أظهرت بعض القياسات على مواد ذات ناقلية فائقة تحول مفاجئ بين المعادن الطبيعية والمعادن «الغريبة». الشيء الغريب حقًا هو أن هذا الانحدار الشديد يختفي عند انخفاض درجة الحرارة. وليس لدينا أي تفسير ميكانيكي لهذا، هكذا يقول الفيزيائي النظري جان زانين Jan Zaanen، المساعد بتأليف هذه المقالة العلمية: «هذا شيء يمكن حسابه فقط من خلال حاسوب كمي».

لقد منحتنا الناقلية الفائقة الكثير من المفاجئات لأكثر من قرن مضى. اكتشف هايك كاميرلينج Heike Kamerlingh في ليدن Leiden أن الزئبق ينتج تيارًا كهربائيًّا بدون أية مقاومة عند 4.2 كلفن (ما يعادل 4.5 درجة فوق الصفر المطلق).

النظرية المتعلقة بالناقلية الفائقة معرضة للخطر - أظهرت بعض القياسات على مواد ذات ناقلية فائقة تحول مفاجئ بين المعادن الطبيعية والمعادن الغريبة

هذه الظاهرة قد شُرحت فقط في عام 1957، وفي عام 1986 تم اكتشاف نوع آخر من الناقلية الفائقة في معقد أكسيد النحاس. هذه الناقلية الفائقة عالية الحرارة تستمر بالظهور حتى في درجات الحرارة المعتدلة (مثلًا حوالي 92 كلفن).

إذا استطعنا أن نقوم بمدها باتجاه منطقة حرارية، ستصبح للناقلية الفائقة تطبيقات تكنولوجية لا مثيل لها، ولكن ذلك يتطلب المزيد من الوقت، لأنه لا يوجد لهذه الظاهرة تفسير كامل. وهذا ليس بسبب نقص الدعم من قبل الفيزيائيين مثل جان زانين، (وهو مساعد مؤلف وباحث نظري مع مجموعة من فيزيائيي جامعة ستانفورد الذين قاموا بنشر مقالة في مجلة Science).

مواد غريبة

كتب زانين عن المنشور: «أنا أعتقد أنه سيؤثر، حتى على قياسات العلم، هذه ليست مقالة عابرة».

كان من المعروف منذ عام 1957 أن الناقلية الفائقة تحدث بفعل إلكترونات تُشكل أزواجًا، والذي بدوره بإمكانه العبور خلال كريستال بدون عائق. هذا كله يحدث فقط تحت درجة الحرارة الحرجة العالية.

تُظهر درجة الحرارة الحرجة العالية تصرفًا غريبًا. في هذا الطور من المعدن الغريب، لا يتصرف الإلكترون الكبير بشكل مستقل، كما يفعل في المعادن الطبيعية، لكن يتصرف بشكل جماعي.

دقق سودي تشين Sudi Chen وزملاؤه في جامعة ستانفورد عملية التحول بين الحالة الطبيعية والغريبة للناقلية الفائقة لأكسيد النحاس Bi 2210، باستخدام تقنية ARPES (طيف العزم الزاوي للإصدار الفوتوني).

بهذه التقنية يتم إصدار كمية كبيرة من ضوء الأشعة فوق البنفسجية UV على العينة، وهذه الكمية الكبيرة من الضوء تحمل طاقة تستطيع إخراج الإلكترونات منها. إن الطاقة والسرعة العالية للإلكترونات المنبعثة تخدع تصرف الإلكترونات داخل العينة.

الماء المغلي

بعيدًا عن درجة الحرارة، يعتبر عامل التخدير حاسم. عن طريق لحم التركيب الكيمائي نفسه للمواد، عدد الشحنات الحرة التي تتحرك يمكن أن يتغير، مما يؤثر على خصائص المادة.

في درجة حرارة دافئة نسبيًا، أكبر بقليل من الحد الأعلى المسموح به لدرجة الحرارة الحرجة، التحول بين المعدن الغريب والطبيعي يحدث في نسبة تخدير بين 19-20%. في هذا التحول. أظهر تشين وزملاؤه أن توزيع الطاقة للإلكترونات يتغير فجأة. يعتبر هذا التحول المتقطع شائعًا في الفيزياء. أحد الأمثلة هو عملية غليان الماء: خلال عملية تحول الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية، تُحدث الكثافة قفزة كبيرة متقطة.

لكن الشيء الغريب في هذه الحالة، اختفاء التقطع عند انخفاض درجة الحرارة في حقل الناقلية الفائقة: يختفي عدم الترابط، وتتغير الخصائص فجأة باستمرارية.

صندوق القمامة

فما هي الحالة إذن؟

«طبقًا لمبدأ الفيزياء العامة، من الممكن أن تتحول الحوادث المتقطعة في درجات الحرارة العالية إلى تحول متقطع في درجات الحرارة المنخفضة»، هذا ما يقوله زانين، وحقيقة أن هذا لا يحدث هو غريب بالنسبة لكل الحسابات حتى الآن. الآلية النظرية كاملة قد خيبت ظننا.

وهذا أيضًا يعني أن ما يسمى بالتحول الكمي الحرج -الأفضل بين الشروحات- من الممكن أن يُلقى في صندوق القمامة لأنها تتنبأ بتصرف مستمر لإشارة الـARPES عند تغير المخدر.

وفقًا لزانين، كل هذا يُعد إشارةً واضحة إلى أن طور المعادن الغريبة هو نتيجة لترابط كمي، هذا هو الترابط لخصائص الجسيمات في ميكانيكا الكم، والذي يعد أيضًا عاملًا أساسيًّا في الحواسيب الكمية.

الحواسيب الكمية

من هنا، يجد زانين أنه من الممكن حساب هذا التصرف فقط من خلال حواسيب كمية. حتى أكثر من اختراق الشفرات السرية أو حساب المركبات، المعدن الغريب هو الحالة المثالية، حيث أن الحواسيب الكمية من الممكن أن تعرُض مزاياها مع استمرارية استعمال الحواسيب العادية.

يقول زانين: «أن العبرة من القصة هو أن أصل الناقلية الفائقة بحد ذاته قضية فريدة. بعد مُضي ثلاثين عامًا، تزيد الأدلة على أن الناقلية الفائقة في درجات الحرارة فوق الحرجة تشير إلى نوع جديد من المادة، الذي يُعد بدوره محكومًا من قبل نتيجة الترابط الكمي في العالم الأكبر (macroscopic)».

اقرأ أيضًا:

شرح مبسط لنظرية الحقل الكمومي

ما هي الحوسبة الكمومية؟

ترجمة: عروة ضوا

تدقيق: بدر الفراك

مراجعة: صهيب الأغبري

المصدر