كيف تحسن الإشارات غير اللغوية قدراتك الإقناعية؟ تُثبت الأبحاث أن الأمر لا يتعلق فقط بما تقوله بل بكيفية قوله أيضًا.

يستطيع أي أب لطفل صغير أن يخبرك تفصيليًّا عن المحفزات التي تميز إتمام مهمات الروتين الصباحي، بدءًا بقول بعض الحقائق للأطفال مثل: إذا تأخرنا فإن بوابة المدرسة ستُغلق، وصولًا إلى رشوة مباشرة مثل القول: ستحصل على بعض الكعك إن ارتديت حذاءك الآن.

هل تجد صعوبة في إقناع الآخرين؟ الأمر متعلق بنبرة صوتك - كيف تحسن الإشارات غير اللغوية قدراتك الإقناعية؟ - كل تُقنع الآخرين بصحة كلامك

في كل يوم، نحن نُقنِع ونتعرض للإقناع. لكنه ليس من السهل الانتصار بوجهة نظرك على الآخر، خاصةً أن محاولة فعل ذلك قد ترتد عليك وإن كانت الحقائق في صفك. مثلًا، أُجريت دراسة على حملات الإقناع باللقاحات الصحية، وأثبتت النتائج أن بعض الحقائق والمعلومات جعلت الأهل أقل قابلية للاقتناع بإنهم سيطعمون أطفالهم مستقبلًا. عمومًا، لا يُحبِّذ الناس الشعور بوجود من يحاول إقناعهم بأمر ما.

ركزت معظم الأبحاث على الإقناع بالمحتوى أو ما يُقال. ولكن الدراسة التي نُشِرت مؤخرًا في مجلة علم النفس الاجتماعي وعلم نفس الشخصيات أخذت منحى آخر.

في سلسلة من أربع تجارب، بدلًا من أن يركز الفريق البحثي على ما يقوله الشخص للإقناع، ركزوا على طريقة القول، أي الخصائص السمعية في كلامهم. تشمل تلك العلامات غير اللغوية: النبرة، وعلو الصوت، وسرعة الكلام. أراد الباحثون أن يتحققوا من إمكانية تحسين ما هو جيد أصلًا عبر تحسين طريقة إلقاء المتكلم.

وضع الباحثون تفسيرين محتملين لقدرة الإشارات غير اللغوية في الكلام على التأثير في الإقناع: الثقة وقدرة التوقع. لدراسة عامل الثقة، وضع الباحثون الفرضية التالية: حتى لو كانت محاولة الإقناع واضحة، تحسن ثقة المتكلم من تأثير الكلام المُراد إقناع الآخرين به. أما لدراسة القابلية للتوقع، وضع الباحثون الفرضية التالية: تنجح الإشارات غير اللغوية في ترك أثر عندما تكون غير واضحة، أي عندما تتجنب لفت انتباه الناس إلى أنك تحاول إقناعهم.

بدايةً، صمم الباحثون محاولة إقناع واضحة لاختبار فرضية الثقة. استمع المشاركون في الدراسة لتعليق من اثنين حول شراء تلفاز. الكلمات كانت ذاتها في التعليقين، ولكن في أحدهما قدم المتكلمون التعليق بطريقة عادية، أما في الثانية أُخبِر المتكلمون أنه عليهم محاولة إقناع المستمعين بشراء التلفاز. في هذه الدراسة وفي الدراسات التي تلت، حُفِّز المتكلمون عبر إخبارهم باحتمالية فوزهم ببطاقة هدية إذا نجحت محاولات الإقناع.

وللتلاعب بانتباه المشاركين لمحاولات المتكلم في إقناعهم، أخبر الباحثون بعض المشاركين أن مصنع التلفاز دفع مالًا للمسوِّق كي يقنعهم. أثبتت النتائج وجود تأثير للإشارات غير اللغوية: المستمعين الذين تلقوا التعليق المُحسَّن، أعطوا تعليقًا أكثر إيجابية حول التلفاز من المستمعين الذين تلقوا تعليقًا عاديًّا.

أيضًا، لم تُخفِّف عبارة أن المصنع أعطى مالًا للمتكلم من أثر التعليق المحسن حتى عندما كان من الواضح جدًّا للمستمعين أن المتكلم يحاول إقناعهم. بقيت النتائج ذاتها في التجربة التي تلت، واستُخدمت تسجيلات أكثر وضوحًا حول وجود محاولات إقناع الآخرين في الكلام.

أما التجربة الثالثة فقد صُمِّمت تحديدًا لإزالة أي احتمال لوجود عامل التوقع (أي اكتشاف وجود محاولة لإقناعك) ولخلق وضع مشابه للحياة الواقعية. لتجهيز تسجيلات التجربة الثالثة، أتم المشتركون مجموعة من مهام إدراك العواطف (لجعل المشاركين يقدمون على نشاطات يمكنهم التكلم عنها بهدف الإقناع أو عدمه).

كتب كل المشتركين ملاحظات عن مهام إدراك العواطف، وسجلوا تلك الملاحظات صوتيًّا مخاطِبين مشتركين محتمَلين مستقبلًا، وقد طُلِب منهم بوضوح أن يكتبوا نصًّا إقناعيًّا. وكما في التجارب السابقة، سجل المشتركون نوعين من الملاحظات: مع إشارات غير لفظية ودونها، وطُلِب منهم أيضًا أن يقيِّموا محاولاتهم للظهور بثقة.

بعد ذلك، استمعت مجموعة جديدة لكل نوع من أنواع الملاحظات المسجلة سابقًا، وقيَّموا درجة تفضيلهم لتلك المهام الادراكية: من درجة ثقة المتكلم، وإذا كانوا قد لاحظوا أن المتكلم يحاول إقناعهم. أثبتت النتائج فرضية الثقة وأعطت أدلة ضد فرضية توقع الاقناع. كما في التجارب السابقة، أثرت الإشارات غير اللفظية على المستمعين لأن المتكلمين ظهروا واثقين من أنفسهم.

في هذه الحالة الخاصة لتصميم هذه التجربة، أثرت الإشارات غير اللفظية حتى عندما شعر المستمعون بوضوح أن المتكلم يحاول إقناعهم. إذن، سر عمل الإشارات غير اللفظية ليس كون تلك الإشارات لا تُلتقط. عندما قيَّم الباحثون إن كان المتكلمون يحاولون إبراز الثقة، وجدوا أن هذا ما كان يحصل بالفعل وأن هذا هو ما التقطه المستمعون.

هل تجد صعوبة في إقناع الآخرين؟ الأمر متعلق بنبرة صوتك - كيف تحسن الإشارات غير اللغوية قدراتك الإقناعية؟ - كل تُقنع الآخرين بصحة كلامك

للبحث أكثر حول أسباب تلك التأثيرات، استخدم الفريق البحثي برنامجًا حاسوبيًّا خاصًّا لتحليل التسجيلات في كل تجربة من أجل اكتشاف كيف تلاعب المتكلمون بأصواتهم عندما كانوا يحاولون إقناع الآخرين.

نظر الباحثون إلى عوامل مثل النغمة وسرعة الكلام والوقفات وعلو الصوت والنبرة، واكتشفوا أنه عندما حاول المشتركون استعمال الإشارات غير اللفظية اختلفت خصائص خطابهم، مثلًا تكلم المشتركون بصوت مرتفع وبنغمة عالية عندما حاولوا الإقناع، ما يُعَد عاملًا إضافيًّا يقترح وجود دور أساسي للثقة في إنجاح العلامات غير اللفظية، لارتباط تلك العوامل بالخطاب الواثق عمومًا.

في التجربة الأخيرة، أعاد الباحثون تلك التجارب باستخدام وسائل تحديد أفضل (عبر استخدام المحفزات في الحالتين، وعبر استخدام مذياع يُشبك بالسترة لضمان تسجيل صوتي أفضل).

وأُعيدت التجربة بعد تغيير عدة أمور مهمة شملت كيفية قياسهم للإقناع. إضافةً إلى ذلك، استبعد الباحثون خطوة إعلام المستمعين بنيّة المتكلم لإقناعهم، وأضافوا وسائل قياسية لتقييم تصور المستمع عن موقف المتكلم وقدرته وهيمنته والإعجاب به. كان كل هذا لمعرفة العوامل التي تفسر كيف تحسن الثقة من القدرة الاقناعية.

أظهرت النتائج دورًا مهمًّا لموقف المتكلم في إظهار الثقة. عند استخدام الإشارات غير اللفظية، رفع المتكلمون أصواتهم أكثر وكان الصوت مرتفعًا عمومًا، الأمر الذي أظهرهم بمظهر أكثر ثقة، وحسَّن من جودة تسجيلاتهم. تلك العلامات جعلتهم أيضًا يبدون أكثر صدقًا، ما يفسر نجاح الإقناع رغم كون المستمعين على دراية بوجود محاولة لإقناعهم.

بتنا نتواصل خطيًّا عبر البريد الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من الجوال أو المحادثات وجهًا لوجه. ولكن هذه الدراسة تُثبِت أنه عندما تريد إقناع الآخرين ، فإن طريقة إلقاء الكلام لا تقل أهمية أبدًا عن مضمونه. لذا في المرة القادمة عندما تريد مقابلة صديقك على الغداء بعد العمل، بدلًا من أن ترسل اسم المطعم الذي تتوق لتجربته، حاول الاتصال بصديقك، ولا تنس أن ترفع من نبرة صوتك قليلًا أثناء إخباره باسم المطعم.

اقرأ أيضًا:

نبرة صوتك قد تساعد في تشخيص مرضك

لماذا يمتلك الرجال صوتًا أقل حدة من صوت النساء؟

ترجمة: زهراء حدرج

تدقيق: عون حداد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر