كيف فقد عالم الفيزياء بجامعة برينستون وثائق القنبلة الهيدروجينية ؟ تفاصيل عن الحادثة تُنشر للعامة لأول مرة.

اختبار القنبلة الهيدروجينية في إنيوتوك أتول في المحيط الهادي، 1 أبريل 1954

اختبار القنبلة الهيدروجينية في إنيوتوك أتول في المحيط الهادي، 1 أبريل 1954

ربما نسيت المكان الذي أوقفت فيه سيارتك، أو فقدت أثر مفاتيح منزلك أو هاتفك. لكنك على كل حال لست سيئًا بقدر عالم الفيزياء الذي أضاع وثائق حكومية سرية عن أول قنبلة هيدروجينية سنة 1953.

كان جون أرشيبالد ويلر John Archibald Wheeler رائدًا في الفيزياء، إذ عمل في مجالات نظرية الكم والانشطار النووي، ويعود إليه الفضل في ابتكار مصطلح الثقب الأسود. لكن تضمنت إحدى مغامراته الأقل شهرة اختفاء ملفات شديدة الحساسية تصف اختبارات القنبلة الهيدروجينية. لم تُفقد الأوراق السرية في ثقب أسود ولكن في دورة مياه أحد القطارات!

كيف؟ اكتشف مؤرخ علمي القصة الخفية عن كيفية اختفاء أسرار القنبلة الهيدروجينية بغموض قبل نحو 70 عامًا، وكشف تفاصيل الواقعة لأول مرة.

أُعلن ملف FBI الخاص بويلر حديثًا بموجب قانون حرية الوصول الى المعلومات Freedom of Information Act، وقرّر أليكس ويلرستين Alex Wellerstein، الأستاذ بمعهد ستيفنز للتكنولوجيا بنيوجيرسي، دراسة ما حدث في رحلة القطار المشؤومة. تتبع ويلرستين خطوات ويلر لجمع معلومات عن كيفية اختفاء الملف، ونشر ما توصل إليه عبر الإنترنت في 1 ديسمبر في مجلة Physics Today.

في أربعينيات القرن الماضي، فتح العلماء صندوق باندورا بتطوير أول قنبلة ذرية، وأصبح لدينا أسلحة ذات قدرة تدميرية غير مسبوقة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، استمرت الأبحاث لإصدار القنبلة الخارقةsuper bomb ، وهي قنبلة هيدروجينية يحفزّها الاندماج الذري atomic fusion. الاندماج الذري هو عملية تولد انفجارًا أقوى بمئات المرات من الانفجار الصادر عن القنابل الانشطارية fission bombs التي دمرت هيروشيما وناجازاكي.

ذكر ويلرستين أن المقر الرئيسي لأبحاث القنابل الهيدروجينية في الولايات المتحدة يقع في سافانا بولاية سوث كارولينا. وكان ويلر أستاذًا بجامعة برينستون حيث أعد مشروع القنبلة الهيدروجينية تحت اسم Matterhorn B.

اختفت تمامًا

وفقًا لأرشيف الجيش الأمريكي، اختُبرت أول قنبلة هيدروجينية في الأول من نوفمبر 1952 في إنيوتوك أتول بجزر مارشال جنوب المحيط الهادي. بلغ قُطر نطاق الانفجار 10 أضعاف قُطر نطاق الانفجار الذري، وبلغت قوة الانفجار 1000 ضعف قوة القنبلة الذريّة. لدرجة أن جزيرة Elugelab التي جرى عليها الاختبار انمحت من الوجود.

عارض الكثير من العلماء والمسؤولين الأمريكيين اختراع مثل هذه الأسلحة الخطيرة المروعة. أما مؤيدو القنبلة فرأوا أنه من الضروري أن تواكب الولايات المتحدة تطوير الأسلحة النووية لمجابهة خطر الاتحاد السوفيتي.

لتعزيز المناقشات المتعلقة بأبحاث القنبلة الهيدروجينية، أصدر فريق الكونجرس المشرف على البرامج الذرية الأمريكية -اللجنة المشتركة للطاقة الذرية- وثيقةً من 91 صفحة تروي تاريخ برنامج القنبلة الهيدروجينية وصولًا إلى الاختبارات الناجحة، وأرسلت 6 صفحات تحتوي مُلخصًا من الوثائق إلى ويلر ليراجعها.

صُنف الملخص الذي أُرسل إلى ويلر بأنه (سري) لا (سري للغاية)، لأنه لم يكن لدى ويلر تصريح أمني عالي المستوي يسمح له بالاطلاع على الوثائق عالية السرية. كان من المفترض أن يصطحب ويلر الملخص معه في رحلته بالقطار ليلًا من برينستون إلى واشنطن، في 6 يناير 1953.

الوثيقة (السرية للغاية) للجنة المشتركة التي تفصل أحداث بحث القنبلة الهيدروجينية

الوثيقة (السرية للغاية) للجنة المشتركة التي تفصل أحداث بحث القنبلة الهيدروجينية

رحلة القطار

وصف ويلرستين ما فعله ويلر وهو يستعد للرحلة. وضع ويلر الأوراق في مظروف أبيض وصعد إلى القطار في برينستون في التاسعة مساءً، وتحرك القطار في طريقه إلى واشنطن.

لاحقًا أخبر ويلر عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي أنه أخرج الأوراق السرية من المظروف الأبيض وقرأها في مقصورته قبل أن ينام. وعندما استيقظ في الصباح، وضع المظروف الأبيض داخل مظروف أكبر من النوع المعروف باسم مظروف مانيلا manila envelope وأخذه معه إلى دورة المياه.

عندما عاد إلى المقصورة أدرك ويلر أنه نسي الأوراق في دورة المياه، فعاد مجددًا إلى هناك حيث وجد مظروف مانيلا لكنه كان خاليًا، بحث ويلر دون جدوى عن المظروف الأبيض والأوراق المهمة لكنها كانت قد اختفت تمامًا، وأبلغ حينها مكتب التحقيقات الفيدرالي بما حدث.

مخطط لمركبة بولمان التي أمضى فيها جون ويلر ليلته في 6 يناير 1953، أعلى: المخطط الأصلي لشركة بولمان، أسفل: رسم حاسوبي بواسطة ويلرستين

مخطط لمركبة بولمان التي أمضى فيها جون ويلر ليلته في 6 يناير 1953، أعلى: المخطط الأصلي لشركة بولمان، أسفل: رسم حاسوبي بواسطة ويلرستين

تصف سجلات مكتب التحقيق الفيدرالي الجهود الشاملة والمضنية للبحث عن الوثائق، إذ أجروا مقابلات عديدة وفككوا الكراسي قطعةً قطعة بحثًا عن أي مكان قد تكون فيه الملفات الضائعة. حتى أنهم اقترحوا تعيين عملاء للبحث في مسار القطار من فيلادلفيا إلى واشنطن، حال تم التخلص من الأوراق هناك، لكن لم تُنفذ هذه الفكرة.

في النهاية استنتج المحققون أن اختفاء الوثائق لا علاقة له على الأرجح بالتجسس، وأنه كان حادثًا عارضًا.

كتب ويلرستين: «السيناريو الأرجح هو أن ويلر لم يُعِد المظروف الأبيض المحتوي على الوثائق إلى مظروف مانيلا بعد أن قرأه ليلًا على القطار، وأنه رُمي في القمامة بطريقة أو بأخرى ودُمر. ولكن يستحيل التحقق من صحة هذا السيناريو».

اقرأ أيضًا:

ما هو الفرق بين القنبلة الهيدروجينية و القنبلة الذرية ؟

اختراعات من الحرب العالمية الثانية غيرت العالم

ترجمة: غنوة عجرم

تدقيق: زيد الخطيب

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر