التفوق الكمي

التفوق الكمي هو الطفرة المتمثلة في القدرة على حل مشكلة يبدو أنها مستحيلة الحل حتى بالنسبة لأكبر حاسوب عملاق.

هل نظرت يومًا إلى مسألة رياضية أثناء جلوسك في الصف وهززت رأسك مباشرة قائلًا بلهجة تملؤها الثقة: «هذه مسألة مستحيلة الحل!»؟ إن فعلت فمرحبًا بك على متن السفينة وإن لم تفعل ففي الغالب لم تكن حصة الرياضيات خاصتك صعبةً بما يكفي.

على كل حال، فكر في تلك المسألة الرياضية المستعصية. حاولت حلها مرات ومرات، أخرجت من جعبتك الرياضية كل الحيل والنظريات، ومع ذلك فشلت في حلها. دعنا نفترض أنك امتلكت حاسوبًا فائقًا، غذيته بالمسألة المستعصية، وفي غضون ثوانٍ معدودة عرض الحل على شاشته تاركًا إياك فاغرًا فاك في حالة من الذهول. حسنًا، هذا هو شعور الحواسيب الفائقة أمام الحواسيب الكمية.

التفوق الكمي: عندما تتخطى الحواسيب حدود قدراتها - الحاسوب الكمي - التراكب الكمومي - ما هو التفوق الكمومي - كيف ستكون الحواسيب في المستقبل

نظريًا يستطيع الحاسب الكمي حل مسائل رياضية معقدة، كانت لتستغرق آلاف السنين لحلها بواسطة الحواسيب الفائقة، في غضون دقائق عدة. هذه الثورة في القدرة على حل مسألة يبدو أنها مستحيلة الحل حتى بالنسبة لأكبر حاسوب عملاق تسمى بالتفوق الكمي.

تستطيع الحواسيب الكمية حل أكبر المسائل المستعصية التي واجهتها البشرية

الحاسوب الكمي

يعتمد الحاسوب الكمي في عمله على قوانين ميكانيكا الكم. الأجهزة الحاسوبية (من أصغر جهاز كهاتفك المحمول وحتى حاسوب فائق بحجم غرفة) لديها هدف رئيسي وهو تخزين ومعالجة البيانات.

تخزن الحواسيب التقليدية عادةً المعلومات بصورة بتات توجد في حالة ثنائية إما صفر أو واحد. تُعالَج البيانات بشكل رئيسي بتعديل حالة هذه البتات من الصفر والواحد. على الجانب المقابل، للحواسيب الكمية نفس الوظيفة مع فارق جوهري؛ أنها تخزن وتعالج البيانات باستغلال خواص ميكانيكا الكم، مثل التراكب والتشابك الكميَين.

في الحواسيب الكمية تخزن البيانات في صورة بتات كمية، تُختصر عادةً إلى كيوبتات. بفضل خاصية التراكب يمكن للكيوبت أن يوجد في حالة الصفر والواحد في نفس الوقت، بخلاف البت التقليدي، ويمكنه أن يتشابك مع كيوبت آخر ويكونان معًا نظامًا؛ إذ يمكن أن يوجد كيوبتان على طرفين متقابلين من الكون ويحتفظا بعلاقة قوية مع بعضهما البعض.

دعونا نحاول أن نبسط هذا المفهوم قليلًا.

التراكب

في حالة دوران عملة معدنية حول حوافها فإنها تكون ظهرًا أو وجهًا في نفس الوقت.

يمكن أن نشبه البت بالعملة المعدنية إذ تمتلك قيمة واحدةً في وقت ما، إما صفر (ظهر) أو واحد (وجه)، بعكس الكيوبت الذي يمكن تشبيهه بعملة معدنية دائمة الدوران لا يمكن أن تستقر على جانب واحد. أثناء الدوران، لا يمكنك الجزم بحالة العملة إن كانت ظهرًا أو وجهًا، ولكن هي في الحالتين معًا في نفس الوقت.

لذلك يستطيع الكيوبت أن يخزن الحالتين (الصفر والواحد) في نفس الوقت، وهو ما يعرف بالتراكب.

التشابك الكمي

تخيل الآن أن عملتين تعرضان دومًا نتائج مترابطة، إما نفس النتيجة أو النتيجة المعاكسة تمامًا. إذا أظهرت عملة (أ) الوجه فإن عملة (ب) تظهر الوجه تلقائيًا. أو، إذا اربطت العملتان عكسيًا وأظهرت عملة (أ) الوجه فإن عملة (ب) تظهر الظهر تلقائيًا.

تسمى خاصية الجسيمات الكمية بالتشابك مع بعضها والتصرف على شكل نظام قوي مترابط، حتى على مسافات كونية شاسعة بالتشابك الكمي. وصف آينشتين هذه الخاصية «بالعمل الشبحي عن بعد».

عمل شبحي عن بعد

تُستعمل هذه الخصائص الكمية الشبحية لإجراء بعض من أعقد الحسابات على الحواسيب الكمية يوميًا. لذلك، دعونا نتساءل، ما هي تلك الحسابات الغريبة التي تبدو مستعصيةً حتى على أكبر الحواسيب الفائقة؟

خوارزمية شور

تُعد خوارزمية شور إحدى أشهر الأمثلة، التي تستطيع -نظريًا- فك تشفير معظم أنظمة التشفير الحديثة. عندما نقول «نظريًا» فذلك لسبب وجيه وهو أنها ليست سهلة كما تبدو على الإطلاق. قبل أن نخوض في تفاصيل خوارزمية شور، دعونا نحاول فهم أساسيات التشفير قليلًا، على الأقل بما يكفينا لإثبات نجاعة خوارزمية شور. ببساطة، التشفير ما هو إلا وسيلة للتمويه عن طريق إظهار المعلومات بطريقة تمنع الأعين المتلصصة من فهم محتواها أو معناها الحقيقي.

التفوق الكمي: عندما تتخطى الحواسيب حدود قدراتها - الحاسوب الكمي - التراكب الكمومي - ما هو التفوق الكمومي - كيف ستكون الحواسيب في المستقبل

يجعل التشفير معلوماتك غير مقروءة لمن يحاول التجسس عليك.

دعنا نشرح الأمر بمثال، لنقل أن العميل السري المعروف جيمس بوند سرق بعض الملفات المهمة من مخبأ جولدفينجر السري والآن يريد نقلها الى M، قبل الشروع في عملية النقل، نقل بوند الملفات برقم سري يزيد طوله عن الـ 500 رقم. لكي تتمكن M من فك التشفير، تحتاج إلى مفتاح والذي يتكون من العوامل الأولية لهذا الرقم التخيلي.

نعلم جميعًا كيف نحلل رقمًا لعوامله الأولية من دروس الرياضيات في المدرسة، ولكننا لم نتعامل إلا مع أرقام مكونة من خانتين أو ثلاث على الأكثر. تحليل رقم من 500 خانة إلى عوامله الأولية مهمة شاقة جدًا! لكسر القفل الذي وضعه بوند على الملفات عليك أن تجرب كل رقم أولي للقفل المكون من 500 خانة.

دعني أختصر عليك الوقت وأخبرك أن المهمة مستحيلة. حتى بالنسبة لكمبيوتر فائق يخمن الأرقام بشكل عشوائي، سيستغرق الأمر آلاف السنين لإحراز أي نجاح في كسر ذلك القفل.

إذن ما الذي تفعله خوارزمية شور؟ ببساطة، هي تزيد من دقة التخمين. لنفترض أن الحاسب خمن الرقم 7، ربما يكون الرقم عاملًا أوليًا أو لا، تُستعمل هذه المعلومة في خوارزمية شور لتخمين الرقم التالي بشكل أكثر دقة، والذي ربما يكون رقمًا أوليًا.

ما تزال العملية تعاقبية، أليس كذلك؟ بلى، ولكن مع فارق كبير، يمكننا باستعمال خوارزمية شور اختصار 75% من الوقت الأصلي. ما كان يستغرق ألفي عام لإتمامه أصبح يستغرق خمس مئة سنة فقط. لا يبدو الرقم جيدًا؟ انظر للنصف الممتلئ من الكوب، وفرنا 75% من الوقت.

التراكب الكمي

لم يقصد بيتر شور أن تُستعمل خوارزميته لمدة 300 عام بواسطة حاسوب فائق بحثًا عن رقم أولي، بل كانت جزءًا من بحث في معامل بيل وAT&T لحل مشاكل رياضية معقدة.

تخيل شور أنه في المستقبل البعيد جدًا ربما يصمم البشر حاسوبًا قويًا بما فيه الكفاية لتنفيذ خوارزميته في زمن معقول. في اليوم الذي سيتمكن فيه الحاسوب الكمي من حل مشكلة رياضية معقدة كخوارزمية شور، التي يستحيل حلها بالتكنولوجيا الحالية، ستتحقق حالة التفوق الكمي.

تتحقق حالة التفوق الكمي عندما يتمكن الحاسوب من حل مشكلة رياضية معقدة لم يكن ممكنًا حلها بالحاسوب الفائق.

مع زيادة الشركات التي تخصص موارد معتبرة لتطوير الحاسوب الكمي مثل جوجل و IBM، ربما يكون حلم الحاسوب الكمي ليس بعيدًا كما افترضه شور. في الواقع، يُشاع أن جوجل حققت التفوق الكمي الشهر الماضي بحل مسألة رياضية معقدة أسرع من أسرع كمبيوتر فائق تقليدي. بينما كان متوقعًا أن يستغرق حاسوب فائق 10000 سنة لحل المسألة، تمكن كمبيوتر جوجل من حلها في غضون ثلاث دقائق و21 ثانيةً.

حقق حاسوب جوجل الكمي حالة التفوق الكمي!

يُعد إنجاز جوجل مبهرًا بحق، إذ تعد هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها حاسوب كمي من حل مشكلة لم يتمكن الحاسوب التقليدي من حلها. مع ذلك، بُني حاسوب جوجل لحل هذه المسألة المعقدة المتفردة المصممة خصيصًا لاختبار قدرة الحاسوب الكمي.

التفوق الكمي: عندما تتخطى الحواسيب حدود قدراتها - الحاسوب الكمي - التراكب الكمومي - ما هو التفوق الكمومي - كيف ستكون الحواسيب في المستقبل

أهمية هذه الحقيقة بسيطة: حل تلك المشكلة ليس له تطبيقات عملية، ولكنها بمثابة إثبات لفرضية تكنولوجيات ستوجد في المستقبل القريب وتحل مشاكل عملية كخوارزمية شور.

علاوة على ذلك، لا يعني حل خوارزمية شور بالضرورة نهاية كل أنواع التشفير. امتلاك مفتاح لفك شفرة أي قفل لا يعني أننا لن نصمم أقفال أفضل.
من الممكن أن ينشأ التشفير الكمي بواسطة الحواسيب الكمية المستقبلية التي تحقق التفوق الكمي، والتي ستكون أكثر أمانًا وعندها ستكون خوارزمية شور مجرد فكرة نظرية عفى عليها الزمن.

اقرأ أيضًا:

الحواسيب الكمية تنافس على التفوق

الحواسيب الكمية تحل مشاكل لايمكن للحواسيب التقليدية حلها

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: عون حداد

مراجعة: آية فحماوي

المصدر