءً على تسلسل البيانات الجينية. تُعرف بعض اﻷنواع بكونها أكثر خبثًا أو مقاومة للأدوية.
بطريقة مماثلة، يُعتَقد أن فيروسات HIV-2 أقل ضررًا وأقل قابلية للانتقال من المجموعة M من HIV-1، رغم أن النوع الثاني معروف بكونه يسبب داء فقدان المناعة المكتسبة أيضًا.

المجموعات اﻷساسية

النوع اﻷول HIV-1

يُعد HIV-1 أكثر سلالات الفيروس المُمرِضَة انتشارًا. يقسّم العلماء هذا النوع إلى مجموعة أساسية (المجموعة M) واثنين أو أكثر من المجموعات الثانوية، يطلق عليها المجموعة N، المجموعة O وربما مجموعة P. يُعتَقد أن كل واحدة من هذه المجموعات تمثل انتقالًا مُستَقِّلًا لفيروس نقص المناعة سيميان (SIV) للبشر (لكن اﻷنواع الفرعية في نفس المجموعة لا تفعل ذلك). عُثِر على ما مجموعه 39 إطار قراءة مفتوح-OFR في إطارات القراءة (RF) الستّة الممكنة في التسلسل الجيني الكامل لفيروس HIV-1.

المجموعة M

يعود الحرف M على كلمة Major أو أساسي، وذلك ﻷن هذه المجموعة هي اﻷكثر انتشارًا من فيروسات HIV، فهي تسبب 90% من حالات الإيدز. كان هذا الفيروس اﻷساسي من نوع HIV مصدر تفشي أوبئة ما قبل 1960 والتي نشأت في عشرينيات القرن العشرين في ليوبودفيل Leopodville، الكونغو البلجيكية، والمعروفة اليوم بكينشاسا Kinshasa، عاصمة جمهورية الكونغو الديموقراطية. تنقسم المجموعة M إلى عدة أطوار، تسمى أنواع فرعية، تحصل بدورها على أحد الحروف. نجد أيضًا «اﻷشكال المركبة المنتشرة» Circulating recombinant forms أو CRFs المشتقة بإعادة التركيب recombination (أو التهجين) بين فيروسات من أنواع فرعية مختلفة، يحصل كل منها على رقم.

CRF12_BF على سبيل المثال، هو فيروس هجين بين النوعين الفرعيين B و F.

  • النوع الفرعي A هو النوع الشائع بأفريقيا الشرقية.
  • النوع الفرعي B هو الشكل السائد في أوروبا، اﻷمريكيتين، اليابان وأستراليا. إضافة إلى ذلك، يعتبر هذا الشكل شائعًا أيضًا في الشرق اﻷوسط وشمال أفريقيا. وصدِّر من أفريقيا عندما زار خبراء هايتيون كينشاسا في ستينيات القرن الماضي، وأعادوه معهم إلى هايتي سنة 1964.
  • النوع الفرعي C هو الشكل الشائع في جنوب أفريقيا، شرق أفريقيا، الهند، نيبال وأجزاء من الصين.
  • النوع الفرعي D يوجد عادةً فقط في شرق ووسط أفريقيا.
  • النوع الفرعي E عُثِر عليه في الجنوب الشرقي من آسيا، وهو النوع الشائع عند المغايرين جنسيًّا نظرًا لأن معدل انتقاله أعلى بكثير من أغلب اﻷنواع الفرعية اﻷخرى.
  • النوع الفرعي F عُثر عليه في أفريقيا الوسطى، أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية.
  • النوع الفرعي G (المسمى أيضًا CRF02_AG) وعُثر عليه في أفريقيا وأوروبا الوسطى.
  • النوع الفرعي H يقتصر على أفريقيا الوسطى.
  • النوع الفرعي I كان يستعمل في اﻷصل لوصف سلاسة تسمى اﻵن CRF04_cpx إذ يرمز cpx إلى complex-معقد (تهجين معقد بين عدة أنواع فرعية).
  • النوع الفرعي J وُجِد مبدئيا في شمال، وسط وغرب أفريقيا، و منطقة البحر الكاريبي.
  • النوع الفرعي K ينحصر في جمهورية الكونغو الديموقراطية والكاميرون.
  • النوع الفرعي L ينحصر في جمهورية الكونغو الديموقراطية.

انتشرت هذه الفيروسات جغرافيًّا عبر السكك الحديدة والمجاري المائية في جمهورية الكونغو الديموقراطية من كينشاسا إلى أماكن أخرى. تنقسم هذه اﻷنواع الفرعية أحيانا إلى أنواع تحت فرعية (sub-subtypes) مثل A1 و A2 أو F1 و F2.

سنة 2015، اكتُشِف أن السلالة CRF19، المركبة من النوع الفرعي A، النوع الفرعي D والنوع الفرعي G، مع إنزيم البروتياز-protease للنوع الفرعي D، مسؤولة بشكل كبير عن الانتشار السريع للإيدز في كوبا. ﻻ يُعتَقد أن هذه اللائحة كاملة، ومن المحتمل جدًّا أن تُضاف إليها أنواع فرعية جديدة ﻻحقًا.

المجموعة N

يعود حرف N على «non-M, non-O المخالفة للمجموعة M والمجموعة O». عُثِر على هذه المجموعة من طرف فريق فرنسي-كاميروني عام 1998، عندما عَرَّفوا وعزلوا السلاسة المتغيرة لفيروس HIV-1، المسماة YBF380، عند امرأة كاميرونية توفيت سنة 1995 بمضاعفات الإيدز. عند الاختبار، تفاعل المتغير YBF380 مع مُستضد غلافي-Envelope antigen من فيروس نقص المناعة سيميان المنقول من الشمبانزي-SIVcpz بدل مُستَضدات المجموعة M أو O، ما يدل بالفعل على انها سلاسة جديدة من HIV-1. بحلول سنة 2015، سُجِّلت أقل من 20 حالة عدوى من المجموعة N.

المجموعة O

أصابت المجموعة O (ناشز-Outlier)، حوالي 100 ألف فرد في غرب وسط أفريقيا، وﻻ تُرى هذه اﻷخيرة عادة خارج هذه المنقطة. تنتشر المجموعة بشكل أكثر شيوعا في الكاميرون، عندما عثرت بعثة سنة 1997 على أن نحو 2% من المصابين بفيروس نقص المناعة هم من المجموعة O. تثير هذه المجموعة القلق نظرا لصعوبة الكشف عنها بالنماذج الأولى من أدوات الفحص. أُنتجت فيما بعد أدوار أكثر تطورًا للكشف عن كُلٍّ من المجموعة O و N.

المجموعة P

سنة 2009، أُبلغ عن أن أحد تسلسلات HIV التي جرى تحليلها حديثا، تشبه أحد فيروسات نقص المناعة سيميان المكتشفة عند الغوريلات SIVgor أكثر من نظيرتها المكتشفة عند الشمبانزي SIVcpz. عُزل الفيروس عند إحدى النساء الكاميرونيات القاطنات بفرنسا والتي شُخِّصت إصابتها بفيروس HIV-1 سنة 2004.
خَصَّص العلماء مجموعة جديدة لهذا التسلسل أطلقوا عليها الحرف P (في انتظار العثور على حالات بشرية جديدة).

النوع الثاني HIV-2

لم يُعثر بشكل كبير على هذا النوع خارج أفريقيا. كانت أولى حالات الإصابة في الولايات المتحدة سنة 1987. تعتبر العديد من أدوات الاختبار للنوع اﻷول قادرة على الكشف عن النوع الثاني كذلك.

بحلول عام 2010، جرى تعريف 8 مجموعات من الصنف الثاني من الفيروس (من A إلى H). تعتبر مجموعتان فقط منها متفشية (A و B). تتواجد المجموعة A بشكل أساسي في غرب أفريقيا، لكنها انتشرت في جميع أنحاء العالم نحو الموزمبيق، أنغولا، البرازيل، الهند، أوروبا والولايات المتحدة. رغم وجود النوع الثاني في كل بقاع العالم، فالمجموعة B منحصرة في غرب أفريقيا. رغم الانحصار النسبي للنوع الثاني، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند جميع المرضى الذين يُظْهِرُون أعراض فيروس نقص المناعة، وليس فقط أولئك القادمين من غرب أفريقيا، بل أي شخص تعرض لأي شكل من أشكال تبادل السوائل الجسدية مع شخص آخر من غرب أفريقيا (كمشاركة الإبر، الاتصال الجنسي، الخ).

يرتبط الصنف الثاني من HIV بفيروس نقص المناعة سيميان المستوطن لقرود سوتي مانجابي (SIVsmm)، وهم فصيلة من القردة تستوطن غابات غرب أفريقيا الساحلية. أفرز تحليل النشوء والتطور أن الفيروس المرتبط بشكل قريب من السلالتين المنتشرتين بشدة عند البشر (HIV-2 المجموعة A و B) هو SIVsmm الموجود عند سوتي مانجابي الذين يستوطنون غابة تاي-Tai غرب ساحل العاج.

توجد ست مجموعات إضافية معروفة من HIV-2، كل منها عُثِر عليه في شخص واحد. يبدو أنها انتقلت جميعا بشكل مستقل من سوتي مانجابي إلى البشر. عُثِر على المجموعتين C و D عند شخصين من ليبيريا، بينما وجدت المجموعتان E و F عند شخصين من سيرا ليون، وأخيرا اكتُشِفت المجموعتان G و H عند شخصين من ساحل العاج. كل واحدة من هذه السلالات، والتي يعد الإنسان غالبًا نهاية مسدودة في حلقة المضيفين بالنسبة لها، ترتبط بشكل كبير بسلاسلات SIVsmm المنتشرة عند سوتي مانجابي الذي يعيش في نفس الدولة التي وجدت فيها حالات العدوى عند البشر.

التشخيص

يمكن تشخيص النوع الثاني من فيروس HIV عندما ﻻ تظهر عند المريض أي أعراض باستثناء فحص دم إيجابي يشير إلى أن الشخص مصاب بفيروس HIV. الفحص السريع متعدد النقط لفيروس HIV-1/HIV-2 هو الاختبار الوحيد المصادق عليه من إدارة الغذاء والدواء للتفريق بين النوعين. يوصى دائمًا باستعمال الفحص المناعي للأنزيم، والذي يكشف عن النوع اﻷول، المجموعة O من النوع اﻷول والنوع الثاني. عند تصوير المزيج، إذا أظهر الفحص نتيجة إيجابية مصحوبة باللطخة المناعية-Immunoblot (لطخة ويسترن-Westen Blot)، يتوجب القيام بفحص إضافي للمتابعة، كتحليل اﻷحماض اﻵمينية لتحديد نوع العدوى المسؤول عن المرض. وفقًا للمؤسسة الوطنية للصحة-NIH، يجب أخذ التشخيص التفريقي لفيروس HIV-2 بعين الاعتبار عندما يكون الشخص منحدرا من غرب أفريقيا أو أقام اتصالا جنسيا او شارك الإبر مع شخص من هذه المنطقة. يواجه غرب أفريقيا الخطر اﻷكبر باعتباره مصدر الفيروس.

العلاج

يعتبر النوع الثاني مُمْرِضا بشكل أقل حدة من النوع اﻷول. لم يُعرف ميكانيزمه بوضوح، وﻻ الفرق بينه وبين النوع اﻷول، غير أن معدل انتقاله منخفض بشكل كبير مقارنة بفيروس HIV-1. يمكن أن يقود كلاهما إلى الإصابة بالإيدز وحتى تطوير مقاومة للأدوية. يتضمن رصد المرض عند المرضى المصابين بالنوع الثاني تقييما سريريًّا وتعداد خلايا CD4، بينما يتضمن العلاج استعمال مكافحات الفيروسات، مثبط البروتياز-Protease inhibitor، مثبطات النسخ العكسي النيكليوسيدية-Nucleoside Reverse Transcriptase Inhibitors (NRTIs)، مثبطات النسخ العكسي اللانيكليوزيدية-Non-Nucleoside Reverse Transcriptase (NNRTIs) بإضافة مضادات المستقبلات المشتركة لخلايا CCR5 وخلط المثبطات.

لم يُحدد بعد اختيار العلاج اﻷولي أو/و علاج الخط الثاني لفيروس HIV-2. أبدى هذا اﻷخير مقاومة لجوهر العلاج بتقنية NNRTIs، لكنه بالمقابل قد يكون حساسًا للعلاج باستخدام NRTIs، رغم أن فهمنا للميكانيزم ما زال ضعيفًا. أظهرت مثبطات البروتياز تأثيرات مختلفة، بينما ما زالت مثبطات الأنزيم المدمج قيد الاختبار. لم يتجاوز خلط التقنيات أعلاه مرحلة التجربة أيضًا، بإظهاره تأثيرات مختلفة باختلاف العلاجات التي جرى دمجها. بينما ما تزال الميكانيزمات غير مفهومة للنوعين، فإنه من المعروف أنهما يستخدمان أنماط مختلفة، ما يجعل الخوارزميات المستعملة لتقييم مقاومة النوع اﻷول دون فائدة لتقييم النوع الثاني.

يمكن أن ينتقل كل فيروس بشكل فردي أو بشكل جماعي (co-infection). يسبب فيروس HIV-2 معدل أقل من الوفيات، أعراض أقل حدة وفرضة أقل للإصابة بالإيدز من النوع اﻷول وحده أو الإصابة الجماعية. غير أنه على إثر هذه الأخيرة، يعتمد اﻷمر على نوع الفيروس الذي أصاب الشخص أولا. يميل الصنف اﻷول من HIV إلى التحكم بتقدم المرض أكثر من الصنف الثاني. أصبحت الإصابة الجماعية تبدو مشكلة متنامية مع مرور الوقت، باعتبار أغلب حالات العدوى متواجدة بدول غرب أفريقيا، إضافة لبعض الحالات بالولايات المتحدة.

الحمل

عند تعرض امرأة حامل للفيروس، تخضع للتصوير بشكل طبيعي. إذا كان فحص فيروس HIV-2 إيجابيًّا، قد تخضع اﻷم لعلاج بمضادات الفيروسات (ART) كإجراء وقائي لتقليل خطر الانتقال من اﻷم للجنين. بعد الولادة، يتبع الطفل نظاما من الأدوية الوقائية. قد يحتوي حليب الثدي على الفيروس أيضًا، وعليه فإنه ينصح باجتناب الرضاعة الطبيعية بشكل كامل.

التطور

يعود التطور السريع لفيروس نقص المناعة إلى معدل الطفرات العالي لديه. في المراحل اﻷولى من التحول، يبدو هذا محايدا نظرا لعدم تواجد أي إجابة تطورية. ومع ذلك، عند فحص الفيروس عند عدد من اﻷفراد، يمكن العثور على طفرات متقاربة بشكل مستقل في هذه البيئات الفيروسية.

يؤثر تطور HIV عند المضيف على عدة عوامل منها نقطة ضبط الحمولة الفيروسية. إذا كان للفيروس نقطة ضبط منخفضة، يعيش المضيف لفترة أطول، وعندها يكون يزداد احتمال نقله لشخص آخر. إذا امتلك الفيروس نقطة ضبط مرتفعة، يعيش المضيف فترة قصيرة ويكون احتمال انتقاله لشخص آخر ضئيلا. تطور فيروس HIV لرفع معدل انتقاله لمضيفين آخرين، وقد أظهر تفضيله في اختيار سلالات متوسطة أن الفيروس يخضع لانتخاب مستقر.

تطور الفيروس أيضًا ليصبح معديا بشكل أكبر بين المضيفين. يتوفر الفيروس على ثلاثة ميكانيزمات تسمح له بالتطور عند أعداد بمستوى ساكنة. يتضمن اﻷول معركة مستمرة للتطور والتفوق على نظام المناعة ما يبطئ عملية التطور ويجُرُّ تركيز الفيروس نحو أعداد بمستوى الساكنة. يتضمن الثاني التطور البطيء للحمولة الفيروسية نظرًا لكون طفرات الحمولة محايدة داخل المضيف. بينما يركز اﻷخير على تفضيل الفيروس نَقْلَ سلالة الفيروس اﻷم (المُؤَسِّس) المُخَزَّنة عند المراحل اﻷولى من العدوى. يشرح هذا التفضيل سبب تطور فيروس HIV بشكل أسرع داخل المضيف نفسه من تطوره بين عدة مضيفين.

يتطور الفيروس حاليًّا إلى شكل أقل عدوانية لكن فرصة تحوله إلى فيروس غير مميت ما زالت بعيدة المنال.

الطفرات المقاومة للأدوية

طورت عدة سلالات معزولة من HIV-1 و HIV-2 مقاومة لكابحات الفيروسات نتيجة الانتخاب الطبيعي والطفرات الجينية، والتي خضعت للمتابعة والتحليل. تنشر كل من قاعدة بيانات ستانفورد لفيروس عوز المناعة المقاوم للأدوية والجمعية العالمية للإيدز لائحة لأهم هذه الطفرات. نُشِر في السنة اﻷولى ﻻئحة من 80 طفرة شائعة، بينما احتوت ﻻئحة السنة الماضية 93 طفرة، يمكن الوصول إلى هذه اللوائح عبر قاعدة بيانات ستانفورد لفيروس HIV وتسلسل البروتييز.

ترجمة حمزة جبار – تدقيق علي قاسم

المصدر